من ذِكْرِ الخالدين ..
هارون الرشيد
د.علي أحمد جديد
في مثل هذا اليوم ، توفي الخليفة العباسي الخامس (هارون الرشيد بن الخليفة العباسي محمد المهدي بن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور) ..
الموافق في تاريخ 809/03/24 ميلادي 193 هجري
ويعتبر الخليفة العباسي (هارون الرشيد أعظم خليفة) بعد الخلفاء الراشدين الذين منهم (عمر بن عبد العزيز) الراشدي الخامس الذي قتله بنو أمية لأنه نشر العدل في توزيع الثروة بين ابناء الامبراطورية الإسلامية دون تمييز بين رجل او طفل او إمرأة ، ولا تفريق بين مسلم وغير مسلم .
وسيكون مآثر ذكر هارون الرشيد بالنقاط التالية:
–
1) تولى قيادة الجيش وعمره 14 عاما، ففتح المدن والقلاع ، وعاش في أرمينيا ليجاهد في القوقاز ، ووصل إلى القسطنطينية وعمره 16 عاماً ، وارغم البيزنطيين على دفع الجزية بعدما أعلنوا الولاء للعباسيين ، وكان ذلك في زمن حكم والده الخليفة العباسي المهدي .
2) تولى الحكم وعمره 20 عاماً ، وفي زمن خلافته عاش سنتين في الرقة ليبقى قريباً من البيزنطيين الذين يقاتلهم باستمرار ، وعاش في داغستان ثمانية أشهر وهو في جهاد متواصل .
3) أشهر حكام التاريخ فنجد اسمه في المصادر الألمانية والإنجليزية واليابانية والصينية والسلافية بأنه كان ملك الأرض بأسرها ، وكأنه ذو القرنين والضحاك ، فلا عجب أن يخاطب غيمة في السماء ويقول لها :
“امطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك”.
4) كان ملك ملوك الأرض وجاء ذكره في كتاب مروج الذهب للمسعودي :
“أقرت ملوك الصين والترك والهند والزنج وسائر ملوك العالم لملك بابل بالتعظيم ، وأنه أول ملوك العالم ، ومنزلته فيها كمنزلة القمر من الكواكب ، لأن اقليمه أشرف الأقاليم ، ولأنه اكثر الملوك مالاً وأحسنهم طبعاً ، وأكثرهم سياسةً وحزماً ، ومنزلته من العالم كمنزلة القلب من الجسد والواسطة من القلادة ، ثم يتلوه ملك الهند وهو ملك الحكمة والفيلة ، ثم ملك الصين ملك الرعاية والسياسة وإتقان الصنعة ، ويرزق جنده كفعل ملك بابل ، ثم يتلوه ملك الترك ملك السباع والخيل ملكه بين الصين وخراسان ، ثم يتلوه ملك الروم ملك الرجال ثم تتساوى باقي الملوك بالمرتبة”.
5) كان يحج عاماً ويغزو وعاماً ، وفي أعوام قام بالأمرين معاً ، وهذا لأنه قبل تولي الخلافة رآى النبي ﷺ في منام وبشره بالخلافة قائلا له :
“إن هذا الأمر صائر إليك فاغز وحج ووسع على أهل الحرمين” . وكان شديد التدين يصلي في الليلة مائة ركعة ، وهو أول من حج ماشياً ، وكان غزير الدمع عند الوعظ ، ويعظّم حرمات الدين ، ويحب الفقه والفقهاء .
6) جعل الأمة في قمة الإزدهار والثراء والرخاء فأنار الطرق بالقناديل واعتنى بالزراعة وبنى الجسور والقناطر وحفر الترع والجداول ، وأسس شبكة تجارية لتشجيع التبادل التجاري بين الولايات ، وأسس لأجل ذلك نظام حراسة في طرق التجارة بين المدن .
7) كان الرشيد يتفقد أحوال الرعية بنفسه فيدور بين الناس ليعرف أمورهم وأحوالهم ، وكان في أوقات يطوف متنكرا في الأسواق والمجالس ليعرف مشاكلهم ويعرف مواطن الظلم ليقضي عليها .
8 ) حوّل بيت الحكمة من مكتبة خاصة للخلفاء والحاشية وعدد محدود من العلماء ، إلى أعظم مركز علمي للتعلم والترجمة والإبتكار والعلماء والعقول . فأوصل الأمة إلى مكانة علمية مزدهرة لم تصل لها إلا في العصر العباسي ، كما أنه نشر الجامعات والمكتبات في مختلف أرجاء الدولة ، وأسس مصنع الورق ليدعم الكتابة ، وأصبح الكتاب في عصره يوزن ذهباً لشدة الطلب على الكتب ولاهتمام الخلفاء العباسيين بالعلم .
9) أثبت بأنه أقوى الخلفاء حين خاطب الامبراطور البيزنطي بلقب (كلب الروم) في رسالته إليه التي ورد فيها قوله :
“من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم ، والجواب ما تراه دون ما تسمعه ، والسلام” ..
وهزمه الرشيد بنفسه فأرسل (نقفور) البيزنطي الخراج والجزية صاغراً وأعلن للرشيد الولاء .
كما نكّل الرشيد بالبرامكة لتجاوزات اقترفوها ، ووصلت جيوشه إلى أعماق روسيا شمالاً وإلى أعماق بلاد الزنج جنوباً ، فقد كان حاكماً مطلقاً وممسكاً بكل الصلاحيات ومرافق الدولة حتى لو انشغل بالجهاد والحج .
10) هو أكثر من تعرّض لحملات الإفتراء والتشويه ، إما من منطلق الثأر لقيامه بنكبة البرامكة ، وإما من مؤيدي السلالات الملكية الأخرى والتي عجزت أن تنجب مثله ، فكذبوا عندما قالوا بأنه كان يشرب الخمر ، لأن الرشيد كان أكث خليفة يعظّم حرمات الدين ويصلي في الليلة مائة ركعة ، ويحج عاماً ويغزو عاماً ، وكذبوا عندما قالوا بأن الرشيد تآمر مع شارلمان لإسقاط برشلونة فقد كانت أولى الرسائل من هارون الرشيد إلى شارلمان في أكتوبر 801م ، أي بعد إنتصار شارلمان على الأمويين وأتيلائه على برشلونة منهم ، وكان من ضمن ما أرسله الرشيد لشارلمان ساعة وفيلاً ، ولم يكن مما أرسله أي مال أو جنود أو عتاد ، لأنه كان يهدف إلى إظهار الفرق الكوني بينه وبين شارلمان ، واستعراض عظمة وعلو دولته أمام الجهل الأوروبي ، وظهر هذا الأمر جلياً عندما عملت الساعة ، فقامت حاشية شارلمان بتدميرها لإعتقادهم بأن شيطاناً يسكنها ، وكان سبب الرسالة هو تأكيد الرشيد على مسؤوليته وحرصه وحمايته للمسلمين في مناطق حكم شارلمان ، ويكفي هنا أن نقرأ ما قاله المؤرخ اليهودي والغربي (دينيس شيرمان) :
“كان هارون الرشيد ينظر لشارلمان كحاكم على ولاية من ولاياته العباسية ، بل كان يعتبر شارلمان أقل من أن يذكر في سجلاته” .
المراجع :
1) تاريخ الخلفاء ، السيوطي.
2) أعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس ، إتليدي
3) البرامكة في ظلال الخلفاء ، محمد أحمد برانق
4) هارون الرشيد ، أحمد أمين
5) تاريخ الأمم والملوك ، الطبري
6) سير أعلام النبلاء ، الذهبي
7) مروج الذهب ، المسعودي
8 ) البداية والنهاية، ابن كثير
9) The West in the World, Dennis Sherman
10) كتاب الزنج ، الجاحظ .