في مثل هذا اليوم 8فبراير1945م..
الرئيس السوري شكري القوتلي يقوم بأول زيارة رسمية للمملكة العربية السعودية
شُكري بن محمود بن عبد الغني القُوَّتلي أو شُكري القُوَّتلي اختصاراً (21 تشرين الأول / أكتوبر 1891 – 30 حزيران / يونيو 1967) رئيس الجمهورية السورية بين 1943 – 1949 ثمّ 1955 – 1958؛ وزعيم سياسي نشط في الكتلة الوطنية ضد الانتداب الفرنسي. بداية نشاطه السياسي كانت في مقارعة السلطات القائمة أواخر سوريا العثمانية، ثم الانتداب الفرنسي، وشارك في الثورة السورية الكبرى فنفي إلى أرواد وحُكم عليه بالإعدام ثم لجأ إلى مصر، حيث استمرّ في مقارعة الانتداب، ومجمل أحكام الإعدام التي حصل عليها ثلاثة غير أنه نجا منها.
شارك في حكومة الكتلة الوطنية الأولى عام 1936 بمنصب وزير الدفاع، قبل أن يسطع اسمه مرشحاً لخلافة هاشم الأتاسي في رئاسة الكتلة وهو ما أوصله إلى سدة الرئاسة السورية عام 1943. نالت سورية في عهده استقلالها التام، وعرف بميوله القومية العربية، وبدوره المهم في تأسيس جامعة الدول العربية، وفي حرب فلسطين الأولى وفي موقفه الداعم لمصر خلال العدوان الثلاثي. وهو صانع جمهورية الوحدة السورية المصرية مع الرئيس جمال عبد الناصر، الذي أطلق عليه لقب “المواطن العربي الأول” وفي سوريا، يُعرف شكري القوتلي بلقب «أبو الجلاء.»
نودي بسوريا المستقلة عام 1941، ونُظمت الانتخابات النيابية عام 1943 وفازت بها الكتلة الوطنية فوزًا ساحقًا. خلال لقاء خاص في حمص ضم هاشم الأتاسي وفارس الخوري وشكري القوتلي، اتفق على ترشيح الأخير لمنصب الرئاسة نظرًا لتقدم الأتاسي في السن، والمسؤوليات الخطيرة خلال مرحلة استلام السلطة من فرنسا. وافق الأتاسي، زعيم الكتلة الوطنية على ترشيح القوتلي، الذي فاز بما يشبه الإجماع في 17 أغسطس 1943 بمنصب رئيس الجمهورية. ومن تحت قبة المجلس التشريعي، ألقى شكري القوتلي خطاب القسم يوم 17 آب 1943، ليصبح رابع رئيس للجمهورية السورية. بعد ثمانية أيام فقط من اعتلائه سدة الرئاسة، أرسل القوتلي بالاتفاق مع بشارة الخوري ورياض الصلح رئيسي الجمهورية والحكومة في لبنان، وثيقة مكتوبة إلى الممثلية الفرنسية للمطالبة بتفعيل الاستقلال، وذلك يتم بإلغاء اعتبار الفرنسية لغة رسمية، وتحويل «الممثلية الفرنسية» إلى بعثة دبلوماسية عادية، وإلغاء المادة 116 من الدستور السوري، التي جعلت من صك الانتداب مادة فوق دستورية. غير أن الممثلية الفرنسية بعد اجتماع استثنائي عُقد مع شارل ديغول في الجزائر، رفضت الاقتراح، ودعت للتفاوض حول اتفاقية جديدة شبيهة بمعاهدة عام 1936. ولن يتم إلغاء المادة 116 من الدستور إلا ما بعد الجلاء عام 1946. أول أعمال الرئيس الجديد أيضًا، كانت إيفاد رئيس الوزراء سعد الله الجابري، ووزير الخارجية جميل مردم بك إلى مصر بناءً على دعوة النحاس باشا، لعقد اجتماع عربي مشترك، كان من الخطوات التمهيدية لقيام الجامعة العربية.
حصل العهد الجديد على دعم مُطلق من الملك فاروق الأول، صديق الرئيس شكري القوتلي، ومن الملك عبد العزيز آل سعود، ولكن الأردن رفض التعاون مع الرئيس الجديد، وذلك بسبب معارضة القوتلي لمشروع سورية الكبرى الذي نادى به الملك عبد الله بن الحسين، الطامع بحكم سورية منذ خلع شقيقه الملك فيصل الأول عن عرش دمشق عام 1920. وقد حرص القوتلي على فتح قنوات دولية للترويج لقضية استقلال سورية وجلاء كافة الجيوش الأجنبية عن أراضيها، في تشرين الأول 1943، أوفد وزير خارجيته جميل مردم بك إلى الكويت ومصر والعراق للحصول على دعم من قادة تلك الدول العربية، وبعث برسائل مماثلة إلى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت والسوفيتي جوزيف ستالين والصيني تشانغ كاي شيك، مذكراً بمبادئ الحرية والعدالة التي كان الحلفاء يحاربون من أجلها. وفي تموز 1944، استقبل الرئيس القوتلي فياتشيسلاف مولوتوف وزير خارجية الاتحاد السوفيتي بدمشق لتبادل السفراء مع موسكو، وتوجه إلى القاهرة لعقد اجتماع قمة مع زعماء الولايات المتحدة وبريطانيا، تم بدعوة من الملك فاروق. كان الرئيسان فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل عائدَين من مؤتمر يالطا حيث قاما بوضع خارطة العالم الجديد مع نظيرهما السوفيتي جوزيف ستالين. نظراً لتدهور حالته الصحية، لم يتمكن الرئيس روزفلت من حضور الاجتماع، وتم اللقاء بين القوتلي وونستون تشرشل في القاهرة يوم 17 شباط 1945، بحضور الملك فاروق والملك عبد العزيز آل سعود وهيلا سلاسي، إمبراطور الحبشة.
قمة القوتلي تشرشل
في هذا اللقاء التاريخي، الأول من نوعه لرئيس سوري، طلب تشرشل من القوتلي عقد معاهدة مع فرنسا، فرد الرئيس السوري بالقول: «لن أعترف بفرنسا…ولن أمد لها يدي، ولن أتفق معها مهما كانت الأسباب والظروف. والله ثم والله لن أرتكب هذه الجريمة بحق وطني، ولن أرضخ لأي ضغط ولو أصبحت مياه البحر حمراء قانية.» أجابه تشرشل: «لقد قُلت لك إن لفرنسا مصالح في بلادكم فاعملوا معها معاهدة ثقافية، وأنا كفيلها بكل ما تطلبون.» فأجابه القوتلي: «ليس لها أملاك سوى دار واحدة في الصالحية بمنطقة الجسر الأبيض، وأنا مستعد أن أشتريها منها وأسكنها لأني لا أملك داراً للسكن في دمشق بعد أن أحرقت فرنسا داري ودار أجدادي وآبائي كما دمّرت الحي الدمشقي بأكمله الذي كان بيتنا فيه.»
بعد العودة من مصر، أعلن الرئيس القوتلي في يوم 26 شباط 1945 الحرب على دول المحور (ألمانيا النازية وإيطاليا واليابان)، في خطوة لافتة لكسب احترام الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي. وبعدها بأسابيع قليلة تم تبادل العلاقات الدبلوماسية بين سورية والولايات المتحدة، وقام الرئيس القوتلي بتعيين الدكتور ناظم القدسي أول سفير سوري في واشنطن. وعلى أثر ذلك التطور، تمت دعوة الجمهورية سورية للانضمام رسمياً إلى منظمة الأمم المتحدة التي بدأت أعمالها في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية في أيار 1945. كان القوتلي قد بعث رسائل بهذا الشأن إلى رؤساء وملوك دول العالم، مطالباً انضمام بلاده إلى الأمم المتحدة، وتم مناقشة طلبه داخل مجلس العموم البريطاني. وللإسراع بخطوات انضمام سورية إلى المنظمة الدولية، قام الوفد المصري بالتوقيع على ميثاق الأمم المتحدة، نيابة عن الجمهورية السورية، بالتنسيق بين الرئيس القوتلي والملك فاروق. وقد عيّن الرئيس القوتلي صديقه القديم وشريك عهده رئيس الحكومة فارس الخوري رئيساً للوفد السوري المؤسس في الأمم المتحدة، ومعه نخبة من الشخصيات السورية مثل السفير ناظم القدسي والسفير فريد زين الدين والمحامي نعيم أنطاكي والبروفيسور قسطنطين زريق، أستاذ مادة التاريخ في الجامعة الأميركية في بيروت.
العدوان الفرنسي عام 1945
في 19 أيار 1945، عقدت قمة سورية لبنانية في بلدة شتورة، قرر خلالها الرئيس القوتلي ونظيره اللبناني بشارة الخوري تجميد كافة المفاوضات مع الحكومة الفرنسية، مطالبين بتحديد فترة زمنية واضحة لجلاء قواتهم عن سورية ولبنان. ردّت فرنسا بإرسال تعزيزات عسكرية إلى شواطئ بيروت ونقلها فوراً إلى دمشق، حيث نصبوا الحواجز والمتاريس في وسط العاصمة السورية. وفي الساعة السابعة من مساء يوم 29 أيار 1945، بدأ العدوان الفرنسي على مدينة دمشق، عندما طُلب من عناصر حامية الدرك المرابطة على أبواب المجلس النيابي إنزال العلم السوري وتحية العلم الفرنسي بدلاً منه. رفض السوريون فعل ذلك، فأُطلق الرصاص الحي عليهم، ودخلت القوات الفرنسية إلى داخل المجلس النيابي بحثاً عن رئيسه سعد الله الجابري، فلم تجده وأضرمت النار في مكتبه وقامت بقصف المبنى بالمدافع. جاء أمر الهجوم على دمشق من الكولونيل أوليفيا روجيه، الحاكم العسكري للمدينة، المعين حديثاً من قبل الجنرال شارل ديغول، وقد نصت خطته على اعتقال كلّ من شكري القوتلي وجميل مردم بك وسعد الله الجابري، بصفتهم أعداء الجمهورية الفرنسية.
وخلال العدوان الفرنسي أُحرقت مناطق عدة في دمشق، منها سوق ساروجا الأثري وأحياء في منطقة العمارة وقصفت قلعة دمشق التاريخية، إضافة طبعاً لتدمير البرلمان في شارع العابد. جاء السفير البريطاني تيرانس شون إلى منزل الرئيس القوتلي في ساعة متأخرة من الليل وعرض عليه الخروج الآمن من العاصمة، مع كافة أفراد أسرته، قائلاً إن فرنسا تنوي اعتقاله مع جميع رجال حكمه. نهض القوتلي من الفراش، حيث كان يعاني من نزيف حاد بالمعدة، وصاح في وجه السفير البريطاني: «ألمثلي يقال هذا؟ أنا لم أغادر دمشق ولن أغادر دمشق، وأريد أن تنقلوا لي سريري إلى مدخل المجلس النيابي، لأستشهد من هؤلاء الأبطال.» ثم طَلب إحضار والدته وزوجته وأولاده إلى الغرفة وخاطب المندوب البريطاني قائلاً: «ما عندي أغلى من ديني ووطني وهؤلاء، فوالله لو قطعتم أصابعي بعد أن دمّر الفرنسيون بلدي، لن أوقع لهم ما يريدون.»
وقد أوفد سعد الله الجابري إلى مصر ليخطب أمام جامعة الدول العربية معلناً أن «مجزرة رهيبة يندى لها الجبين قد حدثت في دمشق.» وبعدها بيوم واحد، صدر إنذار البريطاني صارم من لندن، حاملاً توقيع ونشتون تشرشل، مطالباً بالانسحاب الفرنسي الفوري من سورية، دون أي قيد أو شرط، تلبية لرغبة الرئيس القوتلي. فُرض وقف لإطلاق النار من قبل الإنكليز في 1 حزيران 1945 وبدأت فرنسا بالانسحاب، حيث سلّمت الحكومة السورية كل المطارات والمواقع العسكرية، وتلاها تسليم جميع المستشفيات والمدارس والسجون، ومعها جزيرة أرواد وقلعة حلب وقلعة دمشق. وقد أعلن الرئيس شكري القوتلي يوم 1 آب 1945 عيداً وطنياً لتأسيس الجيش السوري الذي كان قد هُزم على يد الفرنسيين قبل ستة وعشرين سنة في معركة ميسلون. وفي 17 نيسان 1946، أقيم عيد الجلاء الأول في سورية بمشاركة عربية واسعة، ورفع الرئيس شكري القوتلي علم بلاده فوق سماء دمشق، قائلاً إنه لن يرفع أي عَلم فوق هذه الراية إلا علم الوحدة العربية.!!