في مثل هذا اليوم10 سبتمبر 1990م..
إيران توافق على استئناف العلاقات الدبلوماسية مع العراق بعد قطيعة استمرت نحو 11 سنة منذ بداية حرب الخليج الأولى في عام 1980.
تاريخ طويل من العلاقات بين العراق وإيران، مر بمحطات وتغيرات سياسية وعسكرية امتدت لمئات السنين، شهد فيها البلدان اندلاع أطول حروب القرن العشرين في المنطقة عام 1980 (دامت 8 سنوات)، وخلفت نحو مليون قتيل وخسائر مالية بلغت 400 مليار دولار.
تلك الحرب تسببت بانقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لأكثر من 10 أعوام، قبل أن تعود وتستأنف عام 1990.
ويصادف العاشر من سبتمبر/أيلول 2020 ذكرى مرور ٣٠ عاما على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، التي مرت بمحطات ومواقف عدة.
يقول المؤرخ إبراهيم خليل العلاف إن تاريخ العلاقات بين البلدين يعود إلى الفترة التي كان العراق فيها مقسما إلى ٣ ولايات تابعة للدولة العثمانية وتحديدا في الأعوام بين 1516 و1546.
ويضيف أن الخلافات تتعلق بجوانب سياسية وعقائدية، مشيرا إلى أن العلاقات في العهد الملكي (1921-1958) كانت جيدة، إذ كان البلدان عضوان ضمن ما كان يعرف بحلف بغداد الذي تأسس عام 1955، ولكن سرعان ما عاد التوتر بشأن الخلافات حول شط العرب (ملتقى دجلة والفرات شمال الخليج العربي) بعد إنشاء النظام الجمهوري في العراق في 14 يوليو/تموز 1958.
ويتابع أن ما زاد في توتر العلاقات انسحاب العراق من حلف بغداد في مارس/آذار 1959.
وبحسب العلاف، رحب العراق بالنظام الجديد في إيران بعد الثورة الإسلامية التي أسقطت نظام الشاه في11 فبراير/شباط 1979، وطلب من القيادة الجديدة أن تبين موقفها من معاهدة الجزائر الموقعة بين البلدين 1975 التي شكّلت الحدود بين العراق وإيران، لا سيما في منطقة شط العرب، ولكن لم يحصل على رد.
ويستطرد المؤرخ العراقي في حديثه أن المواقف توترت بعد وصول قيادات جديدة في البلدين (صدام حسين في العراق والخميني في إيران)، ووقوع سلسلة من الخلافات والأحداث التي تسببت باندلاع حرب مدمرة بين البلدين استمرت ٨ سنوات.
خلافات الحدود
يعد ملف الحدود العراقية الإيرانية واحدا من أبرز الملفات تعقيدا، ونقطة ارتكاز الصراع الذي كان يشهده العراق وإيران على امتداد التاريخ.
ويقول الخبير العسكري صبحي ناظم توفيق إنه لم تكن هناك خلافات حدودية بين العراق وإيران، حتى بعد منتصف العصر العباسي، مشيراً الى أن دول بلاد فارس (مثل السلاجقة والغزنوية والخوارزمية)، كانت بينها وبين الدولة العباسية في العراق مشاكل بسبب الحدود، حتى سقوط الدولة العباسية على يد المغول.
ويضيف توفيق أن الخلافات بين البلدين ظلت قائمة في تلك الأعوام، سواء كانت مشاكل ظاهرة أو باطنة، لافتا إلى أن الخلاف المذهبي لم يظهر حتى سيطرة الدولة الصفوية على العراق.
من جانبه يقول رئيس مركز صنع السياسات للدراسات الدولية والإستراتيجية حسام بوتاني إن الحدود بين البلدين لم ترسم عبر التاريخ بشكل طبيعي، بل كانت عبر حروب أو أساس توتر بين البلدين، لافتا إلى أن هذا السبب جعل ملف الحدود نقطة توتر ونزاع بين البلدين على مدار التاريخ.
ويضيف بوتاني في حديثه للجزيرة نت أن المحاولة الأولى التي شهدت ترسيم الحدود بين البلدين، هي اتفاقية “قصر شيرين” بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية عام 1636 التي رسمت حدود العراق الحديثة.
وبحسب بوتاني، فإن العراق اضطر عام 1975 إلى توقيع اتفاقية الجزائر لترسيم الحدود عند خط التالوك في شط العرب، مشيرا إلى أن الاتفاقية استمرت لحين وصول صدام حسين والخميني للحكم عام 1979، وحاول صدام انتهاز الفرصة بما يتعلق بالفوضى داخل إيران ليعلن إلغاءه تلك الاتفاقية، وعلى إثر ذلك قامت الحرب بين البلدين.
استئناف العلاقات
بعد انتهاء تلك الحرب المدمرة، استؤنفت العلاقات بين البلدين في العاشر من سبتمبر/أيلول سنة 1990، بعد وقت قصير من الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس/آب من ذلك العام.
ويرى العلاف أن الطرفين أدركا خطورة الحرب ونتائجها على الشعبين الجارين، بعد معرفة القيادتين بأن الأطراف الأجنبية والإقليمية أسهمت في تأجيجها واستفادت منها سياسيا واقتصاديا.
وبحسب العلاف، فإن فرض الحصار الاقتصادي على العراق بعد غزوه للكويت أدى الى إضعافه، ومن ثم غزوه واحتلاله عام 2003، كما أن الالتفات إلى إيران وحصارها من أجل إضعافها، معتبرا ذلك ضمن سياسة أميركية في ما يعرف بالاحتواء المزدوج للعراق وإيران.
ويؤكد المؤرخ العراقي أن العلاقة بين البلدين لم تكن كما يجب أن تكون، ولعل السبب في ذلك احتفاظ العراق بقوى معارضة للحكم في إيران، كما احتفظت إيران بقوى معارضة للحكم في العراق بقصد الاستخدام في الوقت المناسب والضغط السياسي.
وحول اجتياح العراق للكويت وموقف إيران منه، يرى الباحث العراقي المتخصص في السياسة الخارجية الإيرانية فراس إلياس أن الموقف الإيراني في تلك الفترة مر بمرحلتين أساسيتين.
وبين إلياس أن المرحلة الأولى هي منذ غزو الكويت وحتى 15 أغسطس/آب 1990، وتمثل بإدانة العراق وتأييد الحل العسكري ضده، مضيفا في حديثه للجزيرة نت أن المرحلة الثانية بدأت من منتصف أغسطس/آب 1990 وحتى نهاية الأزمة في فبراير/شباط 1991، ورأت أن الهدف من الوجود الأميركي في الخليج العربي هو استهداف الثورة الإسلامية في إيران.
وبحسب إلياس، فإن العراق سعى لاستمالة الموقف الإيراني، تحت فكرة العداء المشترك للولايات المتحدة، وذلك عبر رسالة وجهها الرئيس الراحل صدام حسين إلى الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني عام 1991، لكن طهران رفضت الاستجابة للدعوة.
من جانبه، يشير العلاف إلى أن اجتياح العراق للكويت في الثاني من أغسطس/آب سنة 1990 أربك الأوضاع في المنطقة، واستفادت بعض الدول الإقليمية والأجنبية في التعجيل بإضعاف العراق والتفكير فيما بعد بإضعاف إيران.
الباحث في الشأن السياسي احسان الشمري قال إن إيران كانت تعتقد أنها ستكون الهدف التالي لأميركا بعد إسقاط صدام حسين عام 2003 (الجزيرة)
الغزو الأميركي
وحول الغزو الأميركي للعراق عام 2003، فإن الموقف الإيراني كان رافضا بشكل كامل عملية إسقاط النظام في العراق، كما يقول رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور إحسان الشمري.
ويرى الشمري في حديثه للجزيرة نت أن العلاقات بين العراق وإيران تطورت بشكل كبير ولافت مع النظام السابق، خصوصا أن صدام حسين قدم تنازلات كثيرة للجانب الإيراني.
ويشير إلى أن إيران كانت تعتقد أن سقوط نظام صدام سيخلق فوضى على حدودها، وأنه سيجعل الولايات المتحدة بنقطة الاقتراب المباشر منها، بالإضافة إلى أنها كانت تعتقد أن ما بعد سقوط النظام في العراق سيكون توجها لإسقاط النظام السياسي في إيران.!!!!!!!