في مثل هذا اليوم 6 نوفمبر1991م..
إطفاء آخر بئر نفط محترق في الكويت من جراء الغزو العراقي عليها في 2 أغسطس 1990.
حرائق آبار النفط الكويتية هي مجموعة من الحرائق كان قد أشعلها الجيش العراقي في آبار النفط الكويتية في أواخر فبراير 1991، قبل انسحابه من الكويت حيث قامت القوات العراقية بتدمير ما يقارب 1073 بئرًا نفطيًا، وذلك عن طريق تفجيرها مما أدى إلى احتراق حوالي 737 بئرًا مسببًا غيمة سوداء غطت سماء الكويت والدول المجاورة لها، بل وحتى بعض دول الخليج العربي والدول المطلة على المحيط الهندي، مما أدى إلى حصول مشاكل بيئية وتلوث في الجو العام. بعد تحرير الكويت بدأت عملية إطفاء الآبار المشتعلة في مارس 1991 وتم إطفاء آخر بئر في 6 نوفمبر 1991.
كان إنتاج وتصدير النفط أحد الأسباب التي أعلنتها الحكومة العراقية في تبريرها لاحتلال الكويت. فقد اتهم العراق كل من الكويت والإمارات العربية المتحدة بالتلاعب بأسعار النفط وذلك برفع نسبة إنتاجهما من النفط مما أدى إلى انخفاض أسعار النفط إلى مستوى 10-12 دولاراً بدلًا من 18 دولاراً للبرميل. وسبب هذا الانخفاض خسائر في إيرادات الحكومة العراقية التي تعتمد على مدخول النفط لتسديد ديونها بسبب الحرب العراقية الإيرانية. ويرى بعض المحللين أن إحراق آبار النفط الكويتية كانت وسيلة عقاب من قبل الحكومة العراقية لرفع الكويت لإنتاجها من النفط، على الرغم من أن إحصائيات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تشير إلى أن 10 دول من ضمنهم العراق لم تكن ملتزمة بحصص الإنتاج. ومما يؤيد نظرية الانتقام في إحراق وتفجير آبار النفط الكويتية هو قيام الحرس الجمهوري العراقي بوضع خطة متكاملة لتفجير الآبار النفطية ومحطات الكهرباء والماء. وتظهر الوثائق العراقية بدء وضع هذه الخطط منذ 12 أغسطس 1990، أي بعد 10 أيام من الغزو العراقي للكويت.
كان استخدام عجينة من «التي أن تي» هي الوسيلة الغالبة في تفجير الآبار النفطية، حيث استخدم ما يقارب 14 طناً من متفجرات «التي أن تي» في هذه العملية وبمتوسط 11 كيلوجراماً للبئر الواحد. كما استخدمت أكياس الرمل لوضعها فوق المتفجرات وذلك لمضاعفة الضغط على رأس البئر ومضاعفة درجة التخريب. كما تم استخدام القنابل العنقودية وقذائف الدبابات في تفجير بعض الآبار وذلك لعدم توفر عجينة «التي أن تي» أو تعثر الوصول لرأس البئر بسبب الألغام المزروعة.
حجم المشكلة البيئية
تعتبر هذه الحادثة من أكبر الحوادث البيئية في العالم حيث أن السحب الدخانية الناتجة عن حرق الآبار وصلت إلى اليونان غربًا وإلى الصين شرقًا بينما آثار هذا الدخان تعدى تلك المسافة ليصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
تلوث الهواء
أدى حرق أكثر من 727 بئر نفطي إلى انبعاث كمية كبيرة من الغازات السامة والدخان على مدى ما يقارب من الثمانية أشهر. فقد وصل مدى الدخان المرئي إلى مسافة 2000 كم عن الكويت لتصل إلى الصين والهند شرقًا. كما أن السخام الناتج من حرائق الآبار قد تم رصده في هاواي واليابان. وقد تنبأت بعض الدراسات إلى احتمال انخفاض درجات الحرارة بمقدار 100 درجات مئوية في مساحة دائرة نصف قطرها مئات الكيلومترات مركزها الكويت كما تنبأت بانخفاض قدره درجتان لمسافة تصل إلى 1000 كم. أدى هذا الانخفاض في درجات الحرارة إلى تغيرات كبيرة في المناخ الجوي.
أدت الحرائق النفطية إلى انبعاث العديد من المركبات السامة والمضرة بصحة الإنسان. وقد شملت الغازات المنبعثة على أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين وكبريتيد الهيدروجين والكثير من المركبات الهيدروكربونية. كما لوحظ اختلاف واضح في لون الدخان إذ كان شديد السواد في معظم الحالات نتيجة احتوائه على نسبة عالية من السخام (20 – 25% منه)، وكان يشوب الدخان اللون الأبيض في حالات قليلة نتيجة لبخار الماء واحتراق الأملاح ككلوريد الصوديوم وأملاح الكالسيوم والبوتاسيوم. كما قدرت كمية الدخان الأسود الناتج عن النفط المحترق بحوالي 14-40 ألف طن يوميًا. كما قدرت كمية ثاني أكسيد الكربون المنطلق بمليوني طن أي ما يعادل 2% من النسبة العالمية لإنتاج ثاني أكسيد الكربون. أما ثاني أكسيد الكبريت فإن كميتة تصل إلى 9,000 طن يوميًا وحوالي 350 طن من أكاسيد النيتروجين و250 طن من غاز أول أكسيد الكربون.
انعكست هذه الزيادة الكبيرة في بث الملوثات على جودة الهواء في الكويت والمناطق المحيطة بها، حيث تم رصد ارتفاع كبير في تركيز الملوثات في محطات الرصد البيئية في الكويت. فقد بلغ تركيز الأوزون ما يقارب 1,000 مجم لكل متر مكعب أي ما يقارب 8 أضعاف الحد الأعلى المسموح به. كما تم رصد زيادة مشابهة -لكنها أقل حدة في الزيادة- في تركيز كل من ثاني أكسيد الكبريت (1.671 مجم/م3، الحد المسموح: 1.5 مجم/م3)، والرصاص (92.5 مجم/م3، الحد المسموح: 80 مجم/م3). كما لوحظ ارتفاع كبير في تركيز الجزيئات الدقيقة (3,000 مجم/م3، الحد المسموح: 150 مجم/م3).
تلوث المياه
تعمد الجيش العراقي بضخ النفط في مياه الخليج العربي ابتداءً من النصف الثاني من يناير 1991 إثر تصاعد وتيرة الغارات الجوية للقوات المتحالفة. فبدأ الضخ من خمس ناقلات نفطية كانت راسية أمام ميناء الأحمدي ومن بعض الآبار القريبة من الخليج بما يقدر بستة ملايين برميل. وفي الخامس والعشرين من يناير 1991 تم فتح صنابير ضخ النفط في ميناء الأحمدي ليزيد من حدة التلوث النفطي. فقدر معدل ضخ النفط في مياه الخليج ما يقارب 6000 برميل يوميًا. نتيجة لذلك تشكلت ما يقارب 128 بقعة زيتية قبالة السواحل الكويتية والسعودية لتشكل أكبر حادثة انسكاب نفطي يشهدها العالم حيث بلغ طول البقعة حوالي 130 كم وقدر عرضها ب25 كم. ومما فاقم المشكلة هو التسرب النفطي من الخنادق الممتلئة بالنفط والتي حفرها الجيش العراقي كخطوط دفاع لهم. والجدير بالذكر أن دول الخليج العربي لا تزال تعاني من آثار وعواقب هذه الحادثة.
تأثرت الكائنات البحرية تأثرًا كبيرًا بهذا التلوث، فانتشار النفط على سطح الماء يشكل طبقة تمنع التبادل الغازي كما تمنع وصول الضوء الكافي للهوائم النباتية مما يسبب خلل في السلسلة الغذائية. فقد أدت هذه الظاهر إلى انخفاض حاد في المخزون السمكي وظهر هذا بشكل انخفاض في كمية صيد الأسماك في العامين 1992 و1993. أدى تدفق النفط من الآبار المدمرة إلى تلوث المياه الجوفية خاصة وأن التكوينات المائية في الجزء الشمالي في الكويت شديدة النفاذية مما يجعل من السهل تسرب النفط إلي هذه التكوينات خاصة بمصاحبة مياه الأمطار.
نظرًا لحجم الكارثة البيئية وكثرة عدد الآبار النفطية المشتعلة بالإضافة إلى العدد الكبير من الآبار النازفة والدمرة، قدر الوقت اللازم لعملية الإطفاء بفترة تمتد لعدة سنوات. تراوحت التقديرات في المدة اللازمة لعملية إخماد حرائق آبار النفط بين سنتين إلى خمس سنوات، إلا أن تمت السيطرة على جميع الآبار المحترقة خلال 240 يومًا وذلك بمشاركة 27 فريقًا دوليًا متخصص في إطفاء حرائق النفط وقد ساهم الفريق الكويتي بإطفاء 6٪ من مجموع الآبار. فتم إطفاء آخر بئر في السادس من نوفمبر 1991 ليتم إيقاف المصدر الأول للتلوث في ذلك الوقت.
في سبتمبر من عام 1990 تم تشكيل فرق من مسؤولي القطاع النفطي في الكويت من أجل وضع خطط للطوارئ وإعادة التشغيل والإنتاج بعد تحرير الكويت. وفرضت الخطة احتراق 100 بئر نفطي بحد أقصى، وعلى هذه الفرضية قامت باستشارة أربعة فرق متخصصة في مكافحة حرائق الآبار النفطية وهي: شركة ريد أدير، وشركة بوتس آند كوتس، وشركة وايلد ويل كنترول، وشركة سيفتي بوس. كما وضعت خطط وتصورات لعملية الإطفاء والعمليات المصاحبة. إلا ونظرًا لارتفاع عدد الآبار المشتعلة والنازفة عن العدد المفروض كان لزامًا على الحكومة الكويتية بإعادة النظر في الخطة ككل.
بعد تحرير الكويت في فبراير 1991 وقعت الكويت عقود إطفاء حرائق الآبار مع الشركات الأربع التي تم استشارتها. وبدأت فرق الإطفاء بالوصول للكويت في 11 مارس 1991. وتم السيطرة على أول بئر مدمر (بئر الأحمدي 49) في 20 مارس 1991 بواسطة شركة ريد أدير. في الشهور الخمسة الأولى كانت عملية إطفاء النيران مقتصرة على الشركات الأربعة فقط، وفي نهاية أغسطس 1991 انضمت 11 شركة متخصصة في مكافحة الحرائق النفطية من فرنسا وهنغاريا والإتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة والصين وإيران للمساهمة في عملية الإطفاء. أدى ارتفاع الشركات من أربعة في الشهور الأولى إلى 15 -بالإضافة إلى الفريق الكويتي – بواقع 27 فريق، بزيادة معدل غلق الأبار المدمرة والمحترقة من 3 في اليوم في مايو 1991 إلى 8 في أكتوبر 1991. ولعبت عدة عوامل أخرى في ازدياد وتيرة الإطفاء، أهمها اكتمال أعمال التمديدات المائية لنقل مياه البحر واستخدام تقنيات حديثة لوقف اشتعال الآبار.
الطرق المستخدمة في الإطفاء
تم اتباع عدد من الطرق لإطفاء حرائق آبار النفط، كما تم تطوير وتجربة عدد من الوسائل والمعدات الحديثة والمصنعة خصيصا لحرائق آبار النفط الكويتية. وتشترك جميع الطرق بثلاث مراحل أساسية:
تبريد البئر والمنطقة المحيطة به، وتتم ذلك عادة بضخ كميات كبيرة من المياه أو المواد الكيماوية.
السيطرة على تدفق النفط من البئر. وبهذه المرحلة يتم السيطرة على ضغط البئر عن ضخ كميات من الطين في فوهة البئر حيث يمنع الطين اندفاع النفط لأعلى لكونه أثقل وأكثر كثافة من النفط. كما أن هناك طرق أخرى لتقليل الضغط في البئر كحفر بئر آخر مواجه أو ثقب مواسير التبطين، وبهاتين الطريقتين يتم تحويل مسار تدفق النفط إلى فتحة أخرى بشكل مدروس.
تركيب الصمامات النهائية والتأكد من عدم وجود أي تسرب نفطي أو غازي.!!
Discussion about this post