فى مثل هذا اليوم 18مارس2011م..
مقتل عشرات من متظاهري ثورة الشباب اليمنية برصاص مسلحين في ساحة التغيير بصنعاء في أحداث جمعة الكرامة.
في 18 مارس 2011 مع اندلاع الانتفاضات الشعبية في شتى أنحاء العالم العربي، نظّم عشرات الآلاف من المتظاهرين اليمنيين مظاهرة أطلقوا عليها اسم «جمعة الكرامة». وكانت تلك هي أكبر مسيرة تشهدها ساحة التغيير، وهي مخيم التظاهر والاعتصام مترامي الأطراف في العاصمة صنعاء. ومع انتهاء المتظاهرين من صلاة الجمعة، قام العشرات من الرجال في ثياب مدنية، مسلحين بأسلحة آلية عسكرية بالتجمع حول الاعتصام من اتجاه الجنوب ثم فتحوا النار.
ثبت أن مذبحة جمعة الكرامة هي الهجوم الأكثر دموية على المتظاهرين في انتفاضة اليمن التي استمرت عاماً. على مدار ثلاث ساعات، قتل مسلحون ما لا يقل عن 45 متظاهراً – أغلبهم من الطلبة الجامعيين ومنهم ثلاثة أطفال – وأصابوا 200 آخرين في حين لم تبذل قوات الأمن جهداً جاداً لوقف المذبحة. أضاف الغضب الذي تسببت فيه أعمال القتل هذه إلى زخم حركة الاحتجاج، التي أجبرت الرئيس علي عبد الله صالح في فبراير/شباط 2012 على التنحي عن منصبه.
قالت هيومن رايتس ووتش إلى أن وجود مؤشرات على أن عددا من كبار المسؤولين السابقين والحاليين بالحكومة لعبوا دوراً في المذبحة ثم لم يتم اتهامهم بشيء. بدأت محاكمة ضد القتلة المزعومين في سبتمبر 2012 لكن توقفت بعد أن طلب محامو الضحايا اتهام بعض كبار المسؤولين. هذا فضلاً عن قيام الرئيس السابق علي عبد الله صالح بإنهاء عمل النائب العام السابق عبد الله العلفي بعد ستة أسابيع من أعمال القتل، عندما طلب العلفي إحالة المشتبه بهم الأساسيين إلى الاستجواب، وبينهم مسؤولون حكوميون. ما زال أكثر من نصف المدعى عليهم الـ 78 المتهمين بأعمال القتل، غير خاضعين للاحتجاز ويُحاكمون غيابياً في محكمة غرب أمانة العاصمة صنعاء الابتدائية. يقول محامو الضحايا بأن السلطات لم تبذل جهداً لضبطهم، رغم الأوامر المتكررة بضبط المتهمين الصادرة عن قاضي المحاكمة. ومن بين الهاربين من العدالة الشخصان اللذان يعتبران العقل المدبر للهجوم، وهما ابنا محافظ محافظة المحويت الموالي لصالح وقياديان بجهاز الأمن، بل إن وزير العدل أعلن في الذكرى السنوية الأولى لأعمال القتل أن «الجناة الحقيقيون هربوا وليس في السجن غير المتواطئين والمساندين».
في 27 أبريل 2013 أمرت محكمة غرب الأمانة في العاصمة صنعاء بالتحقيق مع علي عبد الله صالح و 11 من كبار المسؤولين السابقين ـ بمن فيهم ابني أخيه يحيى وطارق صالح.ووصفت هيومن رايتس ووتش الحكم بانه يمثل خطوة في اتجاه العدالة. بعد أمر المحكمة بيوم واحد، أمر النائب العام علي الأعوش أيضاً بالتحقيق مع صالح وابنه أحمد، الذي كان قائد الحرس الجمهوري حتى وقت قريب، فيما يتعلق بقصف منزل يخص قبيلة الأحمر واسعة النفوذ في البلاد، في مايو 2011. أسفرت الهجمة عن قتل عدة أشخاص بينهم وسطاء قبليون. في توقيت الهدنة كان الشيوخ يحاولون إنهاء مواجهة سياسية بين صالح وأفراد عائلة الأحمر المؤيدين للانتفاضة.
العنف قبل هجوم الكرامة
لم يقع هجوم جمعة الكرامة من فراغ. في شتى أنحاء اليمن، وفي الأسابيع والأيام التي سبقت المذبحة، قامت قوات الأمن والعصابات الموالية للحكومة بتنفيذ هجمات متكررة استهدفت حركة الاحتجاج الوليدة.
وقعت الهجمات الأكثر عنفا في صنعاء عند ساحة التغيير، وهي مدينة خيام مترامية الأطراف، أنشأها المحتجون في فبراير / شباط 2011 على مشارف بوابات جامعة صنعاء، غربيّ العاصمة. أصبحت ساحة التغيير مركزا للحركة المعارضة للرئيس صالح – المدينة المزدهرة داخل مدينة، فيها بائعون، ومنصات للخطابة والترفيه، ومستشفى ميداني داخل مسجد، ومحامون متطوعون، وقوات أمن. سرعان ما توسعت نحو الجنوب داخل منطقة سكنية تجارية مختلطة. خلق التوسع حالة من الانقسام في الحي، فمع ترحيب العديد من السكان والتجار بالمتظاهرين، كان آخرون يصفون حيهم وكأنه وقع تحت الحصار. شكل بعض السكان، بمن في ذلك عدد من المسؤولين الحكوميين والقادة الأمنيين، لجاناً شعبية، وتولوا إنشاء جدران من الطوب لتطويق المخيم الاحتجاجي. كانت الجدران الأطول والأغلظ هي مسرح هجوم جمعة الكرامة.
نفذت قوات الأمن عدة هجمات على التظاهرات سلمية في الأغلب الأعم، ويسرت وقوع هجمات أخرى نفذت بواسطة العصابات المسلحة يعتقد أنها موالية لصالح أو مرتزقة، بما في ذلك استقدامهم إلى ساحة التغيير في شاحنات عسكرية، ودعمهم بالحجارة والعصي. كما تناقلت التقارير قيام أنصار صالح أيضا بتمويل أفراد من عصابات، لجأوا إلى إنشاء مدينة خيام منافسة في ميدان التحرير بصنعاء. تعتبر قوات الأمن التي كانت وبشكل متكرر أكثر الضالعين في الهجمات، هي قوات الأمن المركزي، وهي وحدة شبه عسكرية يقودها نجل شقيق صالح، العميد يحيى صالح، وقوات الحرس الجمهوري النخبوية، التي كان يقودها نجل صالح، العميد الركن أحمد علي صالح (كما سبقت الإشارة أقال الرئيس هادي يحيى وأحمد صالح من منصبيهما في ديسمبر / كانون الأول 2012).
أصبحت الهجمات مميتة في منتصف فبراير، عقب قتل قوات الأمن ومهاجمين مجهولين لستة متظاهرين في المدن المضطربة عدن وتعز، بين 11 و18 فبراير. أصاب المعتدون أكثر من 100 آخرين خلال تلك الفترة، والعديد منهم في صنعاء. واندلعت احتجاجات في مختلف مدن اليمن في 18 فبراير /شباط، وأسموه يوم الغضب، الذي تقدر أعداد المشاركين فيه بـ 20 ألف شخص.
مسؤولون حكوميون يساعدون في بناء الجدار
في 14 مارس، اجتمع الشيوخ وسكان آخرون في الحي مرة أخرى؛ لمناقشة زحف ساحة التغيير، اجتمعت المجموعة في منزل عبد الله فروان، الذي أصبح فيما بعد رئيس هيئة التفتيش القضائي، وهي هيئة قوية داخل وزارة العدل اليمنية. ضم الاجتماع مسؤولين كبار آخرين، مثل أحمد أحمد ناصر، مدير منطقة بجهاز الأمن السياسي، وهي وكالة استخباراتية كانت ترفع تقاريرها مباشرة للرئيس صالح، الذي يرأسها بحكم الواقع؛ لأنه في ذلك الوقت كانت تحت قيادة نجل شقيقه عمار صالح، كما تواجد عبد الرحمن الضلعي العقيد بالقوات الجوية اليمنية، كما قال عقيل البوني إن عضو المجلس المحلي عبد الرحمن الكحلاني قد شارك بدوره.
قال البوني خلال الاجتماع، إن كبار المسؤولين أمروا الشيوخ بتوسيع اللجان الشعبية لدرء المتظاهرين:
جمعة الكرامة فوجئت أنهم يطلبون منا تشكيل لجان شعبية كلاً في مدخله لمواجهة حدوث أي مشكلة، وكلفوني باعتباري عاقل حارة بأن أجمع الشباب وأخبرهم بأن يحرسوا مداخلهم وقالوا بأن تحضر الشباب كلهم إلى صالة القاعة فقمت بإبلاغ أهالي الحارة بأن يحضروا إلى صالة الزراعة وقمت بإبلاغ إدارة الحرس المدني… وحضروا الاجتماع. جمعة الكرامة
شهد عاقل الحارة بأن الحضور في الاجتماع قرروا بناء جدار من الطوب لمنع تنامي مخيم الاحتجاجات. وقد عكف السكان على مدى الأسبوعين السابقين على بناء جدران من الطوب عبر عدة طرق جانبية لمنع دخول المتظاهرين، ولكن هذا الذي تم بنائه عقب اجتماع 14 مارس كان الأكثر منعة وامتد عبر الخط الدائري.
وقال البوني إن فروان، رئيس التفتيش القضائي، قد ساهم بثلاثمائة قالب طوب (بلكه) في بناء الجدار، وأن علي الأحول، نجل محافظ المحويت، قد وفر الأسمنت. أصبح علي الأحول فيما بعد المتهم الرئيسي في ملف اتهام النيابة ضد المشتبه في تنفيذهم الهجوم.
وقال يحيى عبد الله العمراني، ضابط في قوات الأمن المركزي، للنيابة العامة إن أولئك الذين تم تكليفهم ببناء الجدار تابعين لمحافظ المحويت، أحمد علي الأحول، الذي كان يلقب بـ «البيضاني» أي من محافظة البيضاء. في الأسبوع الذي سبق هجوم جمعة الكرامة في 18 مارس، قال الشاهد، إن المحافظ وحراسه «أطلقوا نارا في الهواء» كي يمنعوا المتظاهرين من التوسع في معسكرهم تجاه منزله. وأضاف العمراني «البيضاني أقسم أنه لن يتم تدمير هذا الجدار حتى لو كانت تلك هي نهايته». وشهد محمد السنباني، أحد حراس الأمن، واتهم في وقت لاحق بالمساعدة في إضرام النار بالجدار، بعدما اصطف المهاجمون والسكان في الجانب الجنوبي من الجدار ومعهم الإطارات المصبوب عليها البنزين، شهد بدوره بأن المحافظ الأحول شارك في بناء الجدار، واستخدم الذخيرة الحية لدرء المتظاهرين:
جمعة الكرامة كل حارة اجتمعوا يحموا السور خلال الأسبوع وبعد صلاة الجمعة من يوم أمس بدأ المعتصمون أو المتظاهرين بهدم السور، وحتى لا يتوسعوا وأثناءها أبدى محافظ المحويت أحمد علي محسن البيضاني “الأحول” بإطلاق الرصاص على السور، على الجدار، حتى لا يهدموا “السور”. جمعة الكرامة
وشهد سكان أن بشير النمري، الموضوع على قرار الاتهام كفار من العدالة ومن أبناء المنطقة، قام بجمع المال من أجل بناء الجدار، وتولي توزيع دفعات قليلة من القات، لتشجيع الرجال على الانضمام إلى اللجان الشعبية.
وشهد السنباني أمام النيابة العامة إن بعض الأشخاص كانوا يحصلون على ما بين 500 إلى ألف ريال يمني (2.33 إلى 6.66 دولار أمريكي) من أجل القات، وكان يتم توزيعها بواسطة بشير النمري. كان الجدار بارتفاع 2.5 متراً، ويمر عبر الخط الدائري، عند تقاطعه مع مركز طبي يطلق عليه المركز الطبي الإيراني.
المجزرة
وقعت المجزرة بالطرف الجنوبي من ساحة التغيير، الذي كان وقتها ساحة للمتظاهرين المعارضين لعلي عبد الله صالح. مع انتهاء عشرات الآلاف من المتظاهرين من صلاة الظهر، بدأ مسلحون ملثمون في إطلاق النار عليهم من الشارع، ومن فوق الأشجار، ومن أسطح المنازل، بما فيها منزل محافظ المحويت. في الأيام السابقة على إطلاق النار كان سكان المنطقة والموالون لصالح قد أقاموا جداراً حجرياً بارتفاع 2,5 متراً بين المتظاهرين والمسلحين، ثم أغرقوه بالبنزين وأضرموا فيه النيران مع بدء الهجوم، مما نشر سحب الدخان التي أخفت مطلقي النيران وحاصرت المتظاهرين، كان كل القتلى والجرحى تقريباً من المتظاهرين المصابين بالرصاص. وقد أصيب معظم القتلى في الصدر أو الرأس، وقفت قوات الأمن المركزي، التي كانت مسلحة بالعصي ومدفع مائي فقط، وقفت تتفرج بينما كان بعض المسلحين الموالين للحكومة ظاهرين للعيان، انسحب بعض المسلحين عبر طابور لقوات الأمن المركزي دون أن يستوقفهم أحد، كما قال اثنان من الشهود لـ هيومن رايتس ووتش.
بدأ بعض المتظاهرين في عملية نقل الجثامين، ملفوفة في بطانيات، إلى عيادة ميدانية في ساحة التغيير، ثم يعودون بالبطانيات وقد امتلأت بالحجارة لرميها على المسلحين. وبعد إطلاق النار على المتظاهرين وقعت اشتباكات تركزت في محيط ساحة التغيير، وخصوصا شارع الرباط وشارع عشرين وجولة المركز الطبي الإيراني بين المتظاهرين وقوات الأمن المركزي. كما نشبت مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن المركزي أمام حي الجامعة القديمة، حيث استخدمت قوات الأمن الرصاص الحي وعربات المياه الساخنة وقنابل الغاز، وشوهدت خمس سيارات إسعاف تنقل الجرحى.
على مدار ثلاث ساعات، قتل المسلحون ما لا يقل عن 45 متظاهراً وأصابوا نحو 200 آخرين، طبقاً لمسؤولين طبيين عند مسرح الأحداث وأقارب الضحايا ومحامين قابلتهم جميعاً هيومن رايتس ووتش. ترى هيومن رايتس ووتش أن عدد القتلى قد يصل إلى 52 قتيلاً إذا أضفنا من ماتوا على مدار الأيام التالية متأثرين بالإصابات. ورد في بيان اتهام النيابة 43 متظاهراً قتيلاً و127 آخرين مصابين. جميع من قُتلوا ونحو 40 ممن أصيبوا، تعرضوا لطلقات أسلحة نصف آلية في الرأس والصدر ومناطق أخرى من نصف الجسد العلوي، فيما وصفه مسؤولون طبيون ومحامون ومتظاهرون بأنه عمل رماة مُدربين مهرة يقصدون القتل.
في ذلك الوقت، كان المستشفى الميداني في ساحة التغيير داخل مسجد، ليس أكثر من عيادة ميدانية صغيرة. خلال دقائق أصبح المسعفون بلا حول ولا قوة إزاء هذه المجزرة. خلال نصف ساعة من توافد أول الضحايا، راح المستشفى يرسل استغاثات للتبرع بالدم. أجرى الأطباء 27 جراحة عصر ذلك اليوم، رغم أن المستشفى لم يكن به أكثر من ثلاثة أطباء، على حد قول رئيسة تمريض بالمستشفى الميداني لـ هيومن رايتس ووتش.
بعد أن حطم المعتصمون الجدار، بدأت موجات منهم تعبر إلى المنطقة التي يطلق منها المسلحون النار وداهموا بيت ممحافظ محافظة المحويت وبنايات قريبة بحثاً عن المعتدين، رغم استمرار الرصاص. داهم المتظاهرون بيت المحافظ وأشعلوا فيه النار. صادروا عدة بنادق آلية وعبوات رصاص من المباني، طبقاً لشهادات شهود وطبقاً لمقابلات أجرتها هيومن رايتس ووتش. وأسروا ما لا يقل عن 14 من المسلحين المزعومين وغيرهم من المشتبه بهم، وضربوهم بوحشية، قامت لجنة أمنية في ساحة التغيير باستجواب المشتبه بهم وبعد ساعة سلمتهم إلى الفرقة الأولى مدرع للجيش اليمني، على بعد نحو كيلومتر. ورد اسم أربعة من الـ14 مشتبه به الأصليين في لائحة الاتهام، وتم الإفراج عن الباقين. فيما قال المعتصمون للإعلام إن خمسة من المشتبه في كونهم مسلحين كانت معهم أوراق هوية حكومية.
بعد ساعات من الهجوم، أعلن الرئيس صالح عن بدء حالة الطوارئ لمدة 30 يوماً. حمل الرئيس صالح ووزير الداخلية المتظاهرين «المسلحين» مسؤولية إراقة الدماء، وهو الاتهام الذي كرره الرئيس الأسبوع التالي.
حالة الطوائ وإقالة الحكومة
أعلن الرئيس صالح حالة الطوارئ ليلة الهجوم، أمر أيضاً العامة بعدم حمل الأسلحة في العاصمة صنعاء. بعد خمسة أيام في تاريخ 23 مارس 2011 وافق البرلمان على حالة الطوارئ، التي أتاحت الرقابة على الإعلام ومنعت التظاهر وأعطت قوات الأمن سلطات موسعة بتوقيف واحتجاز المشتبهين دون عملية قضائية. المعارضة اليمنية والنواب المستقلين والمستقيلين من الحزب الحاكم طعنوا في شرعية حالة الطوارئ بسبب عدم وجود قانون طوارئ فيدستور اليمن وبسبب عدم اكتمال النصاب في أعداد النواب، الجدير بالذكر أن القانون الذي استند إليه التصويت يعود إلى زمن جمهورية اليمن الشمالي الذي يعود 1963 فيما قبل الوحدة مع الجنوب سنة 1990، وهذا كما يذكر بعض المعارضين أنه نسف للوحدة اليمنية بالاستناد على قانون قبل الوحدة.
ردود الفعل
أدت هجمة 18 مارس إلى اندلاع موجة احتجاج واستنكار محلية ودولية وأضافت إلى زخم حركة الاحتجاج، بالإضافة إلى الدعم النخبوي الذي اكتسبته الحركة. خرج في جنازات المتظاهرين القتلى عشرات الآلاف من اليمنيين. وأدت إلى عشرات الانشقاقات في صفوف المسؤولين الحكوميين بداية من وزير السياحة نبيل الفقية ليصبح أول وزير يستقيل من الحكومة خلال الثورة. وتلاه القاضي حمود الهتار وزير الأوقاف والأرشاد، ورئيس البعثة اليمنية إلى الأمم المتحدة. رفض صالح دعوات تنحيه المتزايدة، ونشر الدبابات في شتى أنحاء العاصمة، وقام في 20 مارس بحل الحكومة. و في يوم 21 مارسأعلن أحد كبار القادة العسكريين، اللواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع والمنطقة الشمالية الشرقية العسكرية تأييده للثورة وانضم الأحمر إلى المعارضة ونشر قوات الفرقة الأولى مدرع، لحراسة متظاهري ميدان التغيير. لتشكل ضربة موجعة للرئسس صالح ونظامة لا سيما بعد سيل الانضمامات الكثيرة للثورة من القادة العسكريين المختلفين والتي تلى هذا الانضمام وعدد كبير من السفراء والقيادات في حزبالمؤتمر الشعبي العام.كما بدأ صادق الأحمر (ليس من أقارب اللواء الأحمر) رئيس تجمع حاشد القبلي القوي، في دعم المعارضة.
مدن اليمن :
ساد الغضب محتلف مدن اليمن وخرجت المظاهرات العفوية تنديدا لما حصل في عدة مدن يمنية ومنها مدينة عدن التي انطلقت الدعوات من مأذن مساجدها للخروج تنديدا لما حصل في صنعاء.. وشهدت تعز أكبر حشد جماهيري منذ انطلاق ثورة الشبان، ووصفه منظموه بأنه حشد مليوني.
احزاب المعارضة :
قالت المعارضة أنه لم يعد هناك مجال للتوصل إلى تفاهم مع النظام، وأدان الرئيس الدوري للتحالف ياسين نعمان الهجوم على المتظاهرين في صنعاء واعتبره «جريمة» ودعا الرئيس إلى التنحي. ومن جهتها أكدت «اللجنة التحضيرية للحوار الوطني» أنه لا حوار ولا مفاوضات مع النظام، بعد ما أسمتها «مجزرة» الجمعة. أما الناطق باسم أحزاب اللقاء المشترك المعارضة محمد قحطان فاعتبر ما جرى في صنعاء «جريمة إبادة جماعية لشعب أعزل» وطالب المجتمع الدولي بتوفير الحماية للشعب.
توالت ردود الفعل الدولية والعربية المنددة بالقمع الدامي للاحتجاج في اليمن، مطالبة بالسماح بسير المظاهرات السلمية. ودعت جميع الأطراف اليمنية للتحاور للوصل بالبلاد إلى بر الأمان. وأتت الإدانات من الرئيس الأميركيباراك أوباما، وزارة الخارجية الفرنسية، مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، وزارة الخارجية الروسية، وزارة الخارجية القطرية،تونس، الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، منظمة هيومن رايتس ووتش.
حث الرئيس الأمريكي باراك اوباما السلطات على حماية الاحتجاجات السلمية وقال انه يجب محاسبة المسؤولين، وقال اوباما في بيان مكتوب «من الأهم أكثر من أي وقت مضى لكافة الأطراف ان تشارك في عملية مفتوحة وشفافة تتناول المخاوف المشروعة للشعب اليمني وتطرح مسارا سلميا ومنظما وديمقراطيا نحو دولة أكثر قوة وازدهارا.»
أخفقت قوات الأمن اليمنية في حماية كل من المتظاهرين والسكان أثناء اعتداء جمعة الكرامة الذي دام ثلاث ساعات. تشير شهادات الشهود وأقوالهم لـ هيومن رايتس ووتش إلى أن هذا الإخفاق كان متعمداً. وقد قال عدد من الشهود إن قوات الأمن المركزي اليمني – وهو من أفضل قوات اليمن تدريباً وتجهيزاً بالمعدات – كانوا مسؤولين عن الأمن في المنطقة لكن قاموا بحماية المسلحين ذوي الثياب المدنية فيما كانوا يطلقون النار على المتظاهرين.
قبل وأثناء الهجوم تلقى مسؤولون رفيعو الرتب – ومن بينهم وزير الداخلية وقادة الأمن – تحذيرات متكررة من مسؤولين أمنيين من رتب أدنى، ومن متظاهرين وسكان من حمام دم محتمل على وشك البدء. وبدلاً من إرسال تعزيزات أو محاولة حل المشكلة، انسحب الأمن المركزي من المنطقة في الليلة السابقة على الهجوم.
ما إن بدأ الهجوم حتى استغرقت قوات مكافحة الشغب بالأمن المركزي نصف ساعة حتى وصلت إلى المكان رغم أنها كانت متمركزة على مسافة كيلو متر واحد فقط. كانت القوات التي وصلت جديدة، من المجندين غير المجهزين بالتسليح الكافي، وقد أخفقوا في احتجاز المسلحين الذين كانوا يرونهم بوضوح. قال الشهود لهيومن رايتس ووتش إنهم بدلاً من القبض عليهم أداروا خرطوم المياه وقنابل الغاز المسيل للدموع التي كانت معهم باتجاه المتظاهرين.
حتى الرئيس صالح أقر بأن قوات الأمن لم تكن في المكان وقت بدء إطلاق النار. رغم أن هدفه كان بلا شك إبعاد الشك في أي تواطؤ للشرطة في الهجوم المسلح، فقد قال أثناء مؤتمر صحفي بعد المذبحة بساعات أنه فيما يخص الشرطة فهي لم تكن متواجدة أثناء الهجوم بالمرة، ولم تطلق رصاصة واحدة.
الضحايا
أغلب المتظاهرين الـ 53 الذين قُتلوا في إطلاق النار يوم جمعة الكرامة كانوا طلبة جامعيين. كان أصغرهم يبلغ من العمر 16 عاماً – أحد الأحداث الثلاثة القتلى – وأكبرهم يبلغ 50 عاماً. جميع القتلى وأغلب المصابين من الذكور. ومن بين القتلى جمال الشرعبي، وهو مصور يمني يبلغ من العمر 35 عاماً، وهو أول صحفي يُقتل في الانتفاضة اليمنية.
جميع القتلى ونحو 40 شخصاً من المصابين – 10 منهم أطفال – أصيبوا بأعيرة نارية في الرأس والصدر ومناطق أخرى بالجزء العلوي من الجسد.
أطلق المتظاهرون على منطقة إطلاق النار اسم ساحة الشهداء وحولوها إلى ما يشبه المزار، تحفه صور القتلى. لكن هذا هو تقريباً كل ما نال الضحايا من اعتراف وتقدير. إلى الآن ما زال المصابون إصابات خطيرة وأقارب القتلى لم يحصلوا على أية مساعدات من الحكومة تقريباً، طبقاً لمحامين للضحايا
مقتل عشرات من متظاهري ثورة الشباب اليمنية برصاص مسلحين في ساحة التغيير بصنعاء في أحداث جمعة الكرامة.
في 18 مارس 2011 مع اندلاع الانتفاضات الشعبية في شتى أنحاء العالم العربي، نظّم عشرات الآلاف من المتظاهرين اليمنيين مظاهرة أطلقوا عليها اسم «جمعة الكرامة». وكانت تلك هي أكبر مسيرة تشهدها ساحة التغيير، وهي مخيم التظاهر والاعتصام مترامي الأطراف في العاصمة صنعاء. ومع انتهاء المتظاهرين من صلاة الجمعة، قام العشرات من الرجال في ثياب مدنية، مسلحين بأسلحة آلية عسكرية بالتجمع حول الاعتصام من اتجاه الجنوب ثم فتحوا النار.
ثبت أن مذبحة جمعة الكرامة هي الهجوم الأكثر دموية على المتظاهرين في انتفاضة اليمن التي استمرت عاماً. على مدار ثلاث ساعات، قتل مسلحون ما لا يقل عن 45 متظاهراً – أغلبهم من الطلبة الجامعيين ومنهم ثلاثة أطفال – وأصابوا 200 آخرين في حين لم تبذل قوات الأمن جهداً جاداً لوقف المذبحة. أضاف الغضب الذي تسببت فيه أعمال القتل هذه إلى زخم حركة الاحتجاج، التي أجبرت الرئيس علي عبد الله صالح في فبراير/شباط 2012 على التنحي عن منصبه.
قالت هيومن رايتس ووتش إلى أن وجود مؤشرات على أن عددا من كبار المسؤولين السابقين والحاليين بالحكومة لعبوا دوراً في المذبحة ثم لم يتم اتهامهم بشيء. بدأت محاكمة ضد القتلة المزعومين في سبتمبر 2012 لكن توقفت بعد أن طلب محامو الضحايا اتهام بعض كبار المسؤولين. هذا فضلاً عن قيام الرئيس السابق علي عبد الله صالح بإنهاء عمل النائب العام السابق عبد الله العلفي بعد ستة أسابيع من أعمال القتل، عندما طلب العلفي إحالة المشتبه بهم الأساسيين إلى الاستجواب، وبينهم مسؤولون حكوميون. ما زال أكثر من نصف المدعى عليهم الـ 78 المتهمين بأعمال القتل، غير خاضعين للاحتجاز ويُحاكمون غيابياً في محكمة غرب أمانة العاصمة صنعاء الابتدائية. يقول محامو الضحايا بأن السلطات لم تبذل جهداً لضبطهم، رغم الأوامر المتكررة بضبط المتهمين الصادرة عن قاضي المحاكمة. ومن بين الهاربين من العدالة الشخصان اللذان يعتبران العقل المدبر للهجوم، وهما ابنا محافظ محافظة المحويت الموالي لصالح وقياديان بجهاز الأمن، بل إن وزير العدل أعلن في الذكرى السنوية الأولى لأعمال القتل أن «الجناة الحقيقيون هربوا وليس في السجن غير المتواطئين والمساندين».
في 27 أبريل 2013 أمرت محكمة غرب الأمانة في العاصمة صنعاء بالتحقيق مع علي عبد الله صالح و 11 من كبار المسؤولين السابقين ـ بمن فيهم ابني أخيه يحيى وطارق صالح.ووصفت هيومن رايتس ووتش الحكم بانه يمثل خطوة في اتجاه العدالة. بعد أمر المحكمة بيوم واحد، أمر النائب العام علي الأعوش أيضاً بالتحقيق مع صالح وابنه أحمد، الذي كان قائد الحرس الجمهوري حتى وقت قريب، فيما يتعلق بقصف منزل يخص قبيلة الأحمر واسعة النفوذ في البلاد، في مايو 2011. أسفرت الهجمة عن قتل عدة أشخاص بينهم وسطاء قبليون. في توقيت الهدنة كان الشيوخ يحاولون إنهاء مواجهة سياسية بين صالح وأفراد عائلة الأحمر المؤيدين للانتفاضة.
العنف قبل هجوم الكرامة
لم يقع هجوم جمعة الكرامة من فراغ. في شتى أنحاء اليمن، وفي الأسابيع والأيام التي سبقت المذبحة، قامت قوات الأمن والعصابات الموالية للحكومة بتنفيذ هجمات متكررة استهدفت حركة الاحتجاج الوليدة.
وقعت الهجمات الأكثر عنفا في صنعاء عند ساحة التغيير، وهي مدينة خيام مترامية الأطراف، أنشأها المحتجون في فبراير / شباط 2011 على مشارف بوابات جامعة صنعاء، غربيّ العاصمة. أصبحت ساحة التغيير مركزا للحركة المعارضة للرئيس صالح – المدينة المزدهرة داخل مدينة، فيها بائعون، ومنصات للخطابة والترفيه، ومستشفى ميداني داخل مسجد، ومحامون متطوعون، وقوات أمن. سرعان ما توسعت نحو الجنوب داخل منطقة سكنية تجارية مختلطة. خلق التوسع حالة من الانقسام في الحي، فمع ترحيب العديد من السكان والتجار بالمتظاهرين، كان آخرون يصفون حيهم وكأنه وقع تحت الحصار. شكل بعض السكان، بمن في ذلك عدد من المسؤولين الحكوميين والقادة الأمنيين، لجاناً شعبية، وتولوا إنشاء جدران من الطوب لتطويق المخيم الاحتجاجي. كانت الجدران الأطول والأغلظ هي مسرح هجوم جمعة الكرامة.
نفذت قوات الأمن عدة هجمات على التظاهرات سلمية في الأغلب الأعم، ويسرت وقوع هجمات أخرى نفذت بواسطة العصابات المسلحة يعتقد أنها موالية لصالح أو مرتزقة، بما في ذلك استقدامهم إلى ساحة التغيير في شاحنات عسكرية، ودعمهم بالحجارة والعصي. كما تناقلت التقارير قيام أنصار صالح أيضا بتمويل أفراد من عصابات، لجأوا إلى إنشاء مدينة خيام منافسة في ميدان التحرير بصنعاء. تعتبر قوات الأمن التي كانت وبشكل متكرر أكثر الضالعين في الهجمات، هي قوات الأمن المركزي، وهي وحدة شبه عسكرية يقودها نجل شقيق صالح، العميد يحيى صالح، وقوات الحرس الجمهوري النخبوية، التي كان يقودها نجل صالح، العميد الركن أحمد علي صالح (كما سبقت الإشارة أقال الرئيس هادي يحيى وأحمد صالح من منصبيهما في ديسمبر / كانون الأول 2012).
أصبحت الهجمات مميتة في منتصف فبراير، عقب قتل قوات الأمن ومهاجمين مجهولين لستة متظاهرين في المدن المضطربة عدن وتعز، بين 11 و18 فبراير. أصاب المعتدون أكثر من 100 آخرين خلال تلك الفترة، والعديد منهم في صنعاء. واندلعت احتجاجات في مختلف مدن اليمن في 18 فبراير /شباط، وأسموه يوم الغضب، الذي تقدر أعداد المشاركين فيه بـ 20 ألف شخص.
مسؤولون حكوميون يساعدون في بناء الجدار
في 14 مارس، اجتمع الشيوخ وسكان آخرون في الحي مرة أخرى؛ لمناقشة زحف ساحة التغيير، اجتمعت المجموعة في منزل عبد الله فروان، الذي أصبح فيما بعد رئيس هيئة التفتيش القضائي، وهي هيئة قوية داخل وزارة العدل اليمنية. ضم الاجتماع مسؤولين كبار آخرين، مثل أحمد أحمد ناصر، مدير منطقة بجهاز الأمن السياسي، وهي وكالة استخباراتية كانت ترفع تقاريرها مباشرة للرئيس صالح، الذي يرأسها بحكم الواقع؛ لأنه في ذلك الوقت كانت تحت قيادة نجل شقيقه عمار صالح، كما تواجد عبد الرحمن الضلعي العقيد بالقوات الجوية اليمنية، كما قال عقيل البوني إن عضو المجلس المحلي عبد الرحمن الكحلاني قد شارك بدوره.
قال البوني خلال الاجتماع، إن كبار المسؤولين أمروا الشيوخ بتوسيع اللجان الشعبية لدرء المتظاهرين:
جمعة الكرامة فوجئت أنهم يطلبون منا تشكيل لجان شعبية كلاً في مدخله لمواجهة حدوث أي مشكلة، وكلفوني باعتباري عاقل حارة بأن أجمع الشباب وأخبرهم بأن يحرسوا مداخلهم وقالوا بأن تحضر الشباب كلهم إلى صالة القاعة فقمت بإبلاغ أهالي الحارة بأن يحضروا إلى صالة الزراعة وقمت بإبلاغ إدارة الحرس المدني… وحضروا الاجتماع. جمعة الكرامة
شهد عاقل الحارة بأن الحضور في الاجتماع قرروا بناء جدار من الطوب لمنع تنامي مخيم الاحتجاجات. وقد عكف السكان على مدى الأسبوعين السابقين على بناء جدران من الطوب عبر عدة طرق جانبية لمنع دخول المتظاهرين، ولكن هذا الذي تم بنائه عقب اجتماع 14 مارس كان الأكثر منعة وامتد عبر الخط الدائري.
وقال البوني إن فروان، رئيس التفتيش القضائي، قد ساهم بثلاثمائة قالب طوب (بلكه) في بناء الجدار، وأن علي الأحول، نجل محافظ المحويت، قد وفر الأسمنت. أصبح علي الأحول فيما بعد المتهم الرئيسي في ملف اتهام النيابة ضد المشتبه في تنفيذهم الهجوم.
وقال يحيى عبد الله العمراني، ضابط في قوات الأمن المركزي، للنيابة العامة إن أولئك الذين تم تكليفهم ببناء الجدار تابعين لمحافظ المحويت، أحمد علي الأحول، الذي كان يلقب بـ «البيضاني» أي من محافظة البيضاء. في الأسبوع الذي سبق هجوم جمعة الكرامة في 18 مارس، قال الشاهد، إن المحافظ وحراسه «أطلقوا نارا في الهواء» كي يمنعوا المتظاهرين من التوسع في معسكرهم تجاه منزله. وأضاف العمراني «البيضاني أقسم أنه لن يتم تدمير هذا الجدار حتى لو كانت تلك هي نهايته». وشهد محمد السنباني، أحد حراس الأمن، واتهم في وقت لاحق بالمساعدة في إضرام النار بالجدار، بعدما اصطف المهاجمون والسكان في الجانب الجنوبي من الجدار ومعهم الإطارات المصبوب عليها البنزين، شهد بدوره بأن المحافظ الأحول شارك في بناء الجدار، واستخدم الذخيرة الحية لدرء المتظاهرين:
جمعة الكرامة كل حارة اجتمعوا يحموا السور خلال الأسبوع وبعد صلاة الجمعة من يوم أمس بدأ المعتصمون أو المتظاهرين بهدم السور، وحتى لا يتوسعوا وأثناءها أبدى محافظ المحويت أحمد علي محسن البيضاني “الأحول” بإطلاق الرصاص على السور، على الجدار، حتى لا يهدموا “السور”. جمعة الكرامة
وشهد سكان أن بشير النمري، الموضوع على قرار الاتهام كفار من العدالة ومن أبناء المنطقة، قام بجمع المال من أجل بناء الجدار، وتولي توزيع دفعات قليلة من القات، لتشجيع الرجال على الانضمام إلى اللجان الشعبية.
وشهد السنباني أمام النيابة العامة إن بعض الأشخاص كانوا يحصلون على ما بين 500 إلى ألف ريال يمني (2.33 إلى 6.66 دولار أمريكي) من أجل القات، وكان يتم توزيعها بواسطة بشير النمري. كان الجدار بارتفاع 2.5 متراً، ويمر عبر الخط الدائري، عند تقاطعه مع مركز طبي يطلق عليه المركز الطبي الإيراني.
المجزرة
وقعت المجزرة بالطرف الجنوبي من ساحة التغيير، الذي كان وقتها ساحة للمتظاهرين المعارضين لعلي عبد الله صالح. مع انتهاء عشرات الآلاف من المتظاهرين من صلاة الظهر، بدأ مسلحون ملثمون في إطلاق النار عليهم من الشارع، ومن فوق الأشجار، ومن أسطح المنازل، بما فيها منزل محافظ المحويت. في الأيام السابقة على إطلاق النار كان سكان المنطقة والموالون لصالح قد أقاموا جداراً حجرياً بارتفاع 2,5 متراً بين المتظاهرين والمسلحين، ثم أغرقوه بالبنزين وأضرموا فيه النيران مع بدء الهجوم، مما نشر سحب الدخان التي أخفت مطلقي النيران وحاصرت المتظاهرين، كان كل القتلى والجرحى تقريباً من المتظاهرين المصابين بالرصاص. وقد أصيب معظم القتلى في الصدر أو الرأس، وقفت قوات الأمن المركزي، التي كانت مسلحة بالعصي ومدفع مائي فقط، وقفت تتفرج بينما كان بعض المسلحين الموالين للحكومة ظاهرين للعيان، انسحب بعض المسلحين عبر طابور لقوات الأمن المركزي دون أن يستوقفهم أحد، كما قال اثنان من الشهود لـ هيومن رايتس ووتش.
بدأ بعض المتظاهرين في عملية نقل الجثامين، ملفوفة في بطانيات، إلى عيادة ميدانية في ساحة التغيير، ثم يعودون بالبطانيات وقد امتلأت بالحجارة لرميها على المسلحين. وبعد إطلاق النار على المتظاهرين وقعت اشتباكات تركزت في محيط ساحة التغيير، وخصوصا شارع الرباط وشارع عشرين وجولة المركز الطبي الإيراني بين المتظاهرين وقوات الأمن المركزي. كما نشبت مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن المركزي أمام حي الجامعة القديمة، حيث استخدمت قوات الأمن الرصاص الحي وعربات المياه الساخنة وقنابل الغاز، وشوهدت خمس سيارات إسعاف تنقل الجرحى.
على مدار ثلاث ساعات، قتل المسلحون ما لا يقل عن 45 متظاهراً وأصابوا نحو 200 آخرين، طبقاً لمسؤولين طبيين عند مسرح الأحداث وأقارب الضحايا ومحامين قابلتهم جميعاً هيومن رايتس ووتش. ترى هيومن رايتس ووتش أن عدد القتلى قد يصل إلى 52 قتيلاً إذا أضفنا من ماتوا على مدار الأيام التالية متأثرين بالإصابات. ورد في بيان اتهام النيابة 43 متظاهراً قتيلاً و127 آخرين مصابين. جميع من قُتلوا ونحو 40 ممن أصيبوا، تعرضوا لطلقات أسلحة نصف آلية في الرأس والصدر ومناطق أخرى من نصف الجسد العلوي، فيما وصفه مسؤولون طبيون ومحامون ومتظاهرون بأنه عمل رماة مُدربين مهرة يقصدون القتل.
في ذلك الوقت، كان المستشفى الميداني في ساحة التغيير داخل مسجد، ليس أكثر من عيادة ميدانية صغيرة. خلال دقائق أصبح المسعفون بلا حول ولا قوة إزاء هذه المجزرة. خلال نصف ساعة من توافد أول الضحايا، راح المستشفى يرسل استغاثات للتبرع بالدم. أجرى الأطباء 27 جراحة عصر ذلك اليوم، رغم أن المستشفى لم يكن به أكثر من ثلاثة أطباء، على حد قول رئيسة تمريض بالمستشفى الميداني لـ هيومن رايتس ووتش.
بعد أن حطم المعتصمون الجدار، بدأت موجات منهم تعبر إلى المنطقة التي يطلق منها المسلحون النار وداهموا بيت ممحافظ محافظة المحويت وبنايات قريبة بحثاً عن المعتدين، رغم استمرار الرصاص. داهم المتظاهرون بيت المحافظ وأشعلوا فيه النار. صادروا عدة بنادق آلية وعبوات رصاص من المباني، طبقاً لشهادات شهود وطبقاً لمقابلات أجرتها هيومن رايتس ووتش. وأسروا ما لا يقل عن 14 من المسلحين المزعومين وغيرهم من المشتبه بهم، وضربوهم بوحشية، قامت لجنة أمنية في ساحة التغيير باستجواب المشتبه بهم وبعد ساعة سلمتهم إلى الفرقة الأولى مدرع للجيش اليمني، على بعد نحو كيلومتر. ورد اسم أربعة من الـ14 مشتبه به الأصليين في لائحة الاتهام، وتم الإفراج عن الباقين. فيما قال المعتصمون للإعلام إن خمسة من المشتبه في كونهم مسلحين كانت معهم أوراق هوية حكومية.
بعد ساعات من الهجوم، أعلن الرئيس صالح عن بدء حالة الطوارئ لمدة 30 يوماً. حمل الرئيس صالح ووزير الداخلية المتظاهرين «المسلحين» مسؤولية إراقة الدماء، وهو الاتهام الذي كرره الرئيس الأسبوع التالي.
حالة الطوائ وإقالة الحكومة
أعلن الرئيس صالح حالة الطوارئ ليلة الهجوم، أمر أيضاً العامة بعدم حمل الأسلحة في العاصمة صنعاء. بعد خمسة أيام في تاريخ 23 مارس 2011 وافق البرلمان على حالة الطوارئ، التي أتاحت الرقابة على الإعلام ومنعت التظاهر وأعطت قوات الأمن سلطات موسعة بتوقيف واحتجاز المشتبهين دون عملية قضائية. المعارضة اليمنية والنواب المستقلين والمستقيلين من الحزب الحاكم طعنوا في شرعية حالة الطوارئ بسبب عدم وجود قانون طوارئ فيدستور اليمن وبسبب عدم اكتمال النصاب في أعداد النواب، الجدير بالذكر أن القانون الذي استند إليه التصويت يعود إلى زمن جمهورية اليمن الشمالي الذي يعود 1963 فيما قبل الوحدة مع الجنوب سنة 1990، وهذا كما يذكر بعض المعارضين أنه نسف للوحدة اليمنية بالاستناد على قانون قبل الوحدة.
ردود الفعل
أدت هجمة 18 مارس إلى اندلاع موجة احتجاج واستنكار محلية ودولية وأضافت إلى زخم حركة الاحتجاج، بالإضافة إلى الدعم النخبوي الذي اكتسبته الحركة. خرج في جنازات المتظاهرين القتلى عشرات الآلاف من اليمنيين. وأدت إلى عشرات الانشقاقات في صفوف المسؤولين الحكوميين بداية من وزير السياحة نبيل الفقية ليصبح أول وزير يستقيل من الحكومة خلال الثورة. وتلاه القاضي حمود الهتار وزير الأوقاف والأرشاد، ورئيس البعثة اليمنية إلى الأمم المتحدة. رفض صالح دعوات تنحيه المتزايدة، ونشر الدبابات في شتى أنحاء العاصمة، وقام في 20 مارس بحل الحكومة. و في يوم 21 مارسأعلن أحد كبار القادة العسكريين، اللواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع والمنطقة الشمالية الشرقية العسكرية تأييده للثورة وانضم الأحمر إلى المعارضة ونشر قوات الفرقة الأولى مدرع، لحراسة متظاهري ميدان التغيير. لتشكل ضربة موجعة للرئسس صالح ونظامة لا سيما بعد سيل الانضمامات الكثيرة للثورة من القادة العسكريين المختلفين والتي تلى هذا الانضمام وعدد كبير من السفراء والقيادات في حزبالمؤتمر الشعبي العام.كما بدأ صادق الأحمر (ليس من أقارب اللواء الأحمر) رئيس تجمع حاشد القبلي القوي، في دعم المعارضة.
مدن اليمن :
ساد الغضب محتلف مدن اليمن وخرجت المظاهرات العفوية تنديدا لما حصل في عدة مدن يمنية ومنها مدينة عدن التي انطلقت الدعوات من مأذن مساجدها للخروج تنديدا لما حصل في صنعاء.. وشهدت تعز أكبر حشد جماهيري منذ انطلاق ثورة الشبان، ووصفه منظموه بأنه حشد مليوني.
احزاب المعارضة :
قالت المعارضة أنه لم يعد هناك مجال للتوصل إلى تفاهم مع النظام، وأدان الرئيس الدوري للتحالف ياسين نعمان الهجوم على المتظاهرين في صنعاء واعتبره «جريمة» ودعا الرئيس إلى التنحي. ومن جهتها أكدت «اللجنة التحضيرية للحوار الوطني» أنه لا حوار ولا مفاوضات مع النظام، بعد ما أسمتها «مجزرة» الجمعة. أما الناطق باسم أحزاب اللقاء المشترك المعارضة محمد قحطان فاعتبر ما جرى في صنعاء «جريمة إبادة جماعية لشعب أعزل» وطالب المجتمع الدولي بتوفير الحماية للشعب.
توالت ردود الفعل الدولية والعربية المنددة بالقمع الدامي للاحتجاج في اليمن، مطالبة بالسماح بسير المظاهرات السلمية. ودعت جميع الأطراف اليمنية للتحاور للوصل بالبلاد إلى بر الأمان. وأتت الإدانات من الرئيس الأميركيباراك أوباما، وزارة الخارجية الفرنسية، مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، وزارة الخارجية الروسية، وزارة الخارجية القطرية،تونس، الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، منظمة هيومن رايتس ووتش.
حث الرئيس الأمريكي باراك اوباما السلطات على حماية الاحتجاجات السلمية وقال انه يجب محاسبة المسؤولين، وقال اوباما في بيان مكتوب «من الأهم أكثر من أي وقت مضى لكافة الأطراف ان تشارك في عملية مفتوحة وشفافة تتناول المخاوف المشروعة للشعب اليمني وتطرح مسارا سلميا ومنظما وديمقراطيا نحو دولة أكثر قوة وازدهارا.»
أخفقت قوات الأمن اليمنية في حماية كل من المتظاهرين والسكان أثناء اعتداء جمعة الكرامة الذي دام ثلاث ساعات. تشير شهادات الشهود وأقوالهم لـ هيومن رايتس ووتش إلى أن هذا الإخفاق كان متعمداً. وقد قال عدد من الشهود إن قوات الأمن المركزي اليمني – وهو من أفضل قوات اليمن تدريباً وتجهيزاً بالمعدات – كانوا مسؤولين عن الأمن في المنطقة لكن قاموا بحماية المسلحين ذوي الثياب المدنية فيما كانوا يطلقون النار على المتظاهرين.
قبل وأثناء الهجوم تلقى مسؤولون رفيعو الرتب – ومن بينهم وزير الداخلية وقادة الأمن – تحذيرات متكررة من مسؤولين أمنيين من رتب أدنى، ومن متظاهرين وسكان من حمام دم محتمل على وشك البدء. وبدلاً من إرسال تعزيزات أو محاولة حل المشكلة، انسحب الأمن المركزي من المنطقة في الليلة السابقة على الهجوم.
ما إن بدأ الهجوم حتى استغرقت قوات مكافحة الشغب بالأمن المركزي نصف ساعة حتى وصلت إلى المكان رغم أنها كانت متمركزة على مسافة كيلو متر واحد فقط. كانت القوات التي وصلت جديدة، من المجندين غير المجهزين بالتسليح الكافي، وقد أخفقوا في احتجاز المسلحين الذين كانوا يرونهم بوضوح. قال الشهود لهيومن رايتس ووتش إنهم بدلاً من القبض عليهم أداروا خرطوم المياه وقنابل الغاز المسيل للدموع التي كانت معهم باتجاه المتظاهرين.
حتى الرئيس صالح أقر بأن قوات الأمن لم تكن في المكان وقت بدء إطلاق النار. رغم أن هدفه كان بلا شك إبعاد الشك في أي تواطؤ للشرطة في الهجوم المسلح، فقد قال أثناء مؤتمر صحفي بعد المذبحة بساعات أنه فيما يخص الشرطة فهي لم تكن متواجدة أثناء الهجوم بالمرة، ولم تطلق رصاصة واحدة.
الضحايا
أغلب المتظاهرين الـ 53 الذين قُتلوا في إطلاق النار يوم جمعة الكرامة كانوا طلبة جامعيين. كان أصغرهم يبلغ من العمر 16 عاماً – أحد الأحداث الثلاثة القتلى – وأكبرهم يبلغ 50 عاماً. جميع القتلى وأغلب المصابين من الذكور. ومن بين القتلى جمال الشرعبي، وهو مصور يمني يبلغ من العمر 35 عاماً، وهو أول صحفي يُقتل في الانتفاضة اليمنية.
جميع القتلى ونحو 40 شخصاً من المصابين – 10 منهم أطفال – أصيبوا بأعيرة نارية في الرأس والصدر ومناطق أخرى بالجزء العلوي من الجسد.
أطلق المتظاهرون على منطقة إطلاق النار اسم ساحة الشهداء وحولوها إلى ما يشبه المزار، تحفه صور القتلى. لكن هذا هو تقريباً كل ما نال الضحايا من اعتراف وتقدير. إلى الآن ما زال المصابون إصابات خطيرة وأقارب القتلى لم يحصلوا على أية مساعدات من الحكومة تقريباً، طبقاً لمحامين للضحايا!!