قراءة نقدية مزدوجة : “القصيدة بين النبوّة والجنون في الحبّ”
قصيدة المبدع حمد حاجي”واجمل ما رات عيني”(تونس)
قصيدة المشاكس عمر دغرير”وكيف شفت العين والنمش والكحل”(تونس)
الناقدة :جليلة المازني (تونس)
فقرة:جمع بصيغة المفرد:(مبدع/مشاكس/ناقدة)
القراءة النقدية المزدوجة:”القصيدة بين النبوة والجنون في الحب”
1- المبدع حمد حاجي والنبوّة في الحب:
يرسم لنا المبدع حمد حاجي لوحة ابداعية في المرأة الجميلة من وجهة نظره بْدءًا بالعينين وما تعكسانه من حياء وما تمتازان به من كحل ووصولا الى النمش الذي يضفي على وجنتها جمالا.
ان من أجمل ماقيل في وصف جمال المرأة جمال عيونها التي كانت موضوع غزل الشعراء:
– يقول أحدهم:ليت الذي خلق العيون السودا//خلق القلوب الخافقات حديدا
يقول جرير:ان العيون التي في طرفها حور// قتلننا ثم لم يحيينا قتلانا
– يقول احمد شوقي في جمال العيون:
السحر في سود العيون لقيته والبابلي بلحظهن سقيته
– يقول نزار قباني:ذات العينين السوداوين المقمرتين
ذات العينين الصاحيتين الممطرتين
لا اطلب أبدا من ربي الا شيئين// أن يحفظ هاتين العينين
ويزيد بأيّامي يوميْن كيْ أكتب //شعرا في هاتين اللؤلؤتين
يقول ايليا ابو ماضي:رأيت في عينيك سحر الهوى//مندفعا كالنورمن نجمتين
في هذا الاطار من التغنّي بالعيون ماذا يقول مبدعنا حمد حاجي؟ يقول:
“واجمل من عينها قط لم تر عيني// فاطراقة عند انصاتها وحياءُ
يستخدم المبدع صيغة اسم التفضيل لمقارنة جمال عينيها بجمال العيون في المطلق ليقنع القارئ بان عينيها هي الاجمل وهي صيغة اسم التفضيل المطلق
ثم هو يحدّد مصدر جمال العينين الكامن في اطراقتها انصاتا وحياءً
والاطراقة هو اسم مرة من الاطراق الذي هو امالة الرأس الى الصدرمع السكوت والمبدع يتغزل بحسن انصاتها وحيائها.
وحسن الانصات سمة ايجابية لدى المراة والرجل على حدّ السواء وهي تشي بحسن التركيز ويضيف الى حسن تركيزها الحياء المستحسن عند المراة.
وهنا لا بد من التمييز بين الحياء والخجل:
“الخجل صفة سلبية تدل على شيء من ضعف الشخصية واما الحياء فهي صفة ايجابية وتعبر عن قوة شخصية الواحد منا”(1)
في هذا الاطار قد يتدخل القارئ ليستحضر بعض ما قاله الشعراء في الغزل بحياء المرأة:
– يقول الشاعرجهاد جحا:
عطر الرجال شهامة ومروءة//أما النساء فعطرهنّ حياء
– يقول الشاعرد. وائل جحا في ديوان سحر البيان:
ان الفتاة حياؤها ميزان// فيه الانوثة تزدهي وتزان
لن أخلع الطهر الذي البسته//فانا العفيفة والحياء ردائي
– يقول مسلم بن الوليد:
اذا شكوت اليها الحب خفّرها //شكواي فاحمرّ خداها من الخجل
ان المبدع يتحول من جمال العينين وما يتصفان به من حياء في اطراقة ليُضيف لذلك جمال الحاجبين المقوسين لتكتمل اللوحة.
والحواجب المقوّسة تفضح بعض جوانب الشخصية فهي تشير الى شخص اجتماعي ومقبل على الحياة .
ويعود الى العيون السوداء ليتغزل بها وهو في ذلك لا يَشذّ عن أيّ رجل عربي
واكثر من ذلك فالمبدع معجب بالنمش على وجنتها وما يتخللها من رقوش
والرقوش هي لون بني لمن كان منقطا بسواد ونحوه والرجل ارقش
والمرأة رقشاء.
اما النمش فيظهر على البشرة على شكل بقع مسطحة غير بارزة وعادة ما يكون
لونه بني فاتح.
يعتبر بعض الاشخاص النمش من علامات الجمال عند المراة” فهو يضفي جاذبية
عند صاحبته خصوصا اذا كان موزعا فقط عند الانف وتفاحة الخدين”(2)
والنمش عامل طبيعي لجذب الرجل خصوصا اذا وجد بشكل خفيف في وجه المراة.
لقد شبه المبدع النمش في كثرته ولونه بقرى النمل في خدّها والرقوش تضيء وجنتها.
هذا الجمال من عينين سوداوين وحاجبين مقوّسين ونمش تتخلله رقوش …كل هذا الجمال يجعل المبدع ينخرط في الحديث معها وهي تستجيب له حين تلوذ بالصمت وهي التي وصفها بالحياء وحسن الانصات فهي تستمتع بحديثه كأن حديثه ليس بعده شيء(كان الكلام عماء) حتى انه شبه نفسه بالنبي سليمان.
في هذا الاطار وانطلاقا من الذخيرة النصية قد يتدخل القارئ لدعم تشبيه المبدع نفسه بالنبي سليمان وقد يستحضر قصته مع ملكة سبأ “بلقيس”وقد يعتبر حبيبة المبدع امراة حكيمة بانصاتها حكمة بلقيس التي فازت مع النبي سليمان بفوزين:
فوز اسلامها وقومها على يديه وفوزها بالزواج منه.
والقارئ قد يؤيد رأيه بالقول”في خمس وعشرين آية قرآنية كريمة حكت” سورة النمل”قصة نبي الله سليمان عليه السلام مع “الملكة بلقيس”ملكة سبا.
بدأت بدعوة النبي سليمان اياها-وشعبها-الى عبادة الله تعالى وحده والتوقف عن عبادة الشمس وانتهت باعلانها اسلامها لله رب العالمين وزواج سليمان عليه السلام منها”(3) .
لقد استخدم مبدعنا معجمية ذات مرجعية عربية اسلامية ( اطراقة/انصات/ مقوسة الحاجبين/ من كحلها لم تكحل نساء/ نمش على وجنتها/ قرى النمل/ كاني سليمان/ الكلام عماء..).
=== يتبع ===
=== يتبع ===
ان هذه المعجمية اللغوية المستخدمة تجعل المبدع متجذّرا في ثقافته العربية الاسلامية سواء في التغزل بعلامات الجمال عند المراة العربية اوفي اخلاقها او في تشبّهه بالنبي سليمان.
لعلّ المبدع قد جعل قصيدته وهي تتزامن مع عيد الاضحى مطبوعة بهذه المسحة الدينية التي تضفي على القصيدة هذا الخشوع وهذه القدسية في الحبّ.
انه نبي في حبّه وحديث النبي حديث صحيح فتسلّم الحبيبة بحديثه الذي ليس بعده شيء فيقول:
“أحدثها فتلوذ ,كأني سليمان عند مساكنها, وتصيخ كأن الكلام عماء”
ترى هل هذه القدسية في الحب ستشفع له عند أستاذنا المشاكس عمر دغرير؟
ترى هل سيتناغم المشاكس مع ابداع المبدع حمد حاجي؟
2- المشاكس عمر دغرير والجنون في الحبّ:
لئن أقرّ المشاكس ان العين والنمش والكحل هي من علامات جمال المرأة لكنه يستغرب من امكانية المبدع التغزل بها باعتباره قليل النظر.
والمشاكس هنا ركز عل حاسة البصر ليردّ على المبدع بضاعته لانه تغزل بجمال هذه المراة مستمتعا بحاسة البصرفيقول:
“وكيف شفتَ العين والنمش والكحل وعينك من زمن ينقصها الضياء.”
وفي هذا الاطار فان المشاكس يعتبر الابداع واقعيا من معيش المبدع او لا يكون
وقد يتدخل القارئ هنا ليذكر المشاكس والمشاكس يدرك ذلك تماما ان الابداع قد يكون من متخيل المبدع ومن ابداع الذات الشاعرة التي قد تختلف عن الشاعروقد تتمرّد على الواقع وعن معيش المبدع.
بيد ان المشاكس يواصل ويؤكد على ان المبدع غير قادر على التغزل بما لا يراه
فيقول: ولم يخطئ طبيبك حين قال:بدون نظارات أبدا لن
ترى ويلزمك,دواء
وهنا قد يتدخل القارئ مرة ثانية لاقناع المشاكس بان المبدع قادر على الابداع في الغزل وقد يضرب له مثل بشار بن برد الشاعر الاعمى والذي تغزل بالعيون التي في طرفها حور دون ان يراها وهو الاعمى وذلك حين ضمّن احدى قصائده بيتا لجريرالقائل: ان العيون التي في طرفها حور// قتلننا ثم لم يُحْيينا قتلانا
وكأني بالمشاكس مقتنع في قرارة نفسه بامكانية معارضة القارئ له ففكر في حجة أخرى تجعل المبدع غير قادر على التغزل بجمال المرأة فوصفه بالجنون
ليخرجه من طور النبوة في الحب وقدسيته ليكون فاقدا لعقله غير واع بما يقول
حين يقول المشاكس: ولكن عشقك للحسان أفقدك عقلك حتى صرت
مجنونا تخافه النساء
تجوب الشوارع كل يوم, وتنام على الرصيف حين
يصيبك الاعياء….
ان هذه الفجوة النصية التي تركها المشاكس(…) قد تثير فضول القارئ فيتدخل
ليمارس حقه في التأويل:
قد يعتبر القارئ ان المشاكس أخرج المبدع من طور النبوة في الحب(سليمان النبي) الى طور الجنون وفقدان العقل.
قد يعتبر القارئ ان الجنون في الحب لا يستقيم مع النبوة في الحب.وهنا قد يتعاطف القارئ مع المبدع ويدعم نبوّته في الحب فيستحضر الآية الكريمة (22) من سورة التكوير و التي ينفي فيها الله الجنون على النبي محمد(عليه الصلاة والسلام) بقوله تعالى:”وما صاحبكم بمجنون”.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة.
بتاريخ:16/06/2024
===قصيدة المبدع حمد حاجي===
وأجمل من عينها قطُّ لم تَرَ عيني، فإطراقة عند إنصاتها وحياءُ
كما لوحةٍ من مداد، مقوّسة الحاجبين وأروع من كحلها لم تُكَحّلْ نساءُ
لها نمشٌ عند وجنتها، كأنّ قرى النمل في خدها والرّقوش ضياءُ
أحدثها فتلوذ، كأنّي سليمان عند مساكنها، وتُصِيخُ كأنّ الكلامَ عماءُ
=== قصيدة المشاكس عمر دغرير===
وكيف شفتَ العينَ والنمش والكحلَ وعينكَ منْ زمن ينقصها الضياءُ
ولم يخطئ طبيبكَ حين قال بدون نظارات أبدا لن ترى, و يلزمكَ دواءُ
ولكنْ عشقكَ للحسان أفقدكَ عقلكَ حتى صرتَ مجنونا تخافه النساءُ
تجوب الشوارع كلّ يوم ,و تنام على الرصيف حين يصيبكَ الإعياءُ …
المراجع:
https://ar.quora.com>..(1)
ما الفرق بين الخجل والحياء؟وكيف اعرف نفسي اني خجول ام استحيي
https://www.lahamag.com>article(2)
لصحة بشرتك…تعملي الفرق بين الكلف والنمش-
https://aawsat.com>home>article(3)
زوجات الانبياء”بلقيس”..الملكة الحكيمة”(1) – الشرق الاوسط