قراءة نقدية مزدوجة:
“القصيدة بين الأسطورة والواقع”
فقرة جمع بصيغة المفرد:(مبدع/مشاكس/ناقدة)
المبدع:حمد حاجي (تونس)
القصيدة:”راعية الماعز”
المشاكش عمر دغرير (تونس)
المشاكسة:”رقطاء في هيئة البشر”
القراءة النقدية المزدوجة: “القصيدة بين الاسطورة والواقع”
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
– كل من الابداع والمشاكسة تضمن عشر مقاطع
– التناص في اعتماد اللازمة وفي المعجم اللغوي.
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي :القصيدة والأسطورة:
لقد اختارالشاعر عنوان قصيدته “راعية الماعز”
وراعية الماعز هي أسطورة وظفها الشاعر في قصيدته لتشويق القارئ:
“راعية الماعز أسطورة تروي قصة طفلة صينية “تشين وان” لم تكمل السابعة سنوات من عمرها وهي ترعى أكثر من 300 رأسا من الماعز وتملك مهارات كبيرة في التحكم بقطيع الماعز وتتجاوب مع القطيع بطريقة غير عادية وتستمتع برفقته كأنها برفقة أصدقائها” (1).
والماعز أيضا يُعتبرأسطورة عند الاغريق فهو” رمز للاثارة والجنس والخصوبة
ان اناث الماعز حُظيت بالتقديس وكانت رمزا للأمومة لأنها بحسب الأساطير
رعت الاله “زيوس” عندما كان رضيعا. ويوجد باليونان معبد فيه تمثالان نصفهما انسان ونصفهما ماعز”(2)
ان راعية الماعز الأسطورة استخدمها الشاعر ليخوض مع حبيبته راعية الماعز التي احتضنته بقلبها الكبير وبمهارتها الفائقة مغامرة حبّ ممتعة.
ان شجاعة هذه الراعية “الاسطورة” جعلتها تبادر وتناديه وتدعوه لتحميه من البرد والمطر وتمنحه الدفء.
لقد استخدم الشاعرفعل النداء “تعال”وجعله لازمة ألزم بها نفسه ليؤكد الزام الراعية بدعوته الى الرقص معا وسماع المواويل وأغنيات البدو والحضر
والاستمتاع بشراب القهوة معا. يقول الشاعر:
وقالت سحاب..
وبرة برد ونوء..
تعال أخبئك عن أدمع المطر.
تعال تغطك روحي
وأدفئك بالوزرتين
وبالصوف والوبر.
تعال أشغل لك الاسطوانات..والذكريات..
لنرقص شيئا على قدر..
وأثناء أسمعك بعض المواويل
من نغمة البدو والحضر
تعال أهيئ لك البن
في ركوة فاح بالعطر والزهر..
من خلال هذ الفجوة النصية قد يتدخل القارئ وقد يعتبر أن الشاعر وظف- اضافة الى أسطورة الراعية الصينية وأسطورة الماعز الاغريقية – أسطورة
ثالثة وهي أسطورة القهوة الاثيوبية التي ارتبط اكتشافها لأول مرة براع للماعز.
وقد يستحضر القارئ ما قيل في هذه الأسطورة:
“كان من المفترض أن القهوة اكتشفها أحد رعاة الماعز في أثيوبيا وهذه الأسطورة تفيد بأن الآثار المنبهة لحبات القهوة اكتشفت عن طريق الخطأ من
قبل راعي الماعزالذي لاحظ الحيوية المفرطة للماعز التي يرعاها بعد تناولها
ثمارا من شجرة معينة.” (شجرة البن)(2)
ان الشاعر قد قبل دعوتها له لشرب القهوة وهذا ما شجعه على الدخول للزريبة حيث استمتع بجمالها وبحليب معزتها الذي أعاد روحه الى جسده . فيقول:
دلفتُ…
ووافيتها بالزريبة تحلب معْزتها
وتغني على البلد..
وأودعْت شامتها قبلة..
ذاب من فرط حبي لها في الحشا
كبدي..
ولكنها كالملائكة مدت اناء حلاب
من الضرع سخنا..
أعاد لي الروح للجسد…
لقد شبه المبدع حبيبته راعية الماعز بالملائكة في نقائها وطهرها وجمالها.
وبالتالي فان الشاعر يفخر بحبيبته راعية الماعزهذه الحبيبة التي اعتبرها الاسطورة والمثل في جرأتها و شجاعتها وحبها وعاطفيتها ونقائها وملائكيتها تماما كراعية الماعز الاسطورة.
وهل أكثر من أنها الحبيبة المعجزة التي أعادت له الحياة حين أعادت الروح الى جسده بحليب معزتها.
وفي هذا الاطار هل سيعترف المشاكس عمر دغرير بأسطورية حبيبة المبدع أم سيكون له رأي آخر؟؟؟
2- المشاكس عمردغرير: “القصيدة والواقع”
لئن اختار المبدع حمد حاجي عنوانا لقصيدته “راعية الماعز” ويعود الى أسطورة “راعية الماعز” فان المشاكس عمر دغرير قد كنّى عن حبيبة المبدع بالحية الرقطاء التي تقتل وتميت.
وكأني بالمشاكس قد سلب حبيبة المبدع ملائكيتها في خيرها ليُكنّيَ عنها بالرقطاء بما تحمله من شرّ.(الملائكة / الرقطاء).
ومن ثمّ فان المشاكس استهل قصيدته من حيث انتهى المبدع:
فلئن اعتبر المبدع أن راعية الماعز تردّ له الحياة وتحْييه(أعاد لي الروح للجسد)
فان المشاكس اعتبر حبيبة المبدع “الحية الرقطاء” ستكون سببا في موته فيقول :
“سلكت طريقا لا تؤدي الى الحياة”
ومن هنا ستنبني المشاكسة والابداع على ثنائية الحياة والموت.
ان الحياة التي منحتها راعية الماعز الى المبدع ستحوّلها الرقطاء الى موت:
يقول المشاكس:
سلكت طريقا لا يؤدي الى الحياة
وتهت بعيدا
في المفازات والحفر..
ان ما عاشه المبدع من متعة مع حبيبته الاسطورة والمعجزة قد سلبه اياه المشاكس:
ان المشاكس قد انطلق من الواقع و اعتبر المبدع قد ضلّ طريقه لانه لم يجْن منها سوى الحزن والذكريات الأليمة حدّ فقدان البصر فيقول:
ضللت الطريق
ولم يبق منها لديك
غير كلمات حزينة وحفنة من الصور..
وبعض الذكريات
ما كانت جميلة
وأخرى حين تسترجعها تفقد نورالبصر.
والمشاكس لكي يقنع المبدع بمساويها عمد الى أسلوب التذكير بما لحقه منها من ضرر في الواقع.
وكأني بالمشاكس يشحذ ذاكرة المبدع ليقتنع بمساويها ويبتعد عنها .
وهل أكثر من استخدام أسلوب اللازمة باعتبارها ترديدة يرددها في كل مرة على مسمعه لعله يستفيق ويبتعد عن واقع أليم.
استخدم المشاكس اللازمة “أتذكر يوم قالت” ثلاث مرات في بداية كل مقطع
معتمدا التناصّ مع قصيدة المبدع في أقوال الحبيبة الأسطورة راعية الماعز:
انه يذكره بكل دعوة منها له وبعاقبتها الوخيمة:
– لقد جعل المشاكس دعوتها له لحمايته من المطررجْمًا له بالحجر وكأني بالمشاكس قد اعتبر هذه الرقطا ء ترجم المبدع بالحجر تماما كما يُرجم الشيطان
“قال فاخرج منها فانك رجيم”(سورة الحجر آية 34).
يقول: أتذكر يوم قالت:
تعال أخبئك من القطر
وحين اقتربت رجمتك بالحجر..
– لقد جعل المشاكس دعوتها لمنحه الدفء بالصوف لفّا له بالشوك والابر:
اتذكر يوم قالت:
تعال أدفئك بالصوف
ولمّا ولجت لفتك بالشوك والابر..
– لقد جعل المشاكس دعوتها له لتناول القهوة سُمّا دسّته له في السكر:
أتذكر يوم قالت:
تعال نرتشف قهوة
وقبل ان تناولتك الفنجان دسّت لك السمّ في السكر…
ويعود المشاكس وكأني به يُؤنبه عن هجره لسعدى واستبدالها بحية رقطاء في
هيئة بشر فيقول :
أراك هجرت سعدى
وهي التي تهواك
وعشقت حية رقطاء
تلفك بلسانها حين تقبلها
وحين تنام على صدرها
تشرخ بأظافر نهديها كامل الجسد.
ان المشاكس لا ينفك عن تذكير المبدع بواقعه مع سعدى ولعله يعتبرها أيقونة الحبّ المعتق ولعله يعتبر سعدى الحبّ الاسطوري.
ان الحاح المشاكس على حب سعدى قد يثير قضية عُمُر الحب وامكانية تعميره في قلب الرجل.
هل يمكن الحديث عن حبّ معمّر في قلب الرجل؟
هل يمكن الحديث عن حبّ لامرأة واحدة مدى الحياة لدى الرجل؟
انها قضية نسبية تختلف من رجل لآخر وهي محكومة بالقناعة الشخصية وان كان مبدعنا يرفض الحب لحبيبة واحدة مدى الحياة فتلك قناعته بأن “يرفرف من غصن الى غصن” مستمتعا بحريته.
وهل أكثر من ان المشاكس غيرة على سعدى وطمعا في عودة المبدع الى واقعه جعل راعية الماعزالمكنّاة بالحية الرقطاء تمتصّ دمه وتسلبه نقوده وترمي به معتوها يجوب شوارع البلد؟ فيقول:
وتمتص دماءك في العروق
وتغرز الحزن في الاحداق
وتسلب كل نقودك من محفظة اليد…
ومن ثمة تلقي بك خارج بيتها
لتظل مهموما
تجوب كمعتوه شوارع البلد…
في هذا الاطار ومن خلال الفجوات النصية والذخيرة النصية قد يتدخل القارئ متعاطفا مع المبدع وقد يعتبر ان المشاكس قد لعب على الشخصية فحوّل راعية الماعز الحبيبة الاسطورية للمبدع بخيرها وفضائلها الى حية رقطاء بشرها ومساويها فتتغير كل أفعال وأقوال الراعية الحبيبة الاسطورة والمعجزة وتتحوّل بذلك نعمة الراعية الى نقمة الرقطاء.والمشاكس فنان في قلب الأدوارواللعب على مقومات السرد عند تسريد الشعر في مشاكساته.
ولئن ختم المبدع بقفلة أعادت اليه الحياة فان المشاكس ختم بقفلة جعلت المبدع معتوها غير واع بطعم الحياة وهي قفلة دَعَمَ بها استهلاله للقصيدة.
وخلاصة القول فلئن استطاع المبدع حمد حاجي ان يرسم لنا لوحات فنية تجسد مغامرته مع حبيبته راعية الماعز بتوظيف الاسطورة كأداة تعبيرية جمالية
عظم توظيفها في الشعر المعاصر فان المشاكس عمر دغرير قد اعتمد الواقع و لعب على الشخصية ليحوّلها من حبيبة أسطورية تبعث الحياة في المبدع الى حية رقطاء بشرّها وسمومها التي لا تبقي ولا تذر أيّة متعة للمبدع بل قد تسلبه عقله وحتى الحياة.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة أسطورة وواقعا.
بتاريخ:28/08/2024
المراجع:
Facebook..HESPRESS(1)راعية الماعزا
https://www.independentarabia.com>..(2(
الماعز”عاشق”التمرد والحرية وصاحب الخدمات الجليلة- اندبندنت عربية
https://www.aljazeera.net>lifestyle(3 )
القهوة ..حكاية مزاج وصدفة اكتشفها راعي ماعزا أخبار أسلوب حياة
راعية الماعز”(المبدع حمد حاجي)”
وقالت سحاب…
وَبرَّةَ بردٌ ونوء …
تعالَ أخبئك عن أدمُعِ المطرِ…
*************************************
تعال، تُغَطِّك روحي
وأدفِئْك بالوٓزْرَتَيْنِ
وبالصوفِ والوبرِ..
*********************************
تعالَ
أُشَغِلْ لك الاسطوانات.. والذكريات..
لنرقص مجانين شيئا على قدرِ..
*********************************
وأثناءَ…
أسمِعْكَ بعض المواويل
من نغمة البدو والحضَرِ…
******************************
تعال
أهيئ لك البنّ
في رَكوَةٍ فاح بالعطر والزّهَرِ..
*******************************
دلفتُ …
ووافيتها بالزريبة تحلب معزتها
وتغني على البلدِ…
**********************************
لمحتُ الوشامَ
بمعصمٍها فاترا
لكأنه طـرقُ نمـلٍ على وتدِ…
**********************************
تُدندن أغنية
فمع كل شخب سلام وبوح…
… وأمسكتُها بيدِ…
*******************************
وأودَعتُ شامَتَها قبلةً…
ذاب من فرط حبي لها في الحشا
كبدي..
***********************************
ولكنها كالملائكة، مدّت إناءَ حِلاَبٍ
من الضرع سخنا…
أعاد لي الروح للجسدِ!…
(أ.حمد حاجي)
“”””””””””””””””””””””””””””””””””
(المشاكس عمر دغرير)” رقطاء في هيئة البشر ”
سلكتَ طريقا لا تؤدي إلى الحياة,
وتهتَ بعيدا ,
في المفازات والحفرِ …
“”””””””””””””””””””””””
ضللتَ الطريق ,
ولمْ يبق منها لديكَ
غير كلمات حزينة وحفنة من الصورِ …
“””””””””””””””””””””””””””
وبعض الذكريات
ما كانتْ جميلة .
وأخرى حين تسترجعها تفقد نور البصرِ …
“””””””””””””””””””””””””””
أتذكرُ يومَ قالتْ :
تعال أخبئكَ منَ القطر,
وحين اقتربتَ رجمتكَ بالحجرِ …
“””””””””””””””””””””””””””””
أتذكر يوم قالت :
تعال أدفئكَ بالصوف ,
ولمّا ولجتَ باب غرفتها , لفتكَ بالشوك و الإبرِ …
“””””””””””””””””””””””””””””
أتذكرُ يوم قالتْ :
تعال نرتشف قهوة ,
وقبل أن تناولتكَ الفنجان دسّتْ لك السمّ في السكرِ …
“”””””””””””””””””””””””””””””
أراكَ هجرتَ سعدى ,
وهي التي تهواكَ
وعشقتَ حية رقطاء في هيئة البشرِ …
“”””””””””””””””””””””””””””””
تلفكَ بلسانها حين تقبلها ,
وحين تنامُ على صدرها,
تشرّحُ بأظافر نهديها كامل الجسدِ …
“”””””””””””””””””””””””
وتمتصّ دماءكَ في العروق ,
وتغرسُ الحزنَ في ألأحداق,
وتسلبُ كلّ نقودكُ من محفظة اليدِ …
“”””””””””””””””””””””””””
ومنْ ثمّة تلقي بك خارج بيتها,
لتظلّ مهموما ,
تجوبُ, كمعتوه ,شوارع البلدِ …