في مثل هذا اليوم23 مايو 1908م..
دخول مدينة بريدة تحت حكم ملك السعودية عبد العزيز آل سعود.
الدولة السعودية الثالثة هي وريثة الدولتين السعوديتين: الأولى والثانية، تأسست في (5 شوال 1319 هـ – 15 يناير 1902م)، على يد الملك عبد العزيز آل سعود والذي تمكن من استعادة مدينة الرياض ليؤسس الدولة السعودية الحديثة والمعاصرة (المملكة العربية السعودية).
عرفت الدولة السعودية الثالثة بداية عهدها باسم إمارة الرياض وبعد ضم الأحساء سميت إمارة نجد والأحساء وتمكنت الامارة من التوسع حتى استطاعت عام 1921 من السيطرة على كامل أراضي نجد بعد اسقاط إمارة حائل المنافسة، واصبحت إمارة نجد والأحساء تعرف باسم سلطنة نجد ومن ثم مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها واستمر الاسم قائما حتى إعلان قيام المملكة العربية السعودية عام 1932.
بدأ عبد العزيز رحلة العودة إلى الرياض، مزوداً بالكثير من الدعوات والعزيمة، وقليل مما من سواهما، تاركاً أول أبنائه، تركياً، رضيعاً في الكويت. فاتجه عبد العزيز إلى الصحراء القريبة من الأحساء. وكانت خطته ترمي أولاً إلى ضرب العشائر المعادية لأبيه، والموالية لابن رشيد، في محاولة منه لإقناع القبائل، الصديقة والمحايدة، بالانضمام إليه. وقد أثمرت تلك الخطة، وانضم إليه عدد لا بأس به من المحاربين، من قبائل مختلفة، مثل العجمان وسُبيع والسهول وآل مرة، حتى وصل عدد أتباعه إلى حوالي ألف راكب ذلول، وأربعمائة خيال. وقام عبد العزيز ببعض الغارات الموفقة، على بعض العشائر في نجد. ثم عاد إلى أطراف الأحساء، التي كان يمون جيشه الصغير منها. ولئن زادت هذه الغارات من عدد أتباع عبد العزيز، من طالبي الكسب، فإنها لفتت نظر الأمير عبد العزيز بن متعب بن رشيد، أمير حائل، إلى خطر هذا الوضع، الأمر الذي جعله يطلب من العثمانيين طرد عبد العزيز وأتباعه من نواحي الأحساء. وقد فعلت الدولة العثمانية ما أراده ابن رشيد، ومنعت عبد العزيز من التمون من الأحساء. وقد أدى هذا الإجراء العثماني إلى تفرق أتباعه من البدو، وجعله في موقف صعب. وبقي عبد العزيز في الصحراء، بلا تموين، ومع قليل من الأتباع، إذ تخلى عنه كل من انضم إليه، طالباً للكسب، بعد ما أدركوا ما سيتعرضون له من عقوبات اقتصادية عثمانية، من جراء انضمامهم إلى جيشه. فتوجه بأتباعه إلى منطقة يبرين، الواقعة بين قطر والربع الخالي، ليرسم خططه المستقبلية، بتمعن وروية.
وكانت الدولة العثمانية قد اتخذت إجراء آخر، ضد الإمام عبد الرحمن، إذ قطعت معاشه، الذي كان يتقاضاه، أثناء إقامته في الكويت، فتكالبت هذه المشاكل على عبد العزيز، وهو في واحة يبرين.
وقد حاول الإمام عبد الرحمن، أن يقنع ابنه، عبد العزيز، بعد أن رأى انفضاض القبائل من حوله، بالعودة إلى الكويت، وعدم الاستمرار في محاولته العسكرية. ولكن ما حل بعبد العزيز، لم يزده إلا طموحاً وتصميماً على مواصلة جهوده. فجمع رجاله، الذين بقوا معه في الصحراء، وقرأ عليهم رسالة والده، التي يدعوهم فيها إلى العودة. وقال لهم: “أنتم أحرار في ما تختارونه. أما أنا، فلن أعرض نفسي لأكون موضع سخرية في أزقة الكويت”. وقال: “من أراد الراحة، ولقاء أهله، والنوم والشبع، فإلى يساري “، فتواثب أتباعه المخلصون إلى يمينه، وصاحوا مقسمين على أن يصحبوه إلى النهاية. فالتفت الشاب عبد العزيز إلى رسول والده، الذي كان حاضراً، وقال له: “سلم على الإمام، واسأله أن يدعو لنا. وموعدنا في الرياض ـ إن شاء الله”. عندها، رأى الأمير عبد العزيز، أن الأسلوب، الذي اتبعه لم يجده نفعاً، وأنه لا بدّ من عمل جريء، مفاجئ، يحدث صدى بعيداً، في المنطقة كلها.
أصبحت الرياض قاعدة للحكم آل سعود، بعد أن اتخذها الإمام تركي بن عبد الله آل سعود عاصمة له، سنة 1240هـ – 1824م ، بدلاً من الدرعية. واستمرت عاصمة الدولة السعودية الثانية، إلى سقوطها، سنة 1309هـ- 1891م ، لتصبح، بعد ذلك، واحدة من البلدان، التي تخضع لحكم ابن رشيد في نجد. ولكن الرياض لها تاريخها العريق في أذهان الناس، خاصة في نجد، لكونها قاعدة للحكم السعودي، ورمزاً إلى شرعية ذلك الحكم. ولهذا، فقد قرر عبد العزيز، أن يهاجمها، يشجعه على ذلك تأييد أهلها له ولأسرته، ولرغبتهم في التخلص من حكم ابن رشيد، الذي سامهم سوء العذاب، بعد محاولة عبد العزيز الأولى، لاسترداد البلدة.
واصل عبد العزيز بن عبد الرحمن، ورفاقه، السير الحثيث، يستريحون نهاراً، ويسيرون ليلاً، حتى بلغوا مكاناً، يقال له “الشقيب”، من ضواحي الرياض، في 5 شوال 1319هـ – 15 يناير 1902م . ووضع عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود قرب الرياض خطة للهجوم، فقسم قواته إلى ثلاثة مجموعات..
حل صباح 15 يناير 1902، وخرج عجلان بن محمد من قصر المصمك، بعد شروق الشمس، ومعه عدة رجال، أطلق عليه عبد العزيز النار من بندقيته، فلم يقتله. ثم تتابع الرصاص من الباقين، صائحين صيحة، ملأت البلد: (أهل العوجا.. أهل العوجا) وتعقبوا عجلان ورجاله. وتمكن عبد العزيز من إمساك رِجل، عجلان، وهو يحاول العودة إلى القصر، وقد أدخل يديه ورأسه في فتحة باب القصر (الجوخة)، فرفس عبد العزيز، وأفلت من يديه. فازدحم عبد العزيز ورفاقه، عند باب القصر، والحامية تصب رصاصها عليهم. ودخل عبد الله بن جلوي القصر، في أثر عجلان، فأدركه جريحاً في مسجد القصر، فأجهز عليه برصاصة من بندقيته. وقُتل عدد من أتباعه. وتتابع رجال عبد العزيز في دخول القصر، فاضطر باقي رجال الحماية إلى الاستسلام. ونودي، في الرياض، أن الحكم لله، ثم لعبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود.
وبعد انتهاء معركة القصر، تتبع عبد العزيز رجال ابن رشيد، الذين كانوا خارج القصروقتلهم. وخرج فهد بن جلوي، على جواد من خيل عجلان، وذهب إلى الرجال، الذين أبقوهم عند الرواحل، وأدخلهم البلدة.
لقد استفاد رجال عبد العزيز من عنصر المباغتة فانتقموا من الحامية الشمرية الموجودة في الحصن ، ثم قتلوا من كان في المدينة. وأطلق سراح عشرين من الشمريين بكلمة شرف بعد أن اعتصموا في البرج. وكانت خسائر الأمير الشاب هي قتيلان وثلاثة جرحى لاغير . وكان انتصاره الرائع غير المتوقع قد خلب ألباب أهالي نجد بالطبع ، وفيما بعد صار الشعراء والرواة يتغنون به في روايات وقصائد كثيرة . وأقسم أهل الرياض يمين الولاء لعبد العزيز الذي بدأ على الفور يتحصن أسوار المدينة. وعندما علم ابن متعب بنبأ سقوط الرياض استولى عليه الهيجان وأقسم بأن يثأر من أعدائه التقليديين . ونزح من الفرات الأوسط إلى حائل ليجمع العساكر ويتوجه إلى الرياض ، إلا أن الاستعدادات استغرقت عدة أشهر.
وبذلك خطى عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود خطوته الأولى، لاستعادة حكم آبائه وأجداده، ومن ثم، توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية. وفي ذلك التاريخ، 5 شوال 1319هـ – 15 يناير 1902م، بدأت الدولة السعودية الثالثة.
مبايعة الرياض:
اندفع سكان الرياض إلى مبايعة حاكمهم الجديد، الذي أعاد الحق إلى أصحابه. ولم ينس الابن أباه، فأرسل عبد العزيز رفيقه، ناصر بن سعود، ليبشر الإمام عبد الرحمن، والشيخ مباركاً، في الكويت، بفتح الرياض، ويطلب المدد. وفي الوقت نفسه، شرع يحصن الرياض. وتمكن، بمساعدة أهلها، من بناء سور حصين للعاصمة، في أربعين يوماً، بعد أن كان هدمه ابن رشيد، على أثر معركة حريملاء، عام 1308هـ. وأمده والده والشيخ مبارك الصباح، بسبعين رجلاً وذخيرة، تحت قيادة أخيه، سعد بن عبد الرحمن الفيصل.
بدأ عبد العزيز آل سعود يوجه اهتمامه إلى مناطق جنوب الرياض، خاصة وأن هذه المناطق كانت تكن ولاءً لآل سعود، وهي تلك المناطق التي ظلت تشكل ملاذًا آمنًا لآل سعود وآل الشيخ يوم أن كانت تداهمهم الحملات العثمانية المصرية الموجهة ضدهم. وهم أيضًا الذين قاتلوا إسماعيل بيك وخالد بن سعود بالفؤوس عندما قررا تأديبهم والانتقام منهم لأنهم يؤوون آل سعود وآل الشيخ وأتباعهم.
قرر عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود تأمين خطوطه الدفاعية لينطلق بعد ذلك للهجوم على عدوه ابن رشيد. فأراد توحيد مناطق الجنوب مع المركز الرياض ليضمن قيام جبهة قوية تدعم موقفه وتقويه ضد آل رشيد الذين مازالوا يسيطرون على معظم مناطق نجد. وقد التقى عبد العزيز آل سعود بقوات عبد العزيز بن متعب آل رشيد في بلدة الدلم قرب بلدة الخرج، وكان النصر فيها حليف عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود وقواته، وسهل هذا النصر الطريق أمام عودة جميع البلدان والقرى الواقعة إلى الجنوب من الرياض إلى الدولة السعودية الثالثة، وبالفعل فقد دانت له تلك المناطق بولائها وتأييدها لمشروعه التوحيدي الذي سيقضي على الفوضى والاضطراب الذي ساد البلاد أثناء غياب الدولة السعودية. وهكذا توسعت رقعة الدولة السعودية الثالثة، وازداد عدد أتباعها، وازدادت مع هذا كله اقتصاديات الدولة الناشئة، فقوي بذلك كيانها وسيادتها.
وجه عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود جهوده التوحيدية صوب مناطق شمالي الرياض كي يدعم كيان دولته، ويبعد قوة ابن رشيد وتأثيره عن المناطق التي وحدها إلى الدولة السعودية الثالثة. فدخل بلدة شقراء أكبر بلدان الوشم ثم ثرمداء ويكون بذلك قد وحد إقليم الوشم مع مناطق دولته بعد مناوشات مع قوات ابن رشيد لم تصل إلى حد المعارك والوقعات الفاصلة أو الحاسمة.
فتح بريدة:
أما بريدة، فإن أمرها كان هيناً، بعد أن تشجع أهلها بأنباء دخول الملك عبد العزيز آل سعود عنيزة؛ فقدم عليه وفد منهم، يبدون وقوفهم معه. فسيّر إليها أمراءها السابقين، آل مهنا، فاستقبلهم الأهالي بحماسة. وحاصر آل مهنا قائد حامية بريدة، عبد الرحمن بن ضبعان، في القصر. وبعد أن استمر الحصار شهراً ونصف الشهر، استسلم أفراد الحامية، وخرجوا بسلاحهم، وأعطاهم الأمير عبد العزيز بن سعود الأمان على أرواحهم، ليرحلوا إلى بلادهم، وكان الطريق إلى بريدة مفتوحاً، فبعث ابن سعود إلى المدينة فصيلاً بقيادة صالح آل مهنا أبا الخيل وفيما بعد، عندما دخل عبد العزيز بريدة أقسم له سكانها يمين الولاء. وسلمت الحامية الشمرية المكونة من 150 شخصا الحصن في حزيران (يونيو) 1904. وقبيل العمليات الحربية الحاسمة بعث حسن شكري برسالة إلى عبد العزيز عندما كان هذا الأخير لايزال في عنيزة وحذره من العواقب الوخيمة للعمليات الحربية ذد حاكم حائل . وكتب العقيد التركي يقول : (إن جلالة الخليفة الأعظم بلغة اضطراب الفتنة في بلاد نجد، وأن يدا أجنبية محركة لها . فلهذا السبب بعثني إليكم حقنا للدماء ولمنع التدخل الأجنبي في بلاد المسلمين) . ثم تشكى كاتب الرسالة من تعاون عبد العزيز مع مبارك الذي يتعاون مع بريطانيا الدولة الأجنبية الكافرة ، واقترح بلهجة متعالية على عبد العزيز بأن يعرض شكاواه على السلطت العثمانية وليس على مبارك الذي أعلن العصيان على الخليفة . وأشار شكري إلى أنه حليف ليس فقط لأل الرشيد ، بل ولجميع الذين ينشدون المعونة والدعم من الإمبراطورية العثمانية ، وقال بأنه إذا رغب ابن سعود أيضا في هذه المساعدة فبوسعه أن يتمتع بنفس النعم التي يتمتع بها آل الرشيد من الحكومة العثمانية، شعر حاكم الرياض بالقلق ، ولكنه كان متصلبا في موقفه . ورد على تلك الرسالة بجواب جاء فيه : (وأما الآن ، فلا نقبل لكم نصيحة ولانعترف لكم بسيادة ، والأحسن أنك ترجع من هذا المكان إذا كنت لا تود سفك الدماء . فإن تعديت مكانك هذا ، مقبلا إلينا ، فلا شك أننا نعاملك معاملة المعتدين علينا … فإن كنت حرا منصفا فلا يخفاك أن سبب عدم إطاعتي هو عدم ثقتي بكم … وخلاصة القول أن كل العمال الذين رأينا أنهم خائنون منافقون . فلا طاعة لكم علينا ، بل نراكم كسائر الدول الأجنبية) . ثم يستشهد عبد العزيز بالوضع في اليمن والبصرة والحجاز وبسلوك الأتراك هناك لتوضيح أعماله . وأعاد إلى الأذهان نهب سلطات الحجاز للحجاج أمام الكعبة . وحذر الأمير في ختام رسالته العقيد بأنه إذا تحرك الأتراك نحو المنطقة الخاضعة له فإنه سيعاملهم معاملة المعتدين وفي صيف 1904 حاول ابن سعود الاعتماد على الإنجليز في صراعه ضد الأتراك وصنيعتهم فأقام اتصالات مع الميجر بيرسي كوكس الذي كان قد صار قبل حين معتمدا سياسيا لبريطانيا في منطقة الخليج . وقبل ذلك كان كوكس مساعدا للمعتمد البريطاني في الصومال خلال الفترة من 1892 حتى 1901 وقنصلا في مسقط للفترة من 1901 حتى 1904 . وقدر له أن يلعب دورا هاما في العلاقات الأنكلوسعودية حتى إحالته على التقاعد في 1923. وبإشرافه عمل المستعربون المعروفون ولسن وبيلي وفيلبي . وكانوا يمثلون جيل الموظفين والمخبرين والعسكريين الاستعماريين البريطانيين الذي يعتبر كيبلنغ أميرا لهم . وكانوا يعتقدون ، بهذا القدر أو ذلك من الإخلاص ، بأنهم يتحملون (عبء الإنسان الأبيض) عندما يدافعون عن المصالح الاستعمارية البريطانية ، إلا أن الكثيرين منهم كانوا يقومون بدراسات عميقة ، وكانوا ، على سبيل المثال ، مطلعين جيدا على شئون الجزيرة العربية. لقد اعتبرت بريطانيا ظهور القوات التركية في نجد خرقا لاتفاقية 1901 بشأن المحافظة على الأوضاع القائمة . وبعثت لندن إلى الباب العالي احتجاجا شديد اللهجة . وبعد أن رأى العثمانيون وابن متعب استحالة إقناع عبد العزيز بالرضوخ لمطالبهم قرروا البدء بالعمليات الحربية . كان لدى الأتراك حوالي ألفين من المشاة أو ثماني كتائب (11 كتيبة حسب رواية أخرى) من القوات النظامية وستة مدافع خفيفة وكمية كبيرة من النقود والذخيرة والأسلحة والأغذية . وبالإضافة إلى الشمريين التحق بقوات جبل شمر أبناء قبيلة حرب ، وكذلك سكان حائل . وعندما علم عبد العزيز باقتراب العدو قرر مواجهته في معركة مكشوفة . وخرجت من بريدة نحو الغرب قواته المكونة من أبناء الرياض والقصيم والخرج وقبائل مطير وبني رشيد . على هذا النحو نشأ الموقف قبيل معركتي الشنانة والبكيرية اللتين اتسمتا بأهمية كبيرة لتقرير مستقبل أواسط الجزيرة كأهمية استيلاء عبد العزيز على الرياض. ودخل الأمير عبد العزيز بن سعود بريدة، وبايعه أهلها. وعين صالح الحسن المهنا أميراً عليها. وبخضوع عنيزة وبريدة، يكون إقليم القصيم، قد خضع للحكم السعودي.!!