[اللغة وسحرها]
———————
براعة “التكثيف” باستخدام الحوارية بين معلن ومخفي،
ومونولوج داخلي من جهة، وبين حوارية مع مفردات
الطبيعة من بحر وسماء وأرض.
قراءة لنص ” نار باردة ” للأستاذ محمد البنا
Mohamed Elbanna
_____________________________________________
ثلاثة أطراف للحوار (الرجل والمرأة من جهة، والبحر والسماء الغاضبين من جهة أخرى، ثم مونولوجات داخلية غير معلنة أحياناً نشتشفّها مما يليها ومعلنةً أحياناً أخرى تظهر من الحركات” سحب اليد والنظرات التائهة وو”
*دلالات الجمل الحوارية المعلنة والرّبط بينها وبين إيحاءات الرمزية المقصودة:
—————
فجّر النّص وعن طريقِ حواراته المعلنة أسئلة وتلتها أجوبة بمساعدة مفردات الطبيعة وبغياب مقصود لبعض الجُمل الحواريّة حيث نستشفّها من التّصرفات التّالية :
★السارد شبّه العلاقة بينهما بالشّجرة ” وهي مفردة طبيعية” وقال على الرّغم من ابتعادها فهو متمسّك بها لأنّهُ وبحسب إجابته ” الأرض تحتضن الجذور” .
★في حواريّة أخرى، قالت هي :
الزلازل تخرج أثقالها، أي هي وبسبب مابينهما من مشاكل تعبت وأصابها الملل لتقرّر بعد ذلك فكّ الرّابط الذي يجمعهما معاً ” أي ردّاً على احتضان الارض للجذور” .
★عندما شعر باستحالة تليين موقفها ذاك، جرّب بجملته محاولاً لملمة الخلاف قائلاً بحواريّة جوهريّة هنا ” تستعيد زخرفها” وإجابتها له هي التي أنهت كل أملٍ لديهِ بالصّلح قائلة ” لكنها لاتعود كما كانت…”
أي فلتفهم أيها الرجل ” أن ماكُسرَ لايمكن إصلاحه”.
إلى هنا نجد أن الرجل وبحوارهِ المضمر والمعلن والمعتمد جلّه على مفردات الطبيعة قد أصابهُ اليأس وهنا ” الذروة” ليقرر بعدها -وبحواريّة أشدّ- لملمةَ كرامته والإذعان لرفضها فهي ستهجرهُ بكافّة الأحوال ومهما حاول أو قال، ليجيب بحواريّة جديدة قويّة” لكن النّجوم تبقى نُجوماً” أي أنه وعلى الرغم من حزنه بسبب الفراق سيظلّ نجماً له مكانته وكرامته.
★براعة اختيار المكان لاتقلّ أهميّة عن الزّمان والحبكة والموضوع:
__________________________________
شاطئ صخري ناتىء مع هدير أمواج البحر وسماء عابسة سوداء وهي صورة فوتوغرافيّة وكأنها مشهد ختامي من فيلمٍ سينمائيّ حزين، تذكّرني بالمشهد الأخير لرواية دوستويفسكي ” الأيام البيضاء”، لكن الفرق هنا أنّ النّهاية مفتوحة على ندم سيكونُ لاحقاً اكتمل دون حوار وبحزن يعلوه الكبرياء، أما في الرّواية فقد كان البطل يودّع محبوبته بغصّة وحزن ودون ندم منها وبمنتهى القوة والقسوة تركته خلفها.
جمالية الأسلوب وبراعة الألفاظ ” اللغة وسحرها”
_____________________________________
” غمغم / همهم/ همس ” ثلاثة أفعال غاية في الجماليّة موظّفة توظيفاً بارعاً في نصّ رومانسيّ هادىء ظاهريّاً مشتعل داخليّاً حزين ككلّ مشاهد الختام في قصص الحبّ الحزينة.
ألفاظ دالّة على المشاعر ” يتعانقان بشوق/تتحسّس/ استكانت/ رقائق/ …
الفوارق الزمنية وتوظيفها في محور النص:
__________________________________
بين( صباحٍ مساء) وكأنّهما بفراقهما سيغدو كل واحد منهما في نصف الأرض المقابل حتى يختلف التوقيت بين صباحٍ ومساء، وأيضاً أراد من هذه الخاتمة الرّائعة تبيان أنّها وبابتعادها عنه سيغدو صباحها مساءً فلم المكابرة؟
قساوة التّحية الأخيرة المرسلة له عندما كلّمته بصيغة” أنت” المخاطب أي ابتعدت والذي هو وبإصرار أجابها ب ” أنا” أي مازال يقابل ويتأمل ويكلّمها وكأنها أناه التي لن تغيب.
نص مميز يقال فيه الكثير كعادة نصوص أستاذنا.
ريم
__________________________________________
النص:
——–
نار باردة
قالت وهي تهم بالجلوس في مكان مسطح من الصخرة الناتئة قليلًا عن الشاطئ الصخري الممتد كحاجز طبيعي تتكسر عليه أمواج البحر الآخذة في الارتفاع
– البحر يبدو غاضبًا هذه الليلة
غمغم الذي جلست بجواره، وهو يتطلع إلى السماء السوداء
– السماء تبدو حزينة !
همهمت بأسى وهي ترنو للأفق البعيد
– يتعانقان بشوقٍ رغم اختلاف طبيعتهما!…أنّى لهما ذلك؟!
همس وهدير الموج المتنامي يبعثر أحرف كلماته
– هو الحب يا سيدتي!
تسللت يده تتحسس يدها المتوسدة جزءًا رطبًا من الصخرة؛ استكانت للحظة ثم ما لبثت أن سحبت يدها من تحت كفه، والتفتت إليه لتودع نظرةً ميتةً في حدقتيه، وقالت
– حب المتناقضات إذًا!!
– الأشجار تستمد حياتها من الأرض، ورغم ذلك تنمو مبتعدةً عن أديمها والأرض تحتضن الجذور في رحمها
شردت قليلًا في كلماته تتفحصها
– الزلازل تلفظها وتخرج أثقالها
– لكنها تهدأ بعد ثورة وتستعيد زخرفها
– نعم؛ لكنها أيضًا لا تعود إلى ما كانت عليه من قبل
استوعب عن كرهٍ رسالتها الضمنية التي غلفتها رقائق حروفها
– لكن النجوم تبقى نجومًا يا سيدتي
نهضت بتثاقل، لملمت أشياءها، بينما ظل هو جالسًا يتطلع إليها بعينين أبتا البكاء، استدارت نصف استدارة، ولوحت له بيدها
– صباحك خير يا…أنت
– إنه المساء يا…أنا
محمد البنا
……………………………………………………………