قراءة نقدية مزدوجة:
“القصيدة بين الملكة بلقيس والأيقونة سعدى”
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع/مشاكس/ناقدة)
المبدع حمد حاجي (تونس)
القصيدة: “تهنيك قائلة لك بشرى”
المشاكس عمر دغرير (تونس)
المشاكسة:”عصيدة سعدى تشدّك أكثر”
الناقدة: جليلة المازني (تونس)
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
الاطار الزماني المولد النبوي الشريف.
– التناص المعجمي.
-التهنئة بالمولد النبوي الشريف.
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي والملكة بلقيس سبأ:
اختار المبدع حمد حاجي عنوان قصيدته “تهنيك قائلة لك بشرى”..
مَنْ هذه المهنئة وأيّة بشرى تحملها؟ والى من تتوجه بالتهنئة والبشرى؟
استهل المبدع بتحديد الاطار الزماني وهو المولد النبوي الشريف وهي المناسبة
السعيدة التي نعيشها اليوم.
في هذه المناسبة السعيدة بدأ المبدع يتحدث باستخدام ضمير الغائبة المفردة عمّن
وصفها بأعلى من العلوّ وأسمى من السموّ وهي ذات منزلة من فؤاده كبيرة بل هي النور في نبضاته وهي الروح في جسده فيقول:
وبالمولد النبوي
علت فوق سقف العلا
وسمت بالسما كبرا…
وأنزلتها من فؤادي بمنزلة
لو تنزّلها البدر
لانشقّ وافتخر
هي النور في نبضاتي
هي الروح في جسدي
بعد ما طهرا..
ان المبدع قد فاق الشابي عندما وصف حبيبته بابنة النور حين قال:
يا ابنة النور إني أنا وحدي // من رأى فيك روعة المعبود
أما مبدعنا حمد حاجي فهو يرى أنّ التي أغدق عليها المدْح تتماهى مع النور وليست جزءا منه (هي النور في نبضاتي).
وأكثر من ذلك فهي حياته(هي الروح في جسدي)
ان المبدع استخدم ضمير الغائبة وتحدث عنها تعظيما لهذه الغائبة وتشويقا للقارئ الذي سينتظر ليعرف عمّن يمدحها المبدع بهذا السخاء وبهذا الاغداق في الوصف.
وها هو المبدع يفصح عمّن وصفها فوق الوصف فيقول:
وحبك يا بنت
لو أنّه هزّ
على جبل بالصبابة لاندكّ مُنحدرا
انه يبوح لنا بصاحبة العلو والسمو والنور والروح التي تمْنحُ جسده الحياة.
انها البنت التي جاءت لتهنئته بالمولد النبوي الشريف حاملة معها هدية عربون التهنئة بالمولد النبوي وهي “العصيدة”.يقول:
ووافت وكأس العصيدة في يدها
كالغمامة بتّ لها منتظرا
ويبدأ الحوار بينهما ليكشف لنا عن هوية هذه البنت وعن نوايا الطرفين( الحبيب والحبيبة) فيقول المبدع:
تقول:
وجئتك من سبإ بالزقوقو
وأنباء..تستوجب النظر..
يبدوان المبدع قد اقتبس قصيدته من قصة ملكة سبإ بلقيس وعلاقتها بالنبي سليمان الواردة بالقرآن وبذلك تتناص قصة المبدع مع حبيبته القادمة عليه مهنئة وتحمل هدية(الزقوقو) و”انباء ..تستوجب النظر”مع قصة سليمان مع ملكة سبإ بلقيس.
– فيم تتمثل قصة بلقيس ملكة سبإ؟
في هذا الاطار قد يتدخل القارئ ليستحضر ما يتعلق بقصة بلقيس ملكة سبإ مع النبيّ سليمان:
“وكانت الملكة بلقيس حكيمة ولها عقل راجح فقالت, إن الملوك يحبون الهدايا فان قبلها فهو يريد مالا وإن لم يقبلها فهو نبيّ حقا ولكن النبي سليمان لم يقبل هداياها
وردّها وهو يُخبر رسول الملكة بأن الله قد أتاه مُلْكا عظيما ونبوّة وأن لديه ما هو أفضل من هداياهم وأمرهم بأن يأتوا اليه مسلمين…”(1)
انطلاقا مما استحضره القارئ من علاقة الملكة بلقيس مع النبي سليمان فان القارئ بفضوله المعهود قد يتساءل:
– هل أن المبدع يعتبر حبيبته في مقام الملكة بلقيس؟
– هل ان المبدع يضع نفسه في مقام النبي سليمان؟
يقول المبدع:
ووافت وكأس العصيدة في يدها
كالغمامة بت لها منتظرا
تقول:
وجئتك من سبإ بالزقوقو
وأنباء…تستوجب النظر
قد يعتبر القارئ هنا من خلال تلك الفجوات النصية ان الحبيبة جاءت بهدية للمبدع وبأنباء أخرى تستوجب النظر.
فهل قبل المبدع هديتها أم رفضها كما رفض النبي سليمان هدية بلقيس؟
وماهي الانباء الأخرى التي تستوجب النظر؟
– إن المبدع قبل هديتها وهي عصيدة الزقوقو لان الحبيبة بذكائها اختارت مناسبة مباركة وهو المولد النبوي الشريف لتضفي على هديتها البركة فيقول:
وعالجتها وغرفت
بكلتا يدي العصيدة
يا ما ألذّ الفواكه والثمر..
– ثمّ هي شوّقته بأنباء أخرى وهو بوْحها له بحبها الذي استبشر به فكانت بشرى له كان ينتظرها تماما كما انتظر النبي سليمان من الملكة بلقيس بشرى اعلان اسلامها وشعبها على يديه وانتهىت علاقته بالزواج منها.
يقول المبدع :أجابت : أحبك جدا..
ونار الحرائق في جأشها التهمت قمرا.
ان المبدع قد دعم المنزلة العالية للحبيبة والتي هي في مقام الملكة بلقيس بمعجمية في خدمة هذه المنزلة الراقية:علت فوق سقف العلا/ سمت بالسما كبرا/ بمنزلة لو تنزّلها البدر لا نشق وافتخر/ هي النور في نبضاتي/ هي الروح في جسدي وحبك..لو انه هزّ على جبل بالصبابة لاندك منحدرا/ حذاي ملاكا/ وما خلق الله في مثلها بشرا..
ان كل هذه الملامح الاستثنائية في الحبيبة خَلقا وخُلقا ووجاهة تماما كالملكة بلقيس جعلت المبدع يعتز بقدومها اليه وفي ذلك اعتزاز بنفسه لانها وضعته في مقام النبي سليمان لذلك كان يودّ لو يمدّد في عمر اللقاء كي يستمتع معها أكثرلكنه لن يستطيع لان الزمان ليس ملكا له فيقول:
وددت أضيف لعمر اللقاء
دقائق أشبع منها..
فيا ليت لي عمرا.
في هذا الاطار ما رأي المشاكس عمر دغرير في المبدع و حبيبته الملكة؟
2- المشاكس عمر دغرير وسعدى:
أسند المشاكس عمر دغرير عنوانا لمشاكسته “عصيدة سعدى تشدّك أكثر”
ومنذ عتبة العنوان يُعلن المشاكس أفضلية عصيدة سعدى على عصيدة حبيبة المبدع التي جاءته بها كهدية من سبإ.
استهل المشاكس قصيدته بنبرة لا تخلو من لوم المبدع على عودته المتأخرة لسعاد التي لم تكن تنتظره وذلك طبعا لطول غيابه فيقول:
أخيرا عُدت
وعاد لك الرشاد
فتذكرت سعاد التي ما كانت لك منتظرة..
لقد ربط المشاكس عودة المبدع لسعدى بعودة الرشاد له بما في ذلك من ذلّ لان المشاكس قد سما بسعدى وارتقى بها وجعلها فاعلة تترفع عن سلوك المرأة التقليدية التي ترى قدرها في انتظار حبيببها مهما طال غيابه.
ان المشاكس أكسب سعدى عزة نفس الى حد أنها ما كانت تُهنئه بالمولد النبوي لانها انقطعت عنها أخباره على عكس حبيبة المبدع الملكة التي تكبدت عناء السفر قادمة من سبإ حاملة له هدية(العصيدة) وبشرى ( البوح بحبها له) وقد استبشر بكل شيء معها. يقول المشاكس :
وما كانت تهنيك
بالمولد النبوي
ان لم يصل منك لها خبرا..
ويواصل المشاكس بنبرة اللوم للمبدع عن طول غيابه حدّ تغير كل شيء في الدشرة وتغيره نحو الأسوأ فيقول:
وبالكاد تذكّرتها بعد غياب
فكل شيء تغير في الدشرة
الشوارع والبيوت تحسّنت
الا أنت , نحو الأسوإ,كل شيء فيك تغيّر..
والمشاكس يعمد الى مقابلة معنوية(تحسّنت /الأسوإ) ليبرز مدى بشاعة ما آلت اليه حالة المبدع أثناء غيابه.
ولعل المقابلة بين القصيدتين واردة أيضا فحضور المبدع مع الحبيبة الملكة يقابله غيابه مع سعاد.
ولعل هذا ما جعل المشاكس يتحامل على المبدع الذي أهدر وقته في ملاحقة راقصة بالمدينة والتي تربطها به مصالح وغايات فيقول:
وعُدتَ بعد سنوات
قضيتها في المدينة
تلهث خلف راقصة كنت تخالها قمرا
في الظاهر امرأة حسناء
وفي الباطن سُمّها يقطر قطرا..
ولعل القارئ هنا قد يقف على مقابلة أخرى بين القصيدتين :
فلئن ربطت المبدع بحبيبته علاقة حبّ(فقلت لها :تملكين فؤادي وقلبي..)
فان المشاكس قد نفى علاقة الحب وجعلها علاقة مصالح وتجارة بالحب فيقول:
وبعد أن سلبت ما سلبت
وامتصتك مثل اسفنجة
حتى أنك لم تعد بشرا…
رمت بك في الشارع
كما ترمى الفواضل في سلة المهملات
وخلفك باب غرفتها تسكر..
هنا لا يخفي عنا المشاكس سُخريته من المبدع الذي فقد كل معاني البشر مع هذه الراقصة الي امتصت منه كل مصالحها المادية ورمته كالفواضل.
في هذا الاطار قد يتدخل القارئ وقد يعتبر أن المشاكس يثير قضية كبيرة في علاقة المرأة بالرجل:
– هل هي علاقة حب أم علاقة مصالح وتجارة بالحب؟
قد يستحضر القارئ هنا ما قاله الباحث جاسم العطاوي بمجلة الأيام:
“كل شيء في حياتنا يُوجد منه نوعان…كذلك الحبّ مثل بقية الاشياء في حياتنا
يوجد منه نوعان أصلي وتجاري..الحب الأصلي يعيش والحب التجاري لا يعيش
العطر الاصلي تبقى رائحته دائما والعطر التجاري تذهب وتزول رائحته”( 2)
وانطلاقا من هذه الذخيرة النصية التي استحضرها القارئ يمكن أن نقف على مقابلة معنوية أخرى بين الابداع والمشاكسة:
– فقد يعتبر المبدع في قصيدته انه فاز بالحب الحقيقي الذي جعل الحبيبة الملكة تجيء اليه متحملة عناء السفر وحاملة له هدية وبشرى منزلة اياه منزلة النبي سليمان .
– وقد يعتبر المشاكس ان حب الراقصة للمبدع كان حبّا تجاريا تحكمه مصالح مادية وحين غابت هذه المصالح غاب الحب.
وبالتالي فالحب الحقيقي هو حبّ بلا سبب حتى لا يغيب بغياب سببه على حد قول ابن حزم الاندلسي في كتابه” طوق الحمامة”الذي تناول فيه أصول الحب وتحدث في أغراض الحب: المحمود منها والمذموم .
وفي هذا الاطار لعل المشاكس الذي يُسرّ الوجع بسبب ما آلت اليه حالة المبدع النفسية أراد أنْ ينتشله من هذا الحب التجاري ليعيده الى الحب الحقيقي مع أيقونة الحب المعتّق سعاد فانتهز مناسبة المولد النبوي الشريف ليجعله يعود متعللا بالحنين والشوق لعصيدة سعاد المشهود لها بكامل الدشرة طعما ورائحة.
بيد أن عودته كانت شوقا لسعاد أيقونة الحب الحقيقي . فيقول المشاكس:
واليوم عُدت في شوق الى العصيدة
وشوقك لسعاد
ما يشدّك في الحقيقة أكثر…
وهنا قد نعتبر أن كُلاّ من المشاكس والمبدع يتقاطعان في مفهوم الحب الحقيقي
سواء كان مع الحبيبة الملكة مع المبدع أو مع الأيقونة سعاد مع المشاكس.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة حبّا حقيقيا مع الحبيبة الملكة أو مع الأيقونة سعاد.
بتاريخ 18/ 09/ 2024
المراجع:
https://www.youm7.com>story>..(1)
للاطفال..”قصة سليمان” ماذا فعلت الملكة بلقيس لتتأكد انه نبي الله؟- اليوم السابع
https://www.alayam.om>index(2)
الحب الاصلي …والحب التجاري
“تهنيك قائلة لك بشرى”( المبدع حمد حاجي)
وبالمولد النبويّ
علت فوق سقف العلا
وسمت بالسما كِبَرَا..
*******************************
وأنزلتُها من فؤادي بمنزلةٍ
لو تَنَزّلَها البدرُ
لانشق وافتخرا
********************************
هي النور في نبضاتي
هي الروح في جسدي
بَعد ما طهُرا…
*****************************
وحبك يا بنتُ
لَوَ أنَّهُ هُزَّ
على جبل بالصبابة لانْدَكَّ منحدرا
*******************************************
ووافت وكأسُ العصيدة في يدها
كالغمامة
بتُّ لها منتظرا
******************************
تقول:
وجئتك من سبإ بالزقوقو
وأنباءَ… تستَوجبُ النَظَرَ…
*******************************
فقلتُ لها:
تَمْلِكين فؤادي وقلبي
ووحدي أحطتُ بسرهما خُبَرَا..
*********************************
أجابت:
أحبك جدا…
ونار الحرائق في جأشها التهمت قَمَرا
***************************************
وعالجتها وغرفتُ
بكلتا يديّ العصيدة
يا ما ألذّ الفواكه والثمرَ…
***********************************
وخافت
أوسخ يافطتي وقميصي
فمالت تلقمني بأناملها الحذرَ
******************************
وما كنت أدري
بأن حذاي ملاكا
وما خلق الله في مثلها بشرا…
***********************************
وددتُ أضيف لعمر اللقاء
دقائق أشبع منها…
فيا ليت لي
ع
م
را
(أ. حمد حاجي )
“”””””””””””””””””””””””””””””””””””””
(المشاكس عمر دغرير)”عصيدة سعدى تشدكَ أكثر”
أخيرا عدت
وعاد لك الرشاد
فتذكرت سعاد التي ما كانتْ لكَ منتظرةْ…
“”””””””””””””””””””””””””””””””””
و ما كانتْ تهنيك
بالمولد النبوي
إنْ لم يصلْ منكَ لها خبرا …
“””””””””””””””””””””””””
وبالكاد تذكرتها بعد غياب
وتذكرت الأهل والأصحاب
والزريبة والأغنام والشجرَ …
“””””””””””””””””””””””””””
فكلّ شيء تغير في الدشرة ,
الشوارع والبيوت تحسنت
إلا أنت ,نحو الأسوإ ,كلّ شيء فيك تغيرَ …
“”””””””””””””””””””””””””””””””
وعدتَ بعد سنوات
قضيتها في المدينة
تلهث خلف راقصة كنتَ تخالها قمرا
“”””””””””””””””””””””
لكنها كانت حيّة تسعى,
في الظاهر إمرأة حسناء ,
وفي الباطن سمّها يقطرُ قطرا …
“””””””””””””””””””””””””””””
وبعد أنْ سلبتْ ما سلبتْ,
وامتصتكَ مثل اسفنجة ,
حتى أنكَ لمْ تعد بشرا …
“”””””””””””””””””””””
رمتْ بكَ في الشارع ,
كما ترمى الفواضل في سلة المهملات ,
وخلفكَ بابُ غرفتها تسَكّر …
“”””””””””””””””””””””””””””””””
ومن بعيد شممت رائحة العصيدة بالتمر
وقد تسللت من صحفة خزف
تخشى ,وأنت لم تصل بعد, أن تتـكسرَ…
“””””””””””””””””””””””””””
صحاف العصيدة
التي أعدتها سعدى
فاح عطرها في كامل الحي وانتشر…
“”””””””””””””””””””””””””
ولم يبق أحد في الدشرة
لم يغرف من عصيدتها
إلاكَ , وقد أضعتَ من العمر عمرا …
“”””””””””””””””””””””””
واليوم عدت ,في شوق إلى العصيدة
و شوقك لسعاد
ما يشدكَ في الحقيقة أكثرَ …