في مثل هذا اليوم 17 نوفمبر 1958م..
اندلاع ثورة الفريق إبراهيم عبود في السودان.
تعود جذور هذه الثورة إلى يوم 19 ديسمبر/كانون الأول من عام 1955، عندما اجتمع البرلمان السوداني ليعلن اسماعيل الأزهري زعيم الحزب الديمقراطي الاتحادي من داخل القبة استقلال السودان، وفي الأول من يناير/كانون الثاني من عام 1956 رفع اسماعيل الأزهري مع زعيم المعارضة حينها محمد أحمد المحجوب علم الاستقلال على سارية البرلمان.
في البداية كانت الحكومة البرلمانية تحظى بتقدير كبير كرمز للقومية والاستقلال.
لكن لم يكن البرلمان فعالا، فقد تم إدخاله إلى السودان في الوقت الذي كانت فيه النماذج البرلمانية تختفي بسرعة من البلدان الأخرى في الشرق الأوسط.
السودان: هل بات الخلاف بين شريكي الحكم المدني والعسكري عصيا على الإصلاح؟
السودان : كيف سيؤثر الإعلان عن إحباط “محاولة انقلابية” على مسار المرحلة الانتقالية؟
ولم تكن الأحزاب السياسية مجموعات جيدة التنظيم وذات أهداف مميزة، بل كانت تحالفات فضفاضة مدفوعة بشكل أساسي بالمصالح الشخصية والولاءات لمختلف الفصائل الدينية.
مع استفحال الانقسامات داخل الأحزاب، بات البرلمان فاقدا للمعنى، ولم يستفد منه سوى السياسيين الذين حصدوا ثمار السلطة والمحسوبية.
وإثر خيبة الأمل من تجربتهم الديمقراطية الليبرالية، عاد السودانيون مرة أخرى إلى الاستبداد. بحسب دائرة المعارف البريطانية.
ففي ليلة 16-17 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1958، قام الفريق ابراهيم عبود القائد العام للجيش السوداني بانقلاب غير دموي، وحل جميع الأحزاب السياسية، ومنع التجمعات، وأوقف صدور الصحف مؤقتا.
مئات الآلاف يخرجون في مظاهرات السودان للمطالبة بحكم مدني
مظاهرات السودان “حماية للثورة أم التفاف عليها”؟مئات الآلاف يخرجون في مظاهرات السودان للمطالبة بحكم مدني
كما تم إنشاء مجلس أعلى للقوات المسلحة يتألف من 12 عضواً من كبار الضباط، وحقق حكم الجيش تحسينات اقتصادية سريعة.
وقد ألغت حكومة عبود على الفور السعر الثابت للقطن وباعت كل القطن السوداني، وأعادت بناء احتياطي البلاد من النقد الأجنبي.
وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1959، أبرمت الحكومة اتفاقا مع مصر بشأن مياه النيل.
في جنوب السودان، كانت سياسات عبود أقل نجاحا. فباسم الوحدة الوطنية، أدخل ضباط الجيش العديد من الإجراءات التي تهدف إلى تسهيل انتشار الإسلام واللغة العربية.
شغل السودانيون الشماليون مناصب مهمة في الإدارة والشرطة كما تم تحويل التعليم من منهج اللغة الإنجليزية للمبشرين المسيحيين، الذين طالما كانوا مسؤولين وحدهم عن التعليم في الجنوب، إلى منهج عربي إسلامي، وتم طرد المبشرين المسيحيين الأجانب بين عامي 1962 و 1964.
وقد واجهت إجراءات الحكومة المركزية في جنوب السودان مقاومة متزايدة.
ففي أكتوبر/تشرين الأول من عام 1962، أدى إضراب واسع النطاق في المدارس الجنوبية إلى مظاهرات مناهضة للحكومة أعقبها هروب عام للطلاب وغيرهم عبر الحدود.
وفي سبتمبر/أيلول من عام 1963 اندلع تمرد في شرق الولاية الاستوائية وفي منطقة أعلى النيل، بقيادة أنيا نيا، وهي منظمة حرب عصابات في جنوب السودان كانت تؤمن أن المقاومة العنيفة هي وحدها التي ستجعل حكومة الفريق عبود يوافق على حل مقبول للجنوبيين. وفي المقابل زاد القادة العسكريون في الخرطوم من عمليات القمع.
وقد استغل المثقفون في الشمال فشل الحكومة هناك لمهاجمة الحكم الاستبدادي وإحياء المطالبات بحكومة ديمقراطية.
وبحلول عام 1962، أصبحت العديد من العناصر الحضرية، بما في ذلك المثقفون، والنقابات العمالية، والخدمة المدنية، وكذلك التنظيمات الدينية القوية، معزولين عن النظام العسكري، وعلاوة على ذلك، باتت الجماهير القبلية والبروليتاريا المتنامية لامبالين بالحكومة.
ثورة 1964
وفي النهاية، أٌطيح بالنظام كرد فعل على تقاعسه تجاه مشكلة الجنوب.
ففي 21 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1964، عقد طلاب جامعة الخرطوم مؤتمرا، في تحد للحظر الحكومي، من أجل إدانة عمل الحكومة في جنوب السودان والتنديد بالنظام.
وقد وقعت مناوشات بين الطلبة والأمن أسفرت عن مصرع الطالب أحمد القرشي فانتشرت المظاهرات ضد النظام.
وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول، خرجت مظاهرة حاشدة في جنازة أحمد القرشي.
حضر الجنازة أكثر من 30 ألف متظاهر بقيادة أعضاء هيئة التدريس بالجامعة. ورددت المتظاهرون شعارات مناهضة للحكومة، كما قدم أعضاء هيئة التدريس في الجامعة السودانية استقالاتهم ، قائلين إنهم لن يقوموا بسحبها إلا في حال انتهى النظام العسكري وتم تشكيل حكومة دستورية من شأنها حماية استقلال الجامعة.
وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول، أصدر حزب الأمة في السودان بيانا شجب فيه السياسة الاقتصادية للنظام وارتفاع تكاليف المعيشة في البلاد، وطالب بدستور ديمقراطي.
استمرت المظاهرات الطلابية وامتدت إلى مدن أخرى ، بما في ذلك أم درمان وجوبا وبورسودان بحلول 24 أكتوبر/تشرين الأول.
وفي اليوم ذاته، حاولت مجموعة من المهنيين بقيادة المحامين تقديم التماس ضد الأعمال الوحشية التي ارتكبتها الحكومة لعبود، لكن لم يُسمح للمهنيين بالمضي قدما.
وقبل أن يتفرق الناس أعلنوا إضرابا عاما.
ومع وجود معظم قواته في جنوب السودان، لم يكن النظام العسكري قادرا على الحفاظ على سيطرته.
وفي يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1964 صدر بيان عن مجموعة من ضباط الجيش أطلقوا على أنفسهم “الضباط الأحرار” يعلنون فيه انضمامهم للشعب من أجل استعادة الديمقراطية والدستور.
وقد بادر الفريق عبود ابراهيم عبود إلى الدعوة لإجراء حوار وطني دون شروط وتشكيل حكومة جديدة يكون هو جزء منها، وتم تشكيل حكومة جديدة في 30 أكتوبر/تشرين الأول برئاسة مساعد وزير التربية والتعليم سر الختم الخليفة.
ولكن المؤسسة العسكرية السودانية قامت باعتقال الضباط الذين كتبوا بيان الضباط الأحرار، فتظاهر الناس تضامنا معهم، وسرعان ما انتشرت الاضطرابات ولم يستطع الفريق عبود مواجهتها.
في 15 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1964 أي بعد 3 أسابيع فقط من اشتعال الثورة، وجد الفريق ابراهيم عبود نفسه مرغما على تقديم استقالته وتسليم السلطة للمدنيين، وهكذا عاد الجيش السوداني إلى ثكناته، وتم تعيين حكومة انتقالية للعمل بموجب الدستور المؤقت لعام 1956.
وتحت قيادة سر الخاتم الخليفة، أجرت الحكومة الانتقالية انتخابات في أبريل/نيسان ومايو/آيار من عام 1965 لتشكيل حكومة نيابية.
وتم تشكيل حكومة ائتلافية برئاسة سياسي حزب الأمة البارز محمد أحمد المحجوب في يونيو/حزيران من عام 1965.
وكما حدث في السابق، اتسمت الحكومة النيابية بالخلافات بين مكوناتها.
فمن ناحية، كان محجوب يتمتع بدعم التقليديين داخل حزب الأمة ويمثلهم الإمام الهادي، الخليفة الروحي للمهدي، ومن ناحية أخرى واجهه الشاب الصادق المهدي، حفيد المهدي، الذي قاد القوى الأكثر تقدمية داخل الحزب.
وقد فشل البرلمان في إيجاد أهداف مشتركة للتعامل مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والدستورية في السودان.
وعلاوة على ذلك، سرعان ما تلاشت الآمال التي أعربت عنها الحكومة الانتقالية في التعاون مع الجنوبيين، واستمر الصراع في الجنوب مع أمل ضئيل في الحل.
وفي 25 مايو/آيار من عام 1969استولت مجموعة من الضباط الشباب بقيادة العقيد جعفر النميري على السلطة.!!
Discussion about this post