قراءة نقدية مزدوجة:
” القصيدة بين عزّة الموت وشرف الحياة ”
الشاعر حمد حاجي (تونس).
القصيدة: “السابع من أكتوبر”
المشاكس: عمر دغرير (تونس)
القصيدة :” كل العمر 7 أكتوبر”
الناقدة: جليلة المازني(تونس)
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
– العنوان.
– اللازمة والترديدة في مطلع كل مقطع.
– التناص المعجمي.
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي وعزّة الموت:
من خلال العنوان “السابع من أكتوبر ” يحرّك فينا الشاعر حمد حاجي شعورين:
– شعور بالنخوة لذكرى طوفان الأقصى والمقاومة ضد العدوان الصهيوني ومن لفّ لفّه.
– شعور بالمرارة للمعيش الأليم الذي شهدت فيه فلسطين رغم استبسال أبنائها الابادة الجماعية بقطاع غزّة .
وهل أكثر من الغصة في الحلق بسبب الاغتيالات السياسية لبعض القادة العرب الأحرار؟
وفي هذا الاطار من المفارقة يعود بنا الشاعر في قصيدة حماسية يشحذ فيها الهمم
وقد استخدم فيها لازمة يردّدها في مطلع كل مقطع من القصيدة فيقول:
“وأولى تموت وقوفا..”
انها ترديدة تحرّك غيْرَةَ كل فلسطيني وكل عربي أبيّ للدفاع عن عزّته وكرامته وسيادته.
والشاعر باستخدام اسم التفضيل(أولى) فهو يفاضل بين أمرين:
الموت في عزة أوالحياة في ذل والشاعر بهذه القصيدة الحماسية يرحّب بالموت في عزّة وكأني به يحوّل اسم التفضيل “أولى” إلى اسم التفضيل المطلق” الأولى” والشاعر يتوجه بخطابه الحماسي الى المخاطب المفرد(أولى تموت..) وكأني به يتوجه الى كل فلسطيني غيور على القضية الفلسطينية.
ثمّ يستخدم ضمير المتكلم الجمع(نحن) ليتكلم باسم كل الفلسطينيين وقد حمّلهم كعرب مسؤولية الذوْد عن فلسطين فيقول:
وأولى تموت وقوفا تشحط بين الرماح
سنمضي فرادى ومثنى وجمعا..
لعمرك ليس لنا مستقرّ, ففي كل يوم رحيل…
ويعود في كل مقطع الى التذكير بأولوية الشهادة بكرامة بين “أزيز الرصاص” و” بين البنادق ” و”بين القنابل” وقد جسّد هذه المشهدية الحربية بامتياز بتلك اللوحة المصاحبة (رميا بالرصاص) للرسام الاسباني فرانثيسكو غويا.
إن الشاعر يبعث في المخاطب الفلسطيني حماس النضال الذي فيه المسير يطول فيضرب مثل البيت والباب والقفل على صدإ والمفتاح الذي ضاع وليس له من حل الا المقاومة والنضال والسير الى الأمام دون الرجوع الى الوراء فيقول:
كأنك أوصدت بابا وبيتا
وخلفك قفل على صدإ..ضاع مفتاحه والمسير يطول.
وأكثر من ذلك فالشاعر يفارق بين الموت والحياة ليجعل الموت بالشهادة
يستبشر بها الكلّ ويجعلها الأوْلَى فيقول:
وأولى تموت وقوفا تشحط بين البنادق طولا وعرضا..
اذا ما أتى ملك الموت يا ابن الحياة
فكل يلبّي اذا جاءه ذاك البهي الرسول..
ويختم المبدع مُندّدا بالخيانات العربية وبجُبْن الحكام العرب الذين توزّعُوا بين مُتخاذل ومُتواطئ ومُطبّع مع العدو الصهيوني. فيقول الشاعر وبنبرة ساخرة ومتهكمة وهو يُسرّ الوجع :
وأولى بك تموت وقوفا تشحط بين القنابل حرا
وتكره كل الخيانات..
وأولى تموت وقوفا تشحط بين الفصول على أن تموت كأنك
عجل طريح خمول.
إن هذه القصيدة الحماسية للشاعر حمد حاجي تتناصّ مع قصيدة شاعر الحماسة المتنبي حين يقول:
عشْ عزيزا أو مُت وأنت كريم// بين طعن القنا وخفق البنود
فرؤوس الرماح أذهب للغيظ // وأشفى لغلّ صدر الحقود
واطلب العزّ في لظى ودَع // الذلّ ولو في جنان الخلود.
وفي هذا الاطار هل أن المشاكس سيتناغم مع المبدع في الحث على الموت الكريم والدعوة الى الشهادة في عزّة أم له رأي آخر؟؟؟
==== يتبع ====
==== يتبع ====
2- المشاكس عمر دغرير وشرف الحياة:
اختار المشاكس عمر دغريرعنوان قصيدته “كل العمر7أكتوبر وقد أضاف مفعولا فيه للزمان لعنوان المبدع وكأني بالمشاكس يريد إحْياء ذكرى السابع من أكتوبر على الدوام فخرا بطوفان الأقصى واعتزازا بالمقاومة الفلسطينية.
وفي هذا الاطار يَبْني المشاكس مشاكسته على مفارقة جميلة مع قصيدة المبدع.
انها مفارقة قائمة على مقابلة لفظية (أولى تموت واقفا../أولى تعيش وتحيا عزيزا).
لئن استخدم المبدع اللازمة الشعرية في كل مقطع قائمة على أولوية الموت في عزة فقد استخدم المشاكس اللازمة الشعرية قائمة على أولوية الحياة في عزة
والقاسم المشترك بينهما العزّة ولكن فضل المشاكس يدعو الى عزة الحياة المشحونة بالتفاؤل على عكس المبدع الذي يعتبر الأولوية للشهادة التي هي عزّة الفلسطيني.
ولعل المبدع تحضره في ذهنه أن الشهادة هي حياة أخرى ايمانا منه بالآية الكريمة 169 من سورة آل عمران(ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون).
وقصيدة المبدع وقصيدة المشاكس تتناصّان معا مع صدْر لبيْت شعري للمتنبي:
“عش عزيزا أو متْ وأنت كريم”
ان المشاكس يعمد الى شحن النفس الفلسطينية بشحنة من التفاؤل وحب الحياة
لكي يناضل رغم الخيانات و الدماء .
وكأني بالمشاكس يريد طمأنة هذا المناضل الفلسطيني بأنها مرحلة عابرة لن تدوم
فيقسم له بان أوجاعه ستزول فيقول:
وأولى تعيش وتحيا عزيزا مع الأوفياء
رغم عمق الخيانات ,ورغم الدماء
أوجاعك قسما ستزول..
إن المشاكس يحثه على الشجاعة للنضال وتجنب الجبناء الذين يعطلون نضاله وكفاحه اليومي فيقول:
وأولى تعيش وتحيا بعيدا عن الجبناء
وسط الدمار وما بقي سالما من الاعتداء
على وطن له أهله والأصول..
ويواصل المشاكس اغراء الفلسطيني بما سيجنيه من نضاله من حرّية ومن نصر على الغزاة بالكلمات التي تفكّ القيود وتبني العقول لتوعيتها فيقول:
وأولى تعيش وتحيا قريبا من الفقراء
تساهم في طرد الغزاة بالكلمات.
وبالكلمات تُفك وتُبنى العقول..
وفي هذا الاطار لئن كان المبدع يحثّ الفلسطيني على النضال بقوّة السلاح من رصاص وبنادق وقنابل فالمشاكس يحثّ الفلسطيني على النضال بسلطة الابداع الذي يشحذ العزائم ويحرّك الهمم.
وبالتالي فحماس المبدع والمشاكس متكامل والحث على النضال مزدوج بين قوّة السلاح وسلطة الكلمة.
ويختم المشاكس بقفلة مدهشة يقابل فيها بين الحياة والموت :
بين حياة شريفة أو موت مرحّب به.
وأولى تعيش وتحيا شريفا مع الشرفاء
وان فاجأتك المنية يوما .
فلن تتحسر فلم يبق لك ما تقول …
وخلاصة القول لئن حث المبدع الفلسطيني الى أولوية الشهادة في عزة ,وأحقّيتها بالنضال بقوة السلاح فقد حثّ المشاكس على أولوية الحياة في عزة وأحقيتها بالنضال بسلطة الكلمة والابداع وهو بذلك يحث على دور المبدعين في المساهمة في النضال .
وفي هذا الاطار يتقاسم المبدع والمشاكس العزّة في الحياة أوفي الموت ويتكاملان
في النضال بين قوّة السلاح وسلطة الكلمة(الابداع).
سلم القلمان إبداعا ومشاكسة موتا في عزّة أو حياة في عزّة تكاملا وازدواجا قوة سلاح مع سلطة الكلمة.
بتاريخ 04/10/2024
“السابع من أكتوبر”( المبدع حمد حاجي) القصيدتان:
وأولى تموت وقوفا تَشَحَّطُ بين الرماح
سنمضي فُرادَى ومثنى وجمعاً…
لَعَمرُكَ ليسَ لنا مستقر، ففي كلّ يومٍ رحيلُ..
******************************************
وأولى تموت وقوفا تَشَحَّطُ بين أزيز الرصاص
أما قد رأيت جسورا وجنات عدن مُهدَّمَةً وقصورا
وأن البقاء إلى أبدٍ مُستحيلُ ..
***************************************
وأولى تموت وقوفا تَشَحَّطُ بين القنابل حرّا..
كأنك أوصدتَ بابا وبيتا
وخلفك قُفلٌ على صدإ… ضاعَ مِفتاحُهُ وَالمسير طَويلُ
*******************************************
وأولى تموت وقوفا تَشَحَّطُ بين البنادق طولا وعرضا..
إذا ما أتى ملك الموت يا ابن الحياة
فكل يُلَبّي إذا جاءَهُ ذاكَ البهيّ الرَّسولُ..
******************************************
وأولى تموت وقوفا تَشَحَّطُ بين القنابل حرا
وتكره كل الخيانات…
وأولى تموت وقوفا تَشَحَّطُ بين الفصول على أن تموت كأنّك عجلٌ طريحٌ خمولُ.
( أ. حمد حاجي )
“”””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
(المشاكس عمر دغرير)”كل العمر 7 أكتوبر”
وأولى تعيش وتحيا عزيزا مع الأوفياء,
رغم عمق الخيانات , ورغم الدماء ,
أوجاعك قسما ستزولُ …
“””””””””””””””””””””””””
وأولى تعيش وتحيا بعيدا عن الجبناء
وسْط الدمار وما بقي سالما من الإعتداء
على وطن له أهله و الأصولُ …
“”””””””””””””””””””””””””””
وأولى تعيش وتحيا طليقا في أرض الوفاء,
وحرا كما النسر المحلق في السماء
وفي شوارع البلد تصول وتجولُ …
“””””””””””””””””””””””””””””””
وأولى تعيش وتحيا قريبا من الفقراء
تساهم في طرد الغزاة بالكلمات
وبالكلمات تُفكّ القيودُ وتُبنى العقولُ …
“”””””””””””””””””””””””””””””””””
وأولى تعيش وتحيا شريفا مع الشرفاء ,
وإن فاجأتكَ المنية يوما ,
فلنْ تتحسرَ أبدا, ولمْ يبق لكَ ما تقولُ…