باب العشق في البادية:
القصيد
أحبك يا حمد بن علي
ا=======
.
كأنه ما غلّب الوجد يوما عليها وشقّ حشاها سوى حَمَد بنُ عَلِي
رفيفََا..رفيفا تَرُجُّ أساورها، وتسير محل الصدارة في المَحْفَلِ
وتسمع رنّة خلخالها عند كاحلها مثلما رقرقة الماء في الجدول
وتلمحني فتحدّث رفقاتها عن فتى صوّب السهم فصابَها في مَقتَلِ
.
***
.
تساءلتُ عن حالها في غيابي فكَشْكَشَ ريقٌ أمرّ من قطرة الحنظَلِ…
ولو كنتُ أملك حكمَ السماء مزجته في عسل وتركت الكآبة والحزن لي
فقالت: ألم ترَ أن المشاتل الجبلية دوما تحن لحال منابتها الأُوَلِ
فقلتُ لها… احضنيني طويلا وغني معي: إنّما الحب للعاشق الأوَّلِ
.
*****
.
ويأسرني في صوتها بحّةٌ ورنين، شبيه بحصد السنابل بالمنجل…
وقلتُ لها: لم أشأ أن أسافر…أنت بقلبي وفي غمضة الأعين النُّجُلِ
فقالت: ألم تَرَ زهر القرنفل يُذبِلُهُ ظلمةُ الجُدُران وتركه في مَعْــزَلِ…
وعادت إلى باحة العرس ترقص بين رفيقاتها كالفراشة يا حمد بن علي…
.
ا=========
ا. حمد حاجي
÷÷÷÷÷
التعقيب :
إن مقول القول: “فقلتُ لها… احضنيني طويلا وغني معي: إنّما الحب للعاشق الأوَّلِ الواردة في قصيد: “أحبك يا حمد بن علي”
.تذكرنا ببيتي الشعر لابن تمام : ” نَقِّل فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِنَ الهَوى ما الحُبُّ إِلّا لِلحَبيبِ الأَوَّلِ كَم مَنزِلٍ في الأَرضِ يَألَفُهُ الفَتى وَحَنينُهُ أَبَداً لِأَوَّلِ مَنزِلِ” وكلاهما يعكس قوة اتقاد مشاعر المحب وشدة لهفته لاحتضان حبيبه، والانصهار به، وهذا ناجم عن عذرية المشاعر في تفتقها لنقاء التجربة الأولى فأول تجربة تكون عادة بطعم البراءة والعفة والصفاء، إذا كانت صادقة ومقترنة بالإخلاص ونية الوفاء، ذلك أن الإحساس بالذة الأولى لن يتكرر مهما قيل في الحب الأخير..
فالقصيدة من ألفها إلى يائها تكشف معجما لفظيا شعريا يعكس حنين البطل الشخصي الذي تبنى صوته الشاعر في القصيدة وقد اصطفى لنا مفردات وصورا شعرية تغلب عليها البلاغة والتشابيه التي تتلاءم مع روح بيئة النص كما توهم بالحالة السايكولوجية التي عليها العاشق، والتي تعكس الجو العام النفسي للشاعر وحنينه.. لتتعتق الألفاظ في معاني وصور شعرية تراعي المقام والمقال والتفضية في المكان والزمان في أبعاد بانورامية رومنسية تلتقط أدق تفاصيل الأصوات بدءا من البحة في صوت محبوبته.. وصوت الأساور حين تصطدم ببعضها البعض في معصمها أو على صدرها: “تَرُجُّ أساورها” محدثة ذبذبات يختلج لها قلب العاشق أما رنة الخلخال فقد زلزلت مشاعره.. فشبه حركتها بمشبه لصيق ببيئة العاشق والمعشوقة البدوية القريبة من الجبل والنهر والسهل وبمواسم الحصاد من ذلك قوله:
“وتسمع رنّة خلخالها عند كاحلها مثلما رقرقة الماء في الجدول” لفرط عذوبة تلقي رنينه،”ورنين، شبيه بحصد السنابل بالمنجل”
كما استدرج لنا عبق رائحة الزهور المحمولة في زهر القرنفل والفراشة من الحقول مشبها بها رقصها حينما عادت إلى المحفل وكأنها غير مكترثة بالحالة التي بات عليها معشوقها المتلظي بعشقها..
والحال أنه يعلم أنها في غيابه كانت تتجرع حنظلا لكثرة اشتياقها: ” تساءلتُ عن حالها في غيابي فكَشْكَشَ ريقٌ أمرّ من قطرة الحنظَلِ..”
إن هذه الصورة الشعرية بتفاصيلها الدقيقة مقترنة مع قوله : “ولو كنتُ أملك حكمَ السماء مزجته في عسل وتركت الكآبة والحزن لي” أفضى إلى تضاد أحدث إشراقة وامضة كالبرق بلورت الإيهام بحرفية ساهمت في التأثير على المتقبل للنص ليتذوق مرارة الحنظل وحلاوة العسل حتى يتوقف شعر جلده.. وليزيد في تأثيث الفضاء وتفعيل مصداقية مقول القول الذي يلعب دور الحوار غير المباشر المنقول من قبل الشاعر.. كما نراه لم يفته أن يؤطر حدود المكان بالسماء.. وهكذا تكتمل اللوحة الشعرية للبادية أو القرية في صورتها البكر .. في زمن سابق لم تطله يد العبث بالغزال المتمنع في دلال الذي يوقد المشاعر ويؤججها في اتساق نسق عشق يفرضه السياق الثقافي الاجتماعي. باث الروح والحياة..
فلم يغفل صاحب القصيدة حتى عن منابت المشاتل الجبلية ذات الخصوصية التي تشبه العروس التي تنتقل إلى بيت عريسها التي تظل تحن إلى بيت والدها.. كما تحن في سرها إلى حضن أول زوج مهما طال الزمان ومهما اختلفت معه ومهما كان سبب الفراق أو الطلاق ذلك أن (المتنقلة مذبالة) كما نقول بالعامية التونسية
“فقالت: ألم ترَ أن المشاتل الجبلية دوما تحن لحال منابتها الأُوَلِ ”
ملاحظة
إن القصيدة انفتحت على السرد الذاتي باعتبار أن الشاعر هو سارد مشارك تجسده تاء ضمير المخاطب المتصا قلت تساءلت في تجربة العشق ناقل بذلك لأنموذج عشق متخيل في البادية..
بقلم سهيلة حماد