التفكير في كارثة الزلزال ..
د.علي أحمد جديد
لو فكرنا بالبحث في مسألة العدالة الإلهية عن الأسباب الإلهية لحدوث الأمراض والمصائب والكوارث ، لرأينا أن جميع المصائب والمشاكل هي لخير الإنسانية بشكل أو بآخر .. فالأمراض ، والمصيبة ، والنقص في الأموال والأنفس والثمرات ، كلّها لخير الإنسان . وهذا هو المبدأ الإلهي في الكوارث الطبيعية . لأن في الكوارث إكمال للإنسان ، وتقع كالسياط على كاهل الإنسان وعلى أكتاف الإنسان حتى يركض ويسعى مُجِدٍّا نحو الخير أكثر وأكثر .
لم يكن الإنسان في أول الخلق مأموناً ولا مصوناً او مُحَصّناً من المرض والبرد والحرّ .. والتي تشكّل الخصم بالنسبة إليه والعَدوّ .
ولو كان الإنسان يعيش في الجنة منذ اليوم الأول لوجوده … لكان في مروج خُضر ، لا برد فيها ولا حرّ ولا عدو ولا مرض.. ولا أي شيء يعكر عليه صفو حياته . وإنسان اليوم كان في السابق مثل حَمَلٍ وديعٍ لا يتحرك ، ولا يفكر ، ولا يسعى ، ولا يفتش عن مصالحه ، كما لم يكن يعرف شيئاً من العلم والثقافة .
ولعل سبب تقدّم أوروبا في الفترة الأخيرة من التاريخ ودافعها الأساس للتطور كان في قساوة البيئة ، لأنه كلّما كان الجوّ أقسى وكلما كانت البيئة أعنف في تحدياتها تحرك الإنسان في وعيه أكثر ..
ففي أول الخلق كان وجود المرض دافعاً رئيساً للإنسان كي يفتش عن علاج يشفيه ويردَّ له قواه بعد أن رأى في المرض تعرّضاً للموت ، فقد كان إبنه معرضاً للموت إذا أصابه المرض ، وإبنته معرضة للموت أيضاً ، وكان يحزن ويتألم .. لكنه في نفس الوقت كان يبحث ويفتش عن الحلول ، أي أنه كان يحرّك تفكيره ، وقاده تفكيره في البداية نحو الأساطير ، ولما اكتشف بأنه أخطأ في التفكير الذي يقوده إلى الابتعاد عن الواقع وعن الحقيقة توجّه إلى التجريب لكشف العلاج الناجع الذي يخلّصه من المرض . واقتحم في تجاربه غوامض الكون ومجاهله ليبدأ مسيرة النجاح بعد أن أدرك أسرار الكون واستغلها ليتطور ويسيطر .. وهكذا كان يتَقدَّم .
فوجود المرض أيّ الحاجة ، كان السبب الرئيس في دفع الإنسان إلى التفكير ، وبالتالي الدافع إلى استخدام العقل وفي الوصول إلى المعرفة .
والبرد كان مع المرض دافعاً للتأمل والتفكير ، وكذلك الحرّ كان دافعاً آخر ، وكما العدو .
كل الدوافع والأسباب التي أحاطت بالإنسان من كلّ جانب كانت تنهال على كاهله السياط التي تدفعه ليفكر ويفتش عن الوسائل التي تعالج له مشاكله .
إذاً فقد خُلِق الإنسان لكي يفكر حتى يَعرِف …
” وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا ليَعبِدونِ ” .
أيّ ليعرِفوا بعد التفكير وليعبدوا عن معرفة تامة وكاملة ، لأن الغاية من الخَلقِ هي المعرفة . والمفروض على الإنسان أن يعرف كلّ شيء عن إنسانيته أولاً وعن المهمة التي خُلق لأدائها والتي هي مهمة العلم والمعرفة .
والحقيقة أن مهمة المعرفة ما كانت لتتحقق لو كان الإنسان بمعزل ومصوناً ومُحصّناً من المشاكل والحاجات .
وعلى ضوء ذلك ولنفس السبب كانت الكوارث الطبيعية من البراكين والأعاصير والعواصف والزلازل ، وكلها أسباب ودوافع تقود الإنسان إلى التفكير وإلى المعرفة . وكارثة الزلزال اليوم جاءت لتقضي على الآلاف من الناس حتى يتعلم الإنسان ويكتشف أن هذه الكارثة إنذار وتحريض له حتى يفكر ويعرف ماهية القوى الكونية .. كانت ليعرف الزلزال حتى يدرس أسبابه ، ويفكر كي يعرف كيفية التغلب على دماره . ولولا وجود الزلازل ماوُجدت آلات لمعرفة الزلزال تلك التي يسمونها Sismographe وماكان ليبني الإنسان بيته بشكل لا يُهدم أو لا يتحطم .. أو على الأقل بطريقة لا تقتل الإنسان إذا حصل الزلزال ، وبالتالي يتغلغل الإنسان في مزيد من غوامض الكون ليعرف الكون .
صحيح أن للزلازل ضحاياها ، ولكن البقية الباقية من البشرية ارتفعت بمعرفتها بعد التفكير في الكوارث إلى مستوى من المعرفة أرفع مما كان يصل إليه تفكيره .
وهكذا الأمراض سواء السرطان أو نقص المناعة أو غيره ..
وكذلك العواصف والبراكين وكلّ شيء في الطبيعة ومن الطبيعة كان يشكّل الدوافع للإنسانية في اكتساب المعرفة لتحصين المستقبل الآتي .
Discussion about this post