” حين اشتهانا الغرق”
مجموعة شعرية للشاعرة سليمى السرايري
قد يشتهينا الغرق في أجمل الكلمات .
قراءة بقلم الشاعر عمر دغرير :
صدرت هذه المجموعة باللغتين العربية والفرنسية , في 192 صفحة من الحجم المتوسط عن دار
AGORA GRAPHICللنشر و التوزيع سنة 2021 . وتحتوي المجموعة على 150 ومضة
شعرية مترجمة إلى الفرنسية . وقام بترجمتها الكاتب الجزائري عمارعموري. وقدمها كل من الدكتور
حمد الحاجي والأستاذ الفاضل النايلي.
المتأمل في هذه المجموعة يلاحظ أن الشاعرة قسمت نصوصها إلى أبواب مختلفة في المضامين
والأغراض . وفي كل باب استعرضت صورا ومشاهد تختزل أشجان الحب ووجع الحياة اليومية ووجع
الوطن الصغيروالوطن الكبير.وظهرت السرايري ,هذه الفراشة الجميلة ,وكأنها في رحلة متواصلة
عبرالكلمات وعبر محطات كثيرة ومتنوعة .حتى أنها حلقت بنا في فضاء الوجدانيات في باب (محطات
عاشقة ) وأمطرتنا بالحب والعواطف الجياشة وفي نفس الوقت أغرقتنا في بحرالمعاناة وشدة الألم
وقساوة الوحدة ومرارة التجربة . ولعلّ من أهم النصوص التي أثثت بها الشاعرة هذا الباب ومضة أولى
تلهب القلب وومضة ثانية تدمي الذاكرة . فنقرأ في الأولى :
(…حينَ عادَ في آخرِ الليلِ عاشقاً …
كانتْ شفتاها تعدّانِ
ما علِقَ على قمِيصِهِ
من خياناتٍ…).
ونقرأ في الثانية :
(…القبلاتُ التي ارتسمتْ
على قميصِ نومهَا
كانت تتساقطُ من حبلِ الغسيلِ
في الصباح…).
أما في باب ( وجع الحرف ) فتأخذنا الفراشة في رحلة مع الكتابة ووجع الحروف ,وتغوص بنا
في طقوسها وعوالمها الإبداعية لتقول عن قصيدتها التي انتهت من كتابتها بعدما انتظرتها طويلا :
(… القَصِيدَةُ التِي وُلِدَتْ قَبْلَ قَلِيلٍ
بَعْدَ طُولِ انْتِظارٍ،
طارَتْ مِنْ نَافِذَةِ الرُّوحِ
نَحْوَ السَّمَاءِ…).
والسرايري التي تعتبرالسفر قطعة من العذاب ,نجدها في باب (حقائب السفر) تطلعنا على المعاناة
التي تلازم المسافر, وعن التعب من مشقة السفر ,والدموع عند مفارقة الأهل والأصحاب ,والخوف من
شدة البرد والحر, حتى أنها قالت :
(…المحطّةُ التي اسْتَحَالَتْ
مَوّالاً حَزِيناً,
عشَقَـتْـهَا الأرْصِفَةُ…).
باب آخراهتمت به الشاعرة وأسمته (وجع الرحيل ). ومن منا لم يشعر بهذا الوجع بعد كل رحيل
وبعد كل فقد ,وكذلك بعد كل أمنية ننتظر تحقيقها غيرأنها تختفي مثل السراب .وكم تألمنا حسرة
وبمرورالزمن إلتهمنا النسيان ؟ والشاعرة في حياتها مرت بتجارب كثيرة وتعددت أمانيها وأحلامها ولكن
ليس كل ما يتمناه المرء يدركه , وقد أقرت بذلك في واحدة من أجمل ومضاتها :
(…الأمنيةُ التي ظلّتْ زَمَناً
في صُنْدُوقِ صاحبهاَ,
أعياها الانتظار,
فاختنقتْ…).
ولأنها امرأة تهمها من قريب أومن بعيد ما تشعر به المرأة من وجع و آلام فقد تحدثت بكل حرقة
عن المرأة التي أغرقوها بعد غسل الدماغ في جهاد النكاح , وهي التي ترى في هذه العملية إهانة للمرأة
وتصدح عاليا أن المرأة ليست وعاء جنسيا كما ينعتها شيخهم ,وأنها لن تكون وسيلة للشهوة فقط. وقد
قالت في قصيدة نثرية طويلة :
(…أنا لا أعزف القيثارة أوالرّبابة …
وإنّما تبكيني مفاتيحُ الشّجن على سلّم موسيقيّ.
ولا أنحني للذين جاؤوا بسيوفهم من بوّابات الفراغ ,
مشحونين بالغرابة والهذيان …
مازلتُ هنا أُقرض السماء بالونات مضيئة ,
أسمّيها ملائكةَ أخرِ الليل…
كلُّ المدائن أعدّت أرصفتها
لطوابير المبعدين …
تحتجز الصبايا العائدات منْ خلف المرايا …).
وفي موقع آخر تحدثت عن طفلة فلسطينية فقدت ذراعيـــها في الحرب الوحشية التي شنها
الصهاينة على الفلسطينيين العزل هذه الطفلة تدعى (مريم ) وقالت عنها :
(…مريم طفلة ٌ مسكونة ٌ بالاخضرار ,
برائحةِ الأرض…
في طــيــّاتِ الفصول تمضي …
تبحث عن مملكةٍ ,
عن حلمة حلم ,
من ثدي فرحٍ بريّ …
عن صفصافة ٍ تنبتُ من أصابـِعها…) .
وتواصل لتقول :
(… على كفّ ِ مريمَ حمامة ،
وغصنٌ أخضرُ…
وأحلامٌ تغازل عيونَ المَساء …
مريمُ عاشقة الشمس ,
فتّحتْ أزرارَ الصّمت ،
وجاءت مـحمّلة بغابة من أقمار …
بـالمطرِ …
مخلّفة وراءها :
كتبـــــا … أوراقــا …ضفائرَ سوداء…
وكانت…
كانت ذراعاها من ضمن الأشيـــاء …).
في تقديمه لهذه المجموعة أكد الدكتور حمد الحاجي بأنها :
(…أصباغ مختلفة تتوالد على مساحة النص لتكون الصورة والايقاع الداخلي لنصوصها الوجيزة ما هو
إلا نغمة ُ توظيفٍ فنيٍّ مبتكر غير مألوف للسائد والخروج به إلى فاتحة الطريق وانفراج المعاني وانبثاق
لذة القراءة…)
وخلاصة القول ” حين اشتهانا الغرق ” على حد تعبير الكاتب الأردني هاشم خليل عبد الغني في
(موقع الإبداع الفكري والأدبي) بتاريخ 4 جويلية 2021 :
(…في قصائدها مواضيع مختلفة تدور بين الوجدانيات وجـع الوطن ووجع الحياة اليومية ،وأشارت في
بعـض قصائدهــا لبعــض المــظاهر الاجتماعية السائدة ، كالتشرّد وعمالة الأطفـــال والــمرأة ومعــيشة
اللقــطاء وتطالب بوضع اسـتراتيجية لعملـية التغيير الاجــتماعي والثقــافي بإشراك الرجــل والــمرأة في
عملية التغيير. والشاعرة زرعت في ذاكرتنا قصائد وإبداعا أدبيا ومواقف وطنية وانسانية…) .
Discussion about this post