مختارات ..
=-=-=-=-=-=
الحجاج بن يوسف الثقفي
(سفّاح بني أمية)
د.علي أحمد جديد
هو أبو محمد كليب الحجاج بن يوسف الثقفي (40 – 95 هـ = 660 – 714 م) .
قائد في العهد الأموي ، وُلِدَ ونَشأَ في الطائف ، وانتقل إلى الشام والتحق بشرطة (روح بن زنباع) نائب الخليفة الأموي (عبد الملك بن مروان) وكان في عديد شرطته . وما زال يظهر بذكائه في المواقف حتى قَلَّدَه (عبد الملك بن مروان) أمر عسكره .
أمره عبد الملك بقِتالِ (عبد الله بن الزبير) ، فزحف إلى الحجاز بجيشٍ كبيرٍ وقتل عبد الله وفرَّق جموعه ، فولاَّه عبدُ الملك (مكة والمدينة والطائف) ، ثم أضاف إليها (العراق) والثورة قائمة فيه ، فانصرف إلى (الكوفة) في ثمانية أو تسعة رجال على النجائب . فقمع الثورة وثبتت له الإمارة عشرين سنة .
بنى مدينة (واسط) ومات فيها، وأجري على قبره الماء، فاندرس . وكان سَفَّاكاً سَفَّاحاً مُرْعِباً باتِّفاقِ مُعْظَمِ المُؤَرِّخِين . وعُرف بـصفة المبير أي المُبيد .
وقد ذكر (الإمام الذهبي) ذلك في السير 4/343 بقوله :
“أهلكه الله في رمضان سنة خمس وتسعين كهلاً ، وكان ظلوماً جباراً ناصبياً خبيثاً سافكاً للدماء . وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء وفصاحة وبلاغة وتعظيم للقرآن ، قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير ، وحصاره لابن الزبير بالكعبة ورميه إياها بالمنجنيق وإذلاله لأهل الحرمين ، ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة ، وحروب ابن الأشعث له وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله ، فنسبُّه ولا نحبه بل نبغضه في الله فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان . وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه وأمره إلى الله ، وله توحيد في الجملة ، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء” .
وقد ذكرت تلك الواقعة أيضا في (البداية والنهاية) في الجزء الثامن .
قال الواقدي :
“حدثني مصعب بن نائب عن نافع مولى بني أسد – وكان عالما بفتنة ابن الزبير
قال : حصر ابن الزبير ليلة هلال الحجة سنة اثنتين وسبعين وقتل لسبع عشر ليلة خلت من جمادى الأول سنة ثلاث وسبعين ، فكان حصر الحجاج له خمسة أشهر وسبع عشرة ليلة .
وقد ذكرنا فيما تقدم أن الحجاج حج بالناس في هذه السنة الخارجة ، وكان في الحج ابن عمر ، وقد كتب عبد الملك إلى الحجاج أن يأتم بابن عمر في المناسك كما ثبت ذلك في الصحيحين .
فلما استهلت هذه السنة استهلت وأهل الشام محاصرون أهل مكة ، وقد نصب الحجاج المنجنيق على مكة ليحصر أهلها حتى يخرجوا إلى الأمان والطاعة لعبد الملك .
وكان مع الحجاج الحبشة ، فجعلوا يرمون بالمنجنيق فقتلوا خلقاً كثيراً ، وكان معه خمسة مجانيق فألح عليها بالرمي من كل مكان ، وحبس عنهم الميرة والماء ، فكانوا يشربون من ماء زمزم ، وجعلت الحجارة تقع في الكعبة ، والحجاج يصيح بأصحابه : “يا أهل الشام الله الله في الطاعة” .
أعلن الحجاج الأمان لمن سلم من أصحاب ابن الزبير ، وأمنه هو نفسه ، غير أن عبد الله بن الزبير لم يقبل أمان الحجاج ، وقاتل رغم تفرق أصحابه عنه الذين طمعوا في أمان الحجاج فقُتِل .
وكان لابن الزبير اثنتان وسبعون سنة ، وولايته تنوف عن ثماني سنين ، وللحجاج اثنتان وثلاثون سنة” .
ولما قتل الحجاج ابن الزبير ، صلبه وأرسل إلى أمه “أسماء بنت أبي بكر” أن تأتيه ، فأبت .
فأرسل إليها لتَأتين أو لأبعثن من يسحبك بقرونك ، فأرسلت إليه : والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني . فلما رأى ذلك أتى إليها وقال :
كيف رأيتني صنعت بعبد الله؟
قالت : أقول ماقالته زينب بنت علي بن أبي طالب ليزيد – رأيتك أفسدت عليه دنياه ، وأفسد عليك آخرتك – وقد بلغني أنك كنت تعيّره بابن ذات النطاقين ، فقد كان لي نطاق أغطي به طعام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من النمل ونطاق لا بد للنساء منه .
فانصرف ولم يراجعها . وقيل دخل الحجاج عليها فقال :
إن ابنك ألحد في هذا البيت ، وإن الله أذاقه من عذاب أليم .
قالت :
كذبت ، كان بَرّاً بوالديه ، صوّاماً قوّاماً ، ولكن قد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه سيخرج من ثقيف كذابان ، الآخِر منهما شرٌّ من الأول ، وهو مبير .
– وهذا درس في الصدع بقول الحق أمام الجبابرة ، لا يقدر عليه إلا من أوتي قوة ، وشجاعة دين .. وتوكل – .
بعد أن انتصر الحجاج في حربه على ابن الزبير ، أقره عبد الملك بن مروان على ولاية مكة وأهل مكة . وكان وإياهم وأهل المدينة على خلاف كبير ، وفي 75 هـ قدم عبد الملك بن مروان المدينة ، وخطب على منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فعزل الحجاج عن الحجاز لكثرة الشكايات فيه ، وأقره على العراق .
.
كان الحجاج بن يوسف الثقفي معروفاً بالظلم وسفك الدماء وانتقاص السلف وتعدي حرمات الله بأدنى شبهة ، وقد أطبق أهل العلم بالتاريخ والسير على أنه كان من أشد الناس ظلماً ، وأسرعهم للدم الحرام سفكاً ، ولم يحفظ حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أصحابه ، ولا وصيته في أهل العلم والفضل والصلاح من أتباع أصحابه . وكان ناصبياً بغيضا يكره علي بن أبي طالب رضي الله عنه وآل بيته .
قال عنه ابن كثير :
“كان ناصبياً يبغض علياً وشيعته في هوى آل مروان بني أمية ، وكان جباراً عنيداً ، مقداماً على سفك الدماء بأدنى شبهة .
وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر ، فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها ، وإلا فهو باق في عهدتها ، ولكن قد يخشى أنها رويت عنه بنوع من زيادة عليه ، فإن الكثيرين كانوا يبغضونه جداً لوجوه ، وربما حرّفوا عليه بعض الكلم ، وزادوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات” .
وكان الحجاج قد نشأ شاباً لبيباً فصيحاً بليغاً حافظاً للقرآن .
وقال بعض السلف :
كان الحجاج يقرأ القرآن كل ليلة .
وقال أبو عمرو بن العلاء : “ما رأيت أفصح منه ومن الحسن البصري ، وكان الحسن أفصح منه” .
وقال عقبة بن عمرو :
“ما رأيت عقول الناس إلا قريباً بعضها من بعض ، إلا الحجاج وإياس بن معاوية ، فإن عقولهما كانت ترجح على عقول الناس” .
وقال ابن كثير :
“وقد روينا عنه أنه كان يتدين بترك المسكر ، وكان يكثر تلاوة القرآن ، ويتجنب المحارم ، ولم يشتهر عنه شيء من التلطخ بالفُروج ، وإن كان متسرعاً في سفك الدماء ، فالله تعالى أعلم بالصواب وحقائق الأمور وساترها ، وخفيات الصدور وضمائرها .
وأعظم ما نقم عليه وصح من أفعاله سفك الدماء ، وكفى به عقوبة عند الله عز وجل ، وقد كان حريصاً على الجهاد وفتح البلاد ، وكان فيه سماحة بإعطاء المال لأهل القرآن ، فكان يعطي على القرآن كثيراً ، ولما مات لم يترك فيما قيل إلا ثلاثمائة درهم”
وقال أيضاً :
“وكانت فيه شهامة عظيمة ، وفي سيفه رهق ، وكان كثيرَ قتل النفوس التي حرمها الله بأدنى شبهة ، وكان يغضب غضب الملوك” .
“وكان فيه سرف وإسراع للباطل ، مع لجاجة في الحقد والحسد” .
وعن عاصم بن أبي النجود والأعمش أنهما سمعا الحجاج يقول للناس :
“والله ولو أمرتكم أن تخرجوا من هذا الباب فخرجتم من هذا الباب لحلت لي دماؤكم ، ولا أجد أحدا يقرأ على قراءة ابن أم عبد إلا ضربت عنقه ، ولأحكنها من المصحف ولو بضلع خنزير” .
وقال الأصمعي :
قال عبد الملك يوما للحجاج :
ما من أحد إلا وهو يعرف عيب نفسه ، فصف عيب نفسك .
فقال : أعفني يا أمير المؤمنين .
فأبى ، فقال :
أنا لجوجٌ حقودٌ حسودٌ . فقال عبد الملك :
إذاً بينك وبين إبليس نسب .
وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى كفره ـ وإن كان أكثر العلماء لم يروا كفره ـ وكان بعض الصحابة كأنس وابن عمر يصلون خلفه ، ولو كانوا يرونه كافراً لم يصلوا خلفه .
فعن قتادة قال :
قيل لسعيد بن جبير : أخرَجتَ على الحجاج ؟ قال :
إني والله ما خرجت عليه حتى كفر .
وقال الأعمش :
اختلفوا في الحجاج فسألوا مجاهدا فقال : تسألون عن الشيخ الكافر .
وقال الشعبي :
الحجاج مؤمن بالجبت والطاغوت كافر بالله العظيم .
وقال القاسم بن مخيمرة :
كان الحجاج ينقض عرى الإسلام .
وعن عاصم بن أبي النجود قال :
ما بقيت لله تعالى حرمة إلا وقد انتهكها الحجاج .
وروى الترمذي في سننه (2220) عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ :
” أَحْصَوْا مَا قَتَلَ الْحَجَّاجُ صَبْرًا فَبَلَغَ مِائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ قَتِيلٍ ” .
وقال عمر بن عبد العزيز :
لو تخابثت الأمم وجئتنا بالحجاج لغلبناهم ، وما كان يصلح لدنيا ولا لآخرة .
وكان الحجاج مضيّعاً للصلوات ، مفرطاً فيها ، لا يصليها لوقتها . وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة :
بلغني أنك تستن بسنن الحجاج ، فلا تستن بسننه ، فإنه كان يصلي الصلاة لغير وقتها ، ويأخذ الزكاة من غير حقها ، وكان لِما سوى ذلك أضيع ” .
وقال الذهبي :
وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه ، وأمره إلى الله .
وله توحيد في الجملة ، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء ”
وباختصار :
كان الحجاج رجلاً على درجة كبيرة من الظلم والعدوان ، والإسراف على نفسه .
وكانت له حسنات مغمورة في بحر سيئاته ، وكان له جهد لا ينكر في الجهاد وفتح البلاد ونشر الإسلام .
والله تعالى حسيبه ، ونبرأ إلى الله تعالى من ظلمه وعدوانه . ونكل أمره إلى الله تعالى .
المراجع :
_________
البداية و النهاية
(ابن كثير)
تاريخ الذهبي
سير أعلام النبلاء
Discussion about this post