قراءة نقدية : القصيدة ومتعة المكان
القصيدة:”كرشة عطر”
الشاعر:حمد حاجي
الناقدة: جليلة المازني
التفريغ النصي: نور وعلم
المقدمة:ان الشاعر حمد حاجي شغوف حدُ الالتزام بتصوير اليومي من الحياة في قصائده باختيار المكان المناسب الذي يتيح له المتعة .فبأيّ مكان حطّ اليوم رحال قصيدته؟؟؟
القراءة النقدية:
قدّم الشاعر لنا مشهدا بمعرض الكتاب حرّك فيه بعض حواسّه فاشتمّ رائحة الحبيبة ورآها تدور مع الزائرين بأروقة الكتب.
لقد شبّهها برشّة عطر(كرشة عطر)ووجْه الشبه الرائحة الطيبة التي تجلب الزائرين وأكثر من ذلك فقد شبّهها بالنور( كالنور)الذي لا نستطيع لمْسهُ وهو مُبْهرٌ. ان الشاعر أضفى على هذه الحبيبة قدُسيّة ترتقي بها الى عالم نوراني وبالتالي فهي مختلفة عن جميع الزائرين.
ان الحبيب لا يرى حبيبته جسدا بل رآها رائحة طيبة ونورا مشعّا.
ان هذا النور الذي يغمرها هو نور العلم وكيف لا وهي من المرتادين لمعرض الكتاب وبالتالي فالشاعر يضفي عليها قدسية أخرى هي قدسية المعرفة.
ان المكان(معرض الكتاب) جعل الشاعر يضفي على الحبيبة روح العلم ونور العلم(العلم نور).انها قدسية المكان وقدسية الشخصية وهي الحبيبة.
والشاعر يتناصّ في تشبيهه للمرأة بالنور مع جلال الدين الرومي (1)الذي يقول:” انما المرأة من نور الله فهي ليست مجرّد حبيبة او حتى مخلوقة.بل انها خلاّقة “.
ويقول أيضا”للمرأة حضورٌ خفيّ لا يراه ويهتدي به الاّ رجُل متفتح وعارف فهناك نوع النور الذي في العين ليس الا أثرا من نور القلب وأما النورالذي في القلب فهو من نور الله”
وشاعرُنا قد اهتدى الى هذا الحضور الخفي للحبيبة بنور القلب.
وهو يتناصّ أيضا مع الصوفية الذين يروْن المرأة رُوحا قبل أن تكون جسدا وهي نور من نور الله.
والشاعر يتناصّ أيضا مع الشابي (2)حين يقول:
يا ابنة النور.انّي أنا وحدي/// من رأى فيك روعة المعبود
فدعيني أعيش في ظلّك العذب/// وفي قرب حسنك المشهود
عيشة للجمال والفنّ والالهام/// والطهر والسنى والسجود
هذا النور الذي يغمر الحبيبة جعل الحبيب يقتفي أثرها “حيثما ذهبت”
خشية ان يختطفها منه أحد وغيْرة عليها حتى لا يشاركه أحد في النظر اليها… انه يلازمها كما ظلّها فلا تغيب عنه برمشة العين .
وفي غفلة الناس قدم لها بطاقته .
ان الحبيب تحيّن غفلة الناس خوفا من عين الرقيب وحفاظا على كرامتها التي لا يريدها ان تخدش..انه يريدها امرأة نقية بنقاوة نور الالاه .. ألمْ يشبّهها بالنور؟ والشاعر في ذلك مُتسق في تفكيره ومُتناسق مع صفات هذه الحبيبة التي وصفها بها في بداية القصيدة.
واكثر من ذلك فهْو نزّلها من نفسه منزلة الرّوح لما لها من قيمة فهي روحه التي بها يعيش او لا يعيش .انها حياته.
وقد يكون استخدم الكناية فكنّى عنها بالروح اتساقا مع ما أضفاه عليها من روحانيات ونورانيات في وصفه لها في بداية القصيدة .
ان روح الحبيب لم تكتف بتفحص بطاقته فحسب بل تتهجّى حروف اسمه.
وتهجّي الحروف عادة ما يكون عند تدريب الطفل على القراءة فمرة بتجزئة حروف الكلمة كي يتدرّب على حروفها ومرّه قراءة الكلمة جملة واحدة كي يتدرّب على تجميع حروف الكلمة.
ان الحبيبة في تهجّيها حروف اسم الحبيب هي تفعل ذلك لتستمتع بكل حرف على حده ثم تفوز بالمتعة الكاملة حين تجمّع الحروف كاملة في اسمه ..انها متعة الحواس باسمه متعة حاسة البصر وهي تتفحص حروف اسمه ومتعة النطق بها عند تهجّيها.
وفي تهجّيها للحروف ستترسّخ بذاكرتها ويدخل الحبيب تاريخ حياتها معه
واكثر من ذلك فان اسمه سيخلّد ُ في صفحة الذهب وصفحة الذهب تحيلنا على ما يُسمّى بالسجلّ الذهبي وهو من الوثائق الرسمية بالمؤسسات التربوية وبالادارات لتسجيل الأحداث الهامة والشخصيات الهامة التي تزور هذه المؤسسات والحبيب هنا يُسجّل اسمه كشخصية بارزة حظي بحب امراة بنور الله وفاز بحدث استثنائي هو هذا الحبّ النوراني .
ولدعْم ما وصل اليه الحبيب استخدم الشاعر معجما لغويا قائما على النور(عطر/النور/ الروح/ الذهب)فغمر القصيدة بنورانيات واستخدم معجما تربويا (الكتب/ تتهجّى/حروف/صفحة الذهب )مع اختيار مكان في خدمة ذلك وهو معرض الكتاب وما يرمز اليه من علم والعلم نور والنور ظلّ الالاه.
الخاتمة: ان الشاعرحمد حاجي زاوج بين المرأة والعلم مما جعل الحبيبة تعانق نورالالاه.
بتاريخ:09/02/2024.
المراجع:
https://mawdoo3.com>…>(1)من (1)أقوال جلال الدين الرومي
https://fgaa.wordpress.com>tag> ابنة النور(2)
===القصيدة==
كَرَشّةِ عِطْرٍ… كالنور، تدور مع
الزائرين… تميل بأروقة الكُتُبِ
وفي حيثما ذهبت، أقتفيها…
وعن رمشة العين لم تَغِبِ
مددتُ لها (الكرت) في غفلة
الناس تفحصه الروح عن كثَبِ
وأعرفها تتهجى حروفي لأخلدَ
في الذكريات وفي صفحة الذّهَبِ