في مثل هذا اليوم 23 فبراير1930م..
ميلاد حسام مهيب، رائد الرسوم المتحركة والخدع السينمائية والإعلانات، مصري.
حسام الدين مهيب (23 فبراير 1930 – 26 مايو 1996) يعمل في تصوير وإخراج الرسوم المتحركة والخدع السينمائية في مصر والوطن العربي، ,مؤسس ورئيس قسم مراقبة الرسوم المتحركة بالتليفزيون المصري، عمل مُستشاراً فنياً لوكالة الأهرام للإعلان، صور فيلم «الخط الأبيض» عام 1963 الحائز على الجائزة الأولى الذهبية في المهرجان الدولي للتليفزيون بالإسكندرية سنة 1965، وأول من أحدث المزج بين الرسوم والتصوير السينمائي من خلال الكاميرا الأوكسبري، وأول من أدخل الكمبيوتر ليتعامل مع كاميرا الرسوم بتقنية الصورة الهوائية المجسمة (الصور الجوية) سنة 1980 وأدخل عليها بعض التعديلات واستخدمها في العديد من الإعلانات ومقدمات أفلام السينما المصرية، عرف مع أخيه الفنان علي مهيب باسم (الأخوين مهيب) في عالم الرسوم المتحركة والإعلان لمدة تزيد عن 35 عاماً حتى نهاية الثمانينيات.
نشأته
وُلد الفنان حسام مهيب في مدينة السويس في 23 فبراير 1930 وترتيبه الرابع بين أبناء أسرته، وتلاه الفنان علي مهيب شقيقه الأصغر، رفيق دربه وزميله وصديقه ثم شريكه لاحقاً، وقد تبلورت بين أصابعه موهبة الرسم، وأصبحت ظاهرة يتميز بها بين أقرانه وأصدقائه وزملائه في مدرسة النيل الثانوية بالقاهرة وفيها أنهى دراسته الثانوية بتفوق، وكان أمله المنشود هو الالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة العليا بالزمالك (كلية الفنون الجميلة حالياً) ولكن نظرة المجتمع والأسرة آنذاك لفنون الرسم والتمثيل والتصوير كانت قاسية، إذ اعتبرت هذه الفنون أنها عمل من لا عمل له، فرفض الوالدين الفكرة، وجاء الاختيار والموافقة الأسرية والترحيب بالتحاقه بكليه الحقوق جامعة فاروق الأول (جامعة القاهرة حالياً) وكان من ضمن زملاء المرحلة شاب إسمه صلاح جاهين يعمل والده مستشاراً بمحاكم الحقانية، وهو الشاعر الثوري ورسام الكاريكتير الموهوب، والشاب الثاني سليمان جميل الذي كافح من أجل الحصول على الليسانس بالرغم من حبه للموسيقى وهو أخو المطربة القديرة فايدة كامل ومغنية السوبرانو أميرة كامل. والشاب الثالث كان بليغ حمدي والذي ظهرت فيما بعد موهبته الموسيقية الفذة.
أما حسام مهيب المحامي في ذلك الوقت فقد كان له شأن فيما سيلي ليصبح أحد رواد الرسوم المتحركه في عصرها الحديث، وكانت تسيطر عليه الأحلام وهو يتسائل هل صحيح سيُمكنه أن يرسم دون أن يسمع تحذيرات والديه ليترك الرسم وينتبه لدراسته؟ وفي هذا الوقت أنهى الفنان علي مهيب دراسته بالتوفيقية الثانوية وأحب هواية الرسم من أخيه الأكبر، فوافق الوالد على التحاق علي مهيب بكليه الفنون الجميلة، حتى لا تتكرر المأساة التي وضع إبنه الأكبر فيها.
البداية مع الرسوم المُتحركة
بدأ الأخوان حسام وعلي مهيب مرحلة تجارب على نفقتهما الخاصة لإشباع هوايتهما المشتركة في مجال الرسوم المتحركة، وكانت أول تجربه للأخوين حسام وعلي مهيب معاً عام 1958 والتي تولى فيها دور المصور الهاوي وصاحب الكاميرا في الوقت نفسه اللواء «عدلي الشريف» (الصاغ وقتئذٍ)، فقد تجمعت رغبات ومعلومات الثلاثة سوياً، الفنان علي مهيب يقوم بالرسم والصاغ عدلي شريف والفنان حسام مهيب يقومان بالتصوير كدر كدر، واقتضى الأمر عمل منضدة لكاميرا التصوير تسمح بتثبيتها جيداً ووضع الإطار المناسب مع تثبيت إضاءة كهربائية على جانبي الكاميرا بزوايا تسمح بسقوط الضوء على مجال التصوير دون أن تُحدث انعكاسات ضوئية ضارة على بؤرة العدسة، وصاحبت هذه التجهيزات تجهيزات أخرى للأدوات المستخدمة للتصوير، واستخدمت نتوءات التثبيت المعدنية والتي يتم استخدامها في أعمال التحريك لتثبيت الرسوم، واحتوت هذه التجربة على تصوير موضوعات بدائية أخذت شكل نكات وطرائف وكذلك بعض تجارب للمقصوصات cut out وتحريك العملات المعدنية تحت الكاميرا إلى لقطات تحريك مرسومة للملك السابق فاروق تروي مغامراته وصحوة المواطن المصرى الغلبان، ومن هنا جاء أول فيلم مصري تحت عنوان «سقوط الملك فاروق»، وكانت مدته ثلاث دقائق ونجح كأول فيلم رسوم متحركة بأيدي مصرية في تاريخ مصر سنه 1960 بعد فيلم مشمش أفندي (للأخوين فرانكل) في ثلاثينيات القرن الماضي.
وكانت أفلام هذه المرحلة طويلة جداً بلغ زمن عرضها من 100 إلى 120 ثانية، وهي عمل شاق جداً لمن مارس الرسم والتحريك ثم التصوير صورة صورة لعدة أسابيع، وكان الأخوان حسام وعلي مهيب يشاهدان الفيلم مع الصاغ شريف من خلال شاشة عرض 8 مللي خاصة به على حائط الحجرة أو أي مسطح ورقي، وتفرقت المجموعة وانشغل الأخوان مهيب بالتفكير في إشباع هوايتهما في الرسم وتحريك الرسوم، وكان إيجاد الكاميرا هو العائق، وقد تعرفا على المصور السينمائي المحترف إسكندر نظير، وقد صنع بنفسه معملاً لتحميض الأفلام السينمائية، وكانت آلة التصوير 35 مللي، ولم تكن الكاميرا مجهزة للتصوير صورة بصورة، فحدث أن التقطت الكاميرا ثلاث أو أربع صور في المرة الواحدة بدلاً من صورة واحدة، ولذا ظهرت الحاجة إلى مونتاج لاستبعاد الكدرات الزائدة، وقد احتوت هذه التجربة على الكثير من عمليات التحوير Murph بين وجوه زعماء العالم مثل نهرو وعبد الناصر وغيرهما، وأظهرت التجربة مع خبرات التجارب السابقة في التحريك والتصوير ضرورة مواجهة حسام وعلي مهيب لعائقين أساسيين، أولهما أنهما وجدا أنفسهما مسؤولين عن تحقيق وتنفيذ جميع متطلبات الإنتاج السينمائي من رسم الشخصيات والخلفيات وهما المسؤولان أيضاً عن إيجاد الكاميرا والفيلم الخام ثم بعد ذلك التعامل مع المعمل لتحميض وطبع الأفلام وسداد قيمة التكاليف والحسابات المالية والبحث عن آلة العرض، والمسألة في النهاية لا تتعدى عدد من أمتار الفيلم تظهر لبضع ثواني تجري على الشاشة في لمح البصر، والعائق الثاني هو كيفية الحصول على الخامات والأدوات المطلوبة ومن أين، مما يتطلب إيجاد حلول وبدائل أخرى، حيث أنهما كانا يستخدما لفائف البلاستيك المرن الذي يُستخدم في كسوة مقاعد السيارات لحمايتها من الأتربة وسرعان ما ظهر عيوب هذه الخامة وأنها ليست البديل الأمثل لشرائح السلولويد التي عرفاها فيما بعد.
البداية مع التليفزيون المصري
وفي هذا الوقت كان الفنان علي مهيب مُعيداً بكلية الفنون الجميلة وكان الفنان حسام مهيب يعمل في موقع متميز في وزارة الخارجية، وتغير مسار الأخوين مهيب بسبب تجربة للفنان حسام مهيب كان تأثيرها جوهرياً في تغيير مسارهما، فحينما بدأ التليفزيون المصري إرساله من قصر عابدين سنة 1960 كان هناك من الرواد القليلين الذين تحملوا مسؤلية هذه البداية الفنان محمد سالم وكان زميلاً لعلي مهيب في مدرسه التوفيقية الثانوية، والفنان إسماعيل القاضي المخرج التليفزيوني المُميز وكان أول ظهور للفنان حسام مهيب ليس كفنان رسوم متحركة وإنما كممثل في عدد من الأدوار الثانوية في حلقات «سي جمعة» التي قام بكتابة النص والسيناريو فيها المخرج إسماعيل القاضي، وكانت هيئة وملامح الفنان حسام مهيب تؤهله للوقوف أمام الكاميرا وليس خلفها كمصور، تلك التجربة الفنية في التمثيل عادت عليه بخبرات غير محدودة ودراية طيبة لما يجري أمام الكاميرا وخلفها، ومهدت هذه التجربة بعد ذلك مع أخيه للفنان علي مهيب لإعداد مشروع الرسوم المتحركة المُرتقب وهكذا يُقدم الأخوان على الاحتراف بجرأه واستمتاع.
في 13 مايو 1961 دخل الاخوان مهيب مبنى التليفزيون بناءاً على اختيار المهندس صلاح عامر رئيس التليفزيون في هذا الوقت والذي حرص أن تؤسس الرسوم المتحركة بأيدٍ مصرية واتصل بالدكتور عبد القادر حاتم وزير الإعلام حينئذٍ وأبدى الدكتور عبد القادر حاتم اقتناعه بالمشروع لمّا عُرض عليه من تجارب الأخوين مهيب اللذان قد تعاملا فيما سبق مع أفلام الـ 8 مللي ثم الأفلام 35 مللي، وطلب من المهندس صلاح عامر إرسال الفنان حسام مهيب في بعثات إلى البلاد المتقدمة في مجال التحريك خارج مصر.
ولدعم قسم الرسوم المتحركة برئاسة الفنانان حسام مهيب وعلي مهيب في التليفزيون المصري (التليفزيون العربي في ذلك الوقت) وفّر التليفزيون سنة 1962 ثاني كاميرا أوكسبري في العالم Oxberry Animation Camera وهي من إنتاج شركة نيلسون هوردل الإنجليزية، والتي اختُرعت في ألمانيا سنه 1957 واستُخدمت لأول مرة في استديوهات ديزني Walt Disney الأمريكية، وأتقن الفنان حسام مهيب استخدامها واحترف توظيف إمكاناتها، وكانت الرسومات توضع على السلولويد الشفاف فوق منضدة تحتها إضاءة، ثم تكتب مفاتيح حركة الكرتون المرسوم، ويبدأ التصوير على يد الفنان حسام مهيب كدر كدر يدوياً، واشترك في العمل مجموعة من الفنانين الشباب تحت إشرافه، ومن هنا انطلقت أول تجربة للأخوين مهيب مع التليفزيون المصري وكانت بداية الشهرة الحقيقية والاحتراف، وتحققت لمصر الريادة في التصوير باستخدام الكاميرا الأوكسبري في العالم العربي وأفريقيا، كما كان للأخوين مهيب الريادة في فن الرسوم المتحركة باستخدام أحدث التقنيات في ذلك الوقت.
سافر الفنان حسام مهيب عام 1966 في بعثة من التليفزيون المصري إلى تشيكوسلوفاكيا وألمانيا الغربية وإنجلترا وهم من الدول المتقدمه في مجال تحريك الرسوم، لدراسة أحدث التقنيات في التصوير والرسوم المتحركة، وكان الفنان حسام مهيب حريصاً على أن ينقل خبراته ومشاهداته ومحاضراته إلى أخيه في القاهرة من خلال مراسلاته الأسبوعية، وحملت هذه الرسائل في طياتها الواقع، الأفكار، ونوعية الأجهزة والمعدات وأساليب التفكير التي كانت مُتبعة في هذه الدول في ذلك الوقت. وتعرف الفنان حسام مهيب خلال بعثة التليفزيون إلى إنجلترا سنة 1966 على المهندس بيتر نلسن Peter Neilson أحد أكبر مُصنعي المعدات السينمائية في إنجلترا والعالم وأحد مالكي شركة نلسون هورديل المحدودة Neilson Hordell Ltd لإنتاج الرسوم المٌتحركة باستخدام الكاميرا الأوكسبري.
لم تكن تجربة الأخوين مهيب والتليفزيون المصري الأولى في تاريخ الرسوم المتحركة إلا أنها أصبحت التجربة المصرية الأم وتفرعت منها استوديوهات التحريك بدءاً من التليفزيون المصري إلى استديو مصر إلى مدينة السينما ثم كثير من الاستديوهات الأهلية المتميزة ثم الاتجاه إلى تدريس مادة الرسوم المتحركة بالكليات والمعاهد.
قامت تجربة الأخوين مهيب والرسوم المتحركة في مصر وسط مجموعة من العوامل تفاعلت معها وكان لها انعكاسات واضحة وملموسة اقترنت بداية الاحتراف بمواجهة مسؤوليات فنية وإداريه متشعبة، وهي:
– إعداد واختيار الأجهزة والمعدات المحلية اللازمة
– إعداد الموضوعات والسيناريوهات التي يجري بواسطتها الاختبارات الفنية لتحديد نوعيه مواهب وقدرات الشباب المتقدمين بأمل الفوز بوظيفه «مُحرك» واختيار أفضلهم لقسم الرسوم المتحركة
– إعداد خطة لتدريب هؤلاء الفنانين الشبان الذين وقع عليهم الاختيار
– وضع الإطار المالي والإداري المُناسب بما يُحقق نجاح التجربة من البداية ويضمن لها الاستقرار المُمتد المستمر وكذلك ترسيخ التقييم المالي القائم على التفوق الإنتاجي
تلك سمات تجربة الأخوين مهيب والرسوم المتحركة في مصر التي جعلت منها تجربة فريدة لتُصبح التجربة المصرية الأم في صناعة الرسوم المتحركة في مصر والوطن العربي.
نما عشق الأخوين مهيب لفن الرسوم المتحركة وتطورت خبراتهما بعد احترافهما العمل في التليفزيون المصري مما دفعهما لتوظيف هذه الخبرات والقدرات الإبداعية إلى تأسيس الاستديو الخاص بهما في منتصف ستينيات القرن الماضي وكان أول ستديو رسوم متحركة في مصر والعالم العربي وأدرك الفنان حسام مهيب مبكراً أهميه ودور الإدارة في أي عمل وأن فن الرسوم المتحركة هو إداره قبل أن يكون فناً، إداره تحرك بوعي وعلم وعناصر الإبداع المختلفة والمتعددة لتُصدر لاحقًا نغماً واحداً متوافقاً في سيمفونية جميلة يسعد الناس بمشاهدتها قبل سماعها، وتحمل الفنان حسام مهيب مسؤلية الإدارة والتعامل الخارجي للاستديو وتصنيع الكاميرات والتصوير، أما الجانب الفني والرسوم فكان مسؤولية شقيقه الفنان علي مهيب، وكان الفنان حسام مهيب يتعاون مع «أوهان» وهو فنان أرمني عبقري كان يصنع الكاميرات التي يصعب استيرادها من الخارج ويشترك معه الفنان حسام مهيب في تصنيع الكاميرات، وبذلك تنامت خبرة وثقافة الفنان حسام مهيب في مجال التصوير وتقنياته ودعمهما بالقراءة والاطلاع على أحدث الأساليب والأجهزة.
قام الأخوان مهيب بتصميم شعار استوديو مهيب من شقين أساسيين، الأول الرسوم والثاني المتحركة، وبغير أحدهما تسقط الصفة عن الطرف الآخر، لذا كان لا بد لشعار استديو مهيب أن يشمل الشقين مجتمعين، وفضّل الأخوان علي وحسام مهيب اختيار بالتة الألوان (التي يضع الرسام عليها ألوانه قبل مزجها ونقلها إلى لوحته) وترمز إلى الرسوم، أما صف الثقوب التي تظهر أسفل البالتة فإنها تُشير إلى ثقوب الفيلم وتعنى الحركة، وثبتت فرشتان متساويتان في الطول واللون لتدلل على الشراكة المتساوية للأخوين مهيب أخداً وعطاءاً.
لم يعاني الأخوان مهيب مطلقاً في أي وقت في تسويق أعمالهما، وقد تعامل ستوديو مهيب في البداية مع «وكالة روز اليوسف للإعلان» ثم تعامل الاستديو مع «وكالة الأخبار للإعلان» و«وكالة الأهرام للإعلان» وغيرها، وتوضح قوائم طلبات الإعلانات باستديو مهيب تقدير وكالات الدعاية والشركات المُعلنة لقدرات ستديو مهيب في مجال الرسوم المتحركة والإعلان، وكشفت قوائم طلبات الأعمال في تواريخ معينة أن بعضها يضم 20 إعلاناً مطلوبة للتنفيذ في وقتٍ واحد، وكانت معظم الشركات تُصر على تنفيذ إعلاناتها بالرسوم المتحركة في استديو مهيب، ولهذا استقطبت واحتكرت وكالة الأهرام للإعلان أعمال ستديو مهيب وعينت كل من حسام وعلي مهيب مستشاراً فنياً لوكالة الأهرام للإعلان وهكذا اقترن اسم مهيب بالأهرام لفترة طويلة. كل واحد من هذه الإعلانات له ظروفه وأفكاره وأهدافه ووسائل تنفيذه، فمنها ما أخد شكلاً فرعونياً، ومنها ما يدخل إلى باطن الأم لينقل الرسالة الإعلانية على لسان الجنين قبل ولادته، ولعل أغربها وأطرفها ذلك الإعلان الذي طلب من جمهور المستهلكين ألا يشتروا المنتج وجاءت الرسالة على لسان كبير الصراصير وهو يقول «أرجوكم لا تستعملوا ديكسان… ده مبيد خطير ليا ولإخواني المناشير».
وقد تعامل حسام وعلي مهيب مع كثير من الموسيقيين والمخرجين، منهم الموسيقار محمد الموجي والموسيقار سيد مكاوي والموسيقار عبد الرحمن المصري والموسيقار عمار الشريعي، كما تعاملا مع الفنانة صفاء أبو السعود والفنان محمد منير والشاعر الغنائي عبد الوهاب محمد والمخرج نيازي مصطفى.
وكان أكثر الموسيقيين الذين تعامل معهم الأخوين مهيب هو الموسيقار عبد العزيز محمود بمستواه وكفاءة إنتاجه وصوته الدافئ، ويقول الفنانان علي وحسام مهيب أن عبد العزيز محمود كان يشكو من كثره طلب المستمعين لأغاني الإعلانات بدلاً من أغانيه الشهيرة وقد كتب الأديب الراحل أنيس منصورمقالة عن أغاني مهيب الإعلانية وكيف أثرت على طبيعة وزمن الأغنية بمصر. وهناك الكثيرون الذين كتبوا كلمات إعلانات استديو مهيب ومنهم أحمد كامل عوض الصحفي بوكالة الأهرام، فقد كتب كلمات إعلانات رابسو والميلامين وعلي بابا. واتسع المجال ليشمل الدعاية لمنتجات كتيرة متباينة ما بين السلع الغذائية والاستهلاكية والكهربائية ولعل من اصعبها وأكثرها التزاماً الدعاية للبنوك والخدمات المصرفية والتأمين.
ومن أكثر المخرجين الذي تعامل معهم الفنان حسام مهيب هو المخرج عاطف سالم وكان كثير التردد على الاستديو، والذي أسند إلى الفنان حسام مهيب مهمة عمل خدع فيلم النمر الأسود على غرار فيلم روكي وكان من أشهر الأفلام الأمريكية في ذلك الوقت.
تربع الأخوان مهيب على عرش الرسوم المتحركة وعرش الإعلانات منذ بداية الستينيات وحتى أواخر الثمانينيات في وقت عصيب مليء بالحروب والاستنزاف الاقتصادي، واستمرا بعد ذلك ولم يتوقفا، لم يغب شعار مهيب ورسومه عن الشاشة الفضية ورددت الأجيال كل أغاني اعلاناتهما، كان زمن الإعلان دقيقة أو دقيقتان مما أثّر على زمن وطبيعة الأغنية في مصر بعد ذلك، وأفرزت مدرسة مهيب منذ بدايتها بالتليفزيون المصري أجيالاً استمرت في التليفزيون وأخرى انتقلت إلى ستديو مصر وإلى المركز القومي للسينما وإلى كليات الرسوم المتحركة، ومن أبناء وتلاميذ ستوديو مهيب الفنان محمد حسيب والفنان فهمي عبد الحميد والفنان رؤوف عبد الحميد، والفنان رضا جبران، والفنانة فايزة حسين، والفنان نصحي إسكندر، والفنان عادل أنور، والفنان أحمد سعد، والدكتورة منى أبو النصر والفنان ستالين الرملي، والفنانة شويكار خليفة، والدكتور عبد الناصر أبو بكر الجوهيني، والفنانة ليلى مكين، والفنانة عطيه خيري، والفنانة إقبال فريد والفنان طارق رشاد.
قام ستديو مهيب بعمل مقدمات العديد من الأفلام، منها:
التلاثة يحبونها سنة 1965 بطولة سعاد حسني وحسن يوسف – إخراج محمود ذو الفقار
الخائنة سنة 1965 قصة موسى صبري، بطولة نادية لطفي وعمر الحريري ومحمود مرسي – إخراج كمال الشيخ
3 لصوص سنة 1966 قصة إحسان عبد القدوس بطولة يحيى شاهين وصلاح ذو الفقار وهند رستم – إخراج فطين عبد الوهاب
تفاحه آدم سنة 1966 بطوله هند رستم وحسن يوسف ويحيى شاهين وصلاح منصور – إخراج فطين عبد الوهاب
أخطر رجل في العالم سنة 1967 بطولة شويكار وفؤاد المهندس – إخراج نيازي مصطفى
المخربون سنة 1967 بطولة لبنى عبد العزيز وأحمد مظهر وإخراج كمال الشيخ
السمان والخريف سنة 1967 بطولة محمود مرسي ونادية لطفي – إخراج حسام الدين مصطفى
الناس اللي جوه إنتاج سنه 1969 بطولة يحيى شاهين وناهد شريف وعادل إمام – إخراج جلال الشرقاوي
عريس بنت الوزير سنة 1970 بطولة فؤاد المهندس وشويكار – إخراج نيازي مصطفى
النمر الأسود سنة 1984 بطولة أحمد زكي ووفاء سالم – إخراج عاطف سالم
وكان حسام مهيب أول من أستخدم تقنيه الصورة الهوائية المجسمة Aerial Images سنة 1980 واستخدمها في تصوير مقدمة فيلم النمر الأسود سنة 1984. وقد استخدم الفنان حسام مهيب هذه التقنية أيضاً في تصوير إعلانات الثمانينيات مثل إعلان سيما (مصاصة) وإعلان لورد (أمواس حلاقة).
واتجه ستديو مهيب في الفترة ما بين 1967 و 1973 إلى الجانب الإعلامي وإطار إعداد المواطن للحرب والحث على الكتمان وعدم الثرثرة فيما لا يعرفه وتجنب ترويج الإشاعات مثل فيلم «كلمة في سرك» سنة 1970 وأنتج إعلانات عن السلوكيات مثل احترام قواعد المرور ونظافة البيئة وتجنب الضوضاء ومحاربة التواكل والإهمال والقضاء على «زي بعضه» و«معلش» والتي غناها الفنان محمد منير «شعب عايز يتقدم، لازم يحطم معلش».
فيلم السويس 73
لم يقتصر استديو مهيب على الإعلان بل قدم العديد من الأفلام القصيرة مثل «السويس 73»، حيث تعرضت مدينة السويس الباسلة مسقط رأس الأخوين مهيب إلى الدمار الشامل بفعل حرب الاستنزاف وجاءت مؤسسة الأهرام بناءاً على اقتراح من الفنان حسام مهيب لتولي إنتاج فيلم تاريخي يُعبر عن الدراما الإنسانية الهائلة وجاء هذا الفيلم بتجربة مختلفة، فقد دخل الأخوان مهيب مدينة السويس مع طاقم التصوير بأكمله وليس لديهما أدنى فكرة أو خط درامي يُمكن اتباعه أو الالتزام به، المهم كان العودة بلقطات تصور الدمار الذي لحق بمدينة السويس خاصةً بعد وقف إطلاق النار ودخول العدو الإسرائيلي إلى المدينة لاستكمال حصارها فكثير من المعارك والبطولات الهائلة جرت على أرض السويس حينئذِ، وعاين الأخوان مهيب المدينة كلها فصورة المأساة كانت مروعة، والمدينة كانت فارغة من السكان تماماً والكاميرا مُحملة على سيارة تستطيع أن تصور خمس دقائق متصلة أو أكثر دون ترى أي علامة لبشر، في خلال تسع أيام تم تصوير أقصى وأفضل ما يمكن تصويره للتعبير عن حجم المأساة في مدينة بلا أسواق أو طعام، بلا ماء يصلح للشرب، بلا دورات مياه، بلا سرير نظيف يمكن أن يُريح جسد الإنسان وبلا وسيلة لمحاربة الناموس والقوارض والفئران، لقد كانت بطولة أخرى عاشها الباقون من أهل المدينة والذين أصروا على البقاء بها وحمايتها بأرواحهم، 9 أيام عاشها طاقم التصوير مثل أهل السويس البواسل، تم التصوير وعاد الطاقم لكتابة السيناريو مع مراجعة اللقطات وتكرار ترتيبها مراراً، أتت الفكرة من الفرق الشاسع بين الحياة في العاصمة القاهرة وبين الحياة القاسية في السويس وباقي مدن القناة، فخرج الفيلم يحكي بالصوت قصة فتى وفتاة على أعتاب الزواج يستعرضان آمالهما وبكل سعادة والمرح نسمع أصواتهما في الهاتف يتواعدان لشراء الشبكة بينما الصورة لا تُظهر سوى الهاتف مدمراً وسماعته تتأرجح في الهواء، نسمع أصوات الحياة والسعادة والمرح ونرى الحقيقة الموجعة ونشاهد صور الألم والموت والدمار، أظهر الفيلم تباين بين الصوت والصورة، بين من يريد الحياة ومن يريد الدمار والموت، ونسمع في آخر الفيلم تكبيرات صلاة العيد، وأجراس الكنيسة إيذاناً بالانتصار وانقشاع الغمة ومولد أمل جديد، تقاسم الأخوان مهيب بطولة هذا الفيلم بين كاميرا الفنان حسام مهيب والكرين والعدسات الشاريوهات وإضاءاته وخدع تصويره الذكية وبين مونتاج صوت وصورة نفذه بيده الفنان علي مهيب على أجهزه المونتاج بالاستديو، حصل الفيلم على جوائز كثيرة في مصر وألمانيا، جوائز إخراج وأخرى للتصوير، وجائزة للصوت الذي أخرجه المخرج الإذاعي الكبير «محمد علوان».!!
Discussion about this post