في مثل هذا اليوم5 يونيو1967م..
إسرائيل تهاجم مصر وسوريا والأردن في ما عرف باسم حرب الأيام الستة.
حرب 1967 وتُعرف أيضاً في كل من سوريا والأردن باسم نكسة حزيران وفي مصر باسم نكسة 67 وتسمى في إسرائيل حرب الأيام الستة (بالعبرية: מלחמת ששת הימים، نقحرة: ملحمت شيشيت هياميم) هي الحرب التي نشبت بين إسرائيل وكل من العراق ومصر وسوريا والأردن بين 5 حزيران/يونيو 1967 والعاشر من الشهر نفسه، وأدت إلى احتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان وتعتبر ثالث حرب ضمن الصراع العربي الإسرائيلي؛ وقد أدت الحرب إلى مقتل 15,000 – 25,000 شخص في الدول العربية مقابل 800 في إسرائيل، وتدمير 70 – 80% من العتاد الحربي في الدول العربية مقابل 2 – 5% في إسرائيل، إلى جانب تفاوت مشابه في عدد الجرحى والأسرى؛ كما كان من نتائجها صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 وانعقاد قمة اللاءات الثلاثة العربيّة في الخرطوم وتهجير معظم سكان مدن قناة السويس وكذلك تهجير معظم مدنيي محافظة القنيطرة في سوريا، وتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة بما فيها محو قرى بأكملها، وفتح باب الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية.
لم تنته تبعات حرب 1967 حتى اليوم، إذ لا تَزال إسرائيل تحتلّ الضفة الغربية، كما أنها قامت بضم القدس والجولان لحدودها، وكان من تبعاتها أيضًا نشوب حرب أكتوبر عام 1973 وفصل الضفة الغربيّة عن السيادة الأردنيّة، وقبول العرب منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 بمبدأ «الأرض مقابل السلام» الذي ينصّ على العودة لما قبل حدود الحرب لقاء اعتراف العرب بإسرائيل، والسلام معها؛ رغم أن دول عربيّة عديدة باتت تقيم علاقات منفردة مع إسرائيل سياسيّة أو اقتصادية.
مقدمات الحرب
في 1 مايو 1967 صرح ليفي أشكول رئيس وزراء إسرائيل أنه في حال استمرار العمليات الفدائية فإن تل أبيب “سترد بوسائل عنيفة” على مصادر الإرهاب، وكرر مثل ذلك أمام الكنيست في 5 مايو، وفي 10 مايو صرّح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أنه إن لم يتوقف “النشاط الفدائي الفلسطيني في الجليل فإن الجيش سيزحف نحو دمشق”، وفي 14 مايو وبمناسبة الذكرى التاسعة عشر لميلاد دولة إسرائيل، أجرى الجيش عرضًا عسكريًا في القدس خلافًا للمواثيق الدولية التي تقر أن القدس منطقة منزوعة السلاح. من جهتها كانت مصر وسوريا تتجهان نحو اتخاذ خطوات تصعيدية؛ ففي مارس أُعيد إقرار اتفاقية الدفاع المشتركة بين البلدين، وقال الرئيس المصري جمال عبد الناصر أنه في حال كررت إسرائيل عملية طبرية فإنها سترى أن الاتفاق ليس “قصاصة ورق لاغية”. وعمومًا فإن توتر العلاقات بين إسرائيل ودول الطوق العربي تعود لأواخر 1966 حين وقعت عدة اشتباكات في الجولان والأردن مع الجيش الإسرائيلي، وإلى جانب عملية طبرية فإن عملية السموع التي قام بها الجيش الإسرائيلي ضد بلدة السموع تعتبر من أكبر هذه العمليات؛ كما شهدت بداية 1967 عدة اشتباكات متقطعة بالمدفعية بين الجيش السوري والجيش الإسرائيلي، مع تسلل قوات فلسطينية إلى داخل الجليل ووحدات إسرائيلية إلى داخل الجولان. ولعل أكبر هذه الاشتباكات ما حدث في 7 أبريل عندما أسقطت إسرائيل 6 طائرات سورية من طراز ميغ 21، اثنتان داخل سوريا وأربعة أخريات، بينها ثلاث طائرات داخل الأردن، وقد سلم الملك الحسين الطيارين الثلاثة علي عنتر ومحي الدين داوود وأحمد القوتلي الذين هبطوا بالمظلات داخل الأردن إلى سوريا.
وصلت معلومات غير مؤكدة لحكومتي مصر وسوريا في يوم السبت الموافق 13 مايو، تشير إلى أن الإسرائيليين يحركون ما بين 11 إلى 13 لواء عسكريًا تجاه الحدود السورية. ومهما يكن مصدر هذه المعلومات فقد صدقها الرئيس جمال عبد الناصر، وقرر القيام باستعراض قوة، لتأجيل الهجوم الإسرائيلي ضد سوريا، أملاً في ان تتراجع إسرائيل عن فكرة الحرب حتى لا تفرض عليها في جبهتين.
بعث الرئيس عبد الناصر يوم الاحد 14 مايو، رئيس الاركان المصري اللواء محمد فوزي إلى دمشق ليتولى القيادة المشتركة للقوات المصرية والسورية في حالة قيام الحرب وليتفاوض مع الوزراء السوريين وكبار العسكريين. وفي إسرائيل، صرح رئيس الوزراء ليفي أشكول أن استمرار عمليات الإرهاب من الحدود السورية التي يقوم بها متسللون عرب، سوف يؤدي إلى مواجهة خطيرة مع سوريا، وفُسر تصريحه داخل إسرائيل على أنه تهديد بالقيام بأعمال انتقامية ضد سوريا لا تصل إلى درجة الحرب وفي الوقت نفسه استمرت الاستعدادات للاحتفال بيوم الاستقلال في اليوم التالي.
يوم الاثنين 15 مايو، مضت احتفالات إسرائيل بيوم الاستقلال بدون أي حوادث. في المقابل، أعلنت الحكومة المصرية نقل حشود عسكرية وآليات اتجاه الشرق وانعقاد مجلس حرب كبير في القاهرة بمقر القيادة العامة للجيش المصري، لم يكن هنالك بث تلفزيوني في إسرائيل. إلا أن الإسرائيليين الذين تابعوا التلفزيون المصري شاهدوا بوضوح قوات عبد الناصر وهي تتحرك. وأعلنت العراق استعدادها لمساندة سوريا إذا تعرضت للهجوم. في الليلة نفسها أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي حالة الاستنفار في كل الوحدات والقوى النظامية.
وفي اليوم التالي وفي 16 مايو قدم مندوب سوريا في الأمم المتحدة كتابًا إلى مجلس الأمن قال فيه أن إسرائيل تعد هجومًا ضد بلاده، وفي اليوم نفسه أعلنت حال الطوارئ في مصر. وسلم الفريق أول محمد فوزي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية خطابًا إلى الجنرال إندار جيت ريخي قائد قوات الطوارئ الدولية في سيناء وغزة قال فيه: «أحيطكم علمًا أنني أصدرت تعليماتي إلى جميع القوات المسلحة لتكون مستعدة للعمل ضد إسرائيل فور قيامها بعمل عدائي ضد أي دولة عربية؛ وتنفيذًا لتعليماتي تجمعت قواتنا في سيناء علي حدود مصر الشرقية ولضمان أمن قوات الطوارئ الدولية المتمركزة في نقاط المراقبة علي الحدود المصرية أطلب إصدار أوامركم بسحب هذه القوات فورًا، وقد أصدرت تعليماتي لقائد المنطقة العسكرية الشرقية فيما يتعلق بهذا الشأن.»
رفض الجنرال ريكي الطلب المصري بسحب قواته إلى قطاع غزة. ولكن القوات المصرية كانت قد بدأت في مضايقة قوات الأمم المتحدة لإخراجها من مواقعها في بعض مراكز الحدود. وفي المساء استطاع المصريون إجلاء هذه القوات عن مركز الأمم المتحدة في الصبحة، وأعلنت مصر وسوريا أن قواتهما المسلحة في حالة استعداد للقتال. وتبعهما الأردن الذي أعلن تعبئة قواته، وألغى لبنان زيارة ودية كانت مقررة لبعض قطع الأسطول السادس الأمريكي وتوجه زلمان شازار رئيس دولة إسرائيل في هدوء للقيام بزيارة رسمية لايسلندا وكندا.
طلبت مصر في اليوم التالي، أي في 17 مايو، سحب قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة من سيناء وذلك لكون هذه القوّات تتواجد على الطرف المصري من الحدود، دون الطرف الإسرائيلي.
في صباح 18 مايو، وأثناء الصباح، أجبرت القوات المصرية والفلسطينية قوات الأمم المتحدة على إخلاء مراكزها في الكونتلا وإخلاء مركزين أو ثلاثة مراكز أخرى في سيناء، كما أن قائد قوات الأمم المتحدة في شرم الشيخ أُنذر بوجوب إخلاء قواته. وأبرق محمود رياض وزير خارجية مصر إلى الأمين العام للأمم المتحدة يو ثانت وطلب إليه رسمياً الجلاء السريع لقوات الأمم المتحدة وقد تفاوض يو ثانت، قبل وصول هذا الطلب الرسمي، مع مندوبي الدول التي تتألف منها قوات الأمم المتحدة. وأبدت كندا والهند ويوغوسلافيا استعدادها لسحب قواتها فور تسلمها طلبًا رسميًا بذلك. أما يو ثانت فقد ألمح لإسرائيل مُستعلمًا عما إذا كانت توافق على أن تنتقل قوات الأمم المتحدة إلى الجانب الإسرائيلي من الحدود، ولكن هذا الاقتراح قوبل بالرفض، وأعطى يو ثانت تعليماته للجنرال ريخي بسحب قوات الأمم المتحدة وتجميعها في قطاع غزة، معلنًا “تشاؤمه الشديد”. وفي تلك الليلة انسحبت معظم القوات إلى معسكرات الأمم المتحدة في رفح وخان يونس، وحل في مراكزهم الجنود المصريون والفلسطينيون. بقيت قوات الأمم المتحدة في شرم الشيخ فقط. واعلنت الكويت أنها تضع قواتها المسلحة بتصرف القيادة العربية المشتركة، كما أعلنت الكويت والعراق تعبئة قواتهما. وفي إسرائيل، استمع اشكول وأعضاء حكومته إلى تقرير قدمه الجنرال رابين، لم يوح بالاطمئنان. كما وصل إلى القاهرة وزير الخارجية السوري إبراهيم ماخوس، ودعا إلى “الجهاد” ضد إسرائيل.
وفي 19 مايو، أنزلت قوات الأمم المتحدة علمها لاخر مرة من فوق مقر قيادتها في غزة، وفي شرم الشيخ انسحبت قوات الأمم المتحدة من راس نصراني، التي تطل على المدخل الضيق لمضائق تيران. (لم يتم الانسحاب النهائي لقوات الأمم المتحدة من شرم الشيخ إلا في 23 مايو) ووصل عدد من المظليين المصريين بالطائرات إلى شرم الشيخ لحمايتها من أي محاولة إسرائيلية للاستيلاء على هذا المركز الاستراتيجي الحيوي. جاء انسحاب قوات الأمم المتحدة مفاجأة للأمم المتحدة، وللشعوب الغربية ولإسرائيل. وبشكل عام فإن هذه القوات حققت غرضها بمنع نشوب القتال بين الطرفين. ورغم أن يو ثانت تصرف بطريقة قانونية باستجابته إلى طلب الانسحاب المصري، إلا أن تصرفه هذا أثار بعض الاستهجان. وقد قوبل انسحاب قوات الأمم المتحدة بخوف خاص في إسرائيل، خاصة مع ورود أنباء عن تحشدات مصرية كبيرة وبشكل غير عادي في سيناء. فقد تكفل وجود قوات الأمم المتحدة بفتح مضائق تيران وخليج العقبة للملاحة الإسرائيلية ووصول مختلف البضائع والشحنات إلى ميناء إيلات، وهو الميناء الحيوي للاقتصاد الإسرائيلي. فقد كانت تصل مرة كل أسبوعين حاملة نفط تحمل نفطًا إيرانيا إلى الميناء، يكوّن تسعين في المئة من احتياجات إسرائيل من النفط. ولأول مرة منذ شهور عدة اخترقت طائرات الميج المصرية المجال الجوي الإسرائيلي وحلقت فوق المفاعل الذري في ديمونة في النقب.
السبت 20 مايو، وفي إسرائيل، انتهت المرحلة الأولى من التعبئة العسكرية الشاملة، ولوحظ غياب الرجال عن وظائفهم اليومية. وعلى الجانب المصري؛ قام المشير عامر بجولة تفقدية على المراكز السابقة لقوات الأمم المتحدة، والتي كانت تحتلها الفرقة العشرون «الفلسطينية» على طول قطاع غزة، والقوات المصرية في بقية المناطق. كذلك أصدر أمرًا باستدعاء مزيد من القوات الاحتياطية. كشفت تقارير صحفية لاحقًا أن إسرائيل قد أعلنت وبشكل سري التعبئة العامة وأنها دعت الوحدات الاحتياطية للالتحاق بالجيش. قالت التقارير الصحفية أيضًا أن خمس فرق عسكرية من الجيش الإسرائيلي باتت في صحراء النقب قرب شبه جزيرة سيناء، الأمر الذي أثار جدلاً واسعًا في القاهرة، دفع بجمال عبد الناصر لإعلان التعبئة العامة واستدعاء قوات الاحتياط في 21 مايو، تزامنًا مع توجه الأسطول السادس الأمريكي إلى شرق البحر الأبيض المتوسط رغم أن الحكومة اللبنانية ألغت زيارته إلى بيروت تضامنًا مع الدول العربية. مثل هذه التقارير غالبًا ما كانت خاطئة، فعندما أشيع عن حشود عسكرية قرب الحدود الشمالية لإسرائيل بعث أشكول برقية إلى ألكسي كوسيغين رئيس مجلس وزراء الاتحاد السوفيتي ينفي مثل هذه الأنباء، ويطلب منه القدوم إلى الحدود والتأكد بنفسه. رغم ذلك فقد أبلغ مندوب المخابرات السوفيتي في القاهرة مدير المخابرات العامة المصرية بوجود 11 لواء من الجيش الإسرائيلي على الجبهة السورية، كما كشف محمد حسنين هيكل. وكان الجنرال رابين قد أبلغ مجلس الوزراء الإسرائيلي بأن عدد الجنود المصريين في سيناء ارتفع من 25 ألفًا إلى ثمانين ألفًا خلال الأيام القليلة الماضية. في القاهرة أعلن أحمد الشقيري في مؤتمر صحافي أن قوات منظمة التحرير البالغة ثمانية آلاف وُضعت تحت إمرة القيادات المصرية والسورية والعراقية.
يوم 22 مايو، أعلن عن تصعيد جديد، بالحديث عن إغلاق مصر لمضيق تيران قبالة خليج العقبة أمام السفن التي تحمل العلم الإسرائيلي والسفن التي تحمل معدات حربية لإسرائيل، ورغم أن أغلب صادرات إسرائيل ووارداتها تتم عبر موانئ تل أبيب ويافا وحيفا إلا أن الحكومة الإسرائيلية اعتبرت القرار المصري “فرض حصار بحري” وأنها تعتبره أيضًا “عملاً حربيًا وعدائيًا يجب الرد عليه”. عبد الناصر قبل العرض العراقي بتقديم وحدات برية وجوية في حالة الحرب مع إسرائيل، واعلنت ليبيا والسودان مساندتهما. واكد أشكول في كلمة القاها بالكنيست انباء الحشود المصرية في سيناء. واقترح ان تنسحب القوات الإسرائيلية من منطقة الحدود في سيناء، حيث كان هنالك ثلاثون الف جندي إسرائيلي، على ان تقوم القوات المصرية بانسحاب مماثل. وصل خمسمائة جندي مصري إلى شرم الشيخ لدعم القوة المصرية الصغيرة فيها. وطار يوثانت من نيويورك إلى القاهرة لمقابلة الرئيس عبد الناصر.
يوم الثلاثاء، 23 مايو، أعلن عبد الناصر اغلاق مضائق تيران في وجه السفن الإسرائيلية والسفن الأخرى التي تحمل موادا إستراتيجية لاسرائيل. كان عبد الناصر في مركز القوة، وبسبب الصخور الكثيرة في المضائق، لم يكن هنالك سوى ممر واحد صالح للملاحة البحرية، لا يزيد اتساعه على ثمانماية ياردة في بعض الاجزاء، يؤدي إلى خليج العقبة.
وكان هذا الممر يقع تحت رحمة المدافع في راس نصراني في شرم الشيخ، التي أصبحت مرة أخرى في ايدي المصريين. وكانت الجمهورية العربية المتحدة تدعي دائما ان مضائق تيران وخليج العقبة بحر مغلق من المياه الإقليمية المصرية، وكان اغلاقها في السابق أحد الاسباب الرئيسية للهجوم الاسرائيلي سنة 1956. واتخذ اشكول خطوة غير عادية وذلك بالتشاور مع زعماء الاحزاب المعارضة. ولمواجهة نشاط فتح، زرع الجيش الالغام في الجانب الإسرائيلي من الحدود مع الأردن وأقام الاسلاك الشائكة ومراكز الإضاءة في النقاط التي يمكن العبور منها. وأثار إجراء عبد الناصر تصريحا غامضا من الرئيس جونسون يقول فيه «إن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر خليج العقبة ممرا مائيا دوليا وترى في إغلاق المضائق حصارا غير قانوني وعملا خطيرا يهدد السلام»، بينما اذاع السوفييت بيانا ألقوا اللوم فيه على إسرائيل لازدياد التوتر. وفي موسكو كان هنالك بعض الخوف من ان عبد الناصر قد ذهب بعيدان لان عملا كهذا قد يجعل المواجهة مع أمريكا احتمالا شديد الخطر.
يوم 24 مايو، اعلنت مصر، خلافا للواقع، ان مضائق تيران قد اغلقت في اليوم السابق، بالالغام والمدافع والزوارق العسكرية والطيران، وهددت باطلاق النار على كل سفينة إسرائيلية لا تعود ادارجها من حيث جاءت وان كل السفن الأخرى يجب خضوعها للتفتيش. وصلت مصر بعض القوات الكويتية، كما وصلت مجموعات سودانية وجزائرية رمزية. وفي القاهرة استقبل عبد الناصر يوثانت الامين العام للامم المتحدة، وطالب عبد الناصر بالعودة إلى الوضع القائم سنة 1948، أي ان تنسحب إسرائيل من بعض الأراضي، من ضمنها ايلات، وان تعترف بخليج العقبة على انه مياه مصرية. واصر على أن تحرص إسرائيل على احترام المنطقة المنزوعة السلاح، وان تقيم قوات دولية على الحدود الإسرائيلية. وبعد ان أكد عبد الناصر على حقوق اللاجئين الفلسطينيين ابلغ يوثائت انه لن يقوم بالضربة الأولى.
في عمان، أعلنت الحكومة ان التعبئة قد تمت وان الوحدات العسكرية توزعت في مواقعها القتالية. واعلن ناطق رسمي ان الاذن قد اعطي لقوات سعودية بدخول الأردن وان قسما منها قد وصل، (ولم يكن قد وصل) وان عشرين الفا ينتظرون بالقرب من الحدود. في المقابل أعلن اشكول أن الحصار عمل عدائي ضد إسرائيل، وطالب الدول الكبرى بتأمين حرية الملاحة في مضائق تيران طبقا لقرار الامم المتحدة في مارس سنة 1955 الذي يكفل حرية الملاحة للجميع، واعاد تأكيدات أمريكا وفرنسا وبريطانيا في هذا الشأن حين اضطرت القوات الإسرائيلية للانسحاب من شرم الشيخ سنة 1956. ولم يكن يعرف إلى أي مدى يمكن أن يصل فيه الدعم السوفييتي لمصر وسوريا. ولكن الدول الكبرى ذات العلاقة لم تكن ترغب بالتورط. وردد رئيس الوزراء البريطانى اقوال الرئيس جونسون التي ادلى بها في اليوم السابق، وأضاف ان بريطانيا مستعدة لتأكيد مبدأ حرية الملاحة في مضائق تيران.
كان هنالك قلق في أمريكا حين تبين ان إسرائيل تطالب بالمساعدة، ولهذا بعثت رسالة إلى اشكول تطلب منه تأجيل أي عمل ينوون القيام به مدة 48 ساعة. وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على قبول مضمون هذه الرسالة – وكان هذا الوضع يلائم هيئة الاركان الإسرائيلية لاتمام كل خطوات التعبئة، والتي تمت بالفعل تلك الليلة. في نيويورك اجتمع مجلس الامن وأُجل بدون اتخاذ أي قرار، واستشار اشكول قادة المعارضة مرة أخرى بما في ذلك بن غوريون، الذي كان رئيسا للحكومة قبله ووزيرا للدفاع سنة 1956، واتفقا على استشارة الدول الكبرى الثلاث قبل أي عمل جديد. طار أبا ايبان، وزير الخارجية، إلى باريس، وقابل الرئيس ديجول، الذي لم يستمع اليه باهتمام، معتقدا بأن إسرائيل خاضعة أكثر من اللزوم للنفوذ الأمريكي. كانت هذه خيبة أمل كبيرة لإسرائيل، اذ كانت ترى أن فرنسا يفترض بها ان تكون صديقة لاسرائيل منذ حرب 1956. العلاقات كانت قد بدات تتعرض للفتور بعد استقلال الجزائر. في ذلك الاجتماع أبدى أبا ايبان الرأى بأن اغلاق المضيق يعد بمثابة اعلان الحرب على إسرائيل، وأن حكومته لا تستطيع أن تخلد إلى السكينة تجاه قضية اغلاق المضيق، وأن التأخر في وضع حد لهذه القضية يعجل بخطر اندلاع الحرب.
على أن ديجول لم يكن مقتنعا بوجهة نظر الإسرائيليين. فقد كانت لديه وجهة نظره الخاصة التي ترى أن العالم يقترب لحد كبير من حرب عالمية ثالثة، وأن اندلاع الحرب بين إسرائيل والعرب يعجل من وقوع الانفجار الكبير. ولهذا السبب لم يكن يرى في اغلاق مضيق تيران مشكلة بالغة الخطورة إلى درجة التهديد باندلاع الحرب. وتقول جولدا مايير ان ديجول حذر أبا ايبان قائلا انه مهما حدث فلا يجب على إسرائيل أن تبداً بالخطوة الأولى قبل أن يبدأ الهجوم المصرى بالفعل، وعندما يقع هذا الهجوم فسوف تتحرك فرنسا لانقاذ الموقف. وقد سأله أبا ايبان عما يكون الحال لو أن إسرائيل لم تعد موجودة في ذلك الحين ليتسنى انقاذها ؟ ولم يرد ديجول على هذا السؤال، واكتفى بالقول في وضوح بأن استمرار تأييد فرنسا لاسرائيل يعتمد كلية على ما إذا كانت سوف تستجيب لهذا الكلام أم لا؟
يوم الخميس 25 مايو، طار أبا ايبان إلى واشنطن، وروع موظفي الخارجية الأمريكية بمطالبه بالتحرك والعمل؛ أي الحرب. وتفادى الرئيس جونسون مقابلته، ولكنه ارسل في تلك الليلة رسالة للرئيس عبد الناصر يطلب منه الاعتدال وضبط النفس. ورفض الاتحاد السوفييتي التعاون مع أمريكا وفرنسا وبريطانيا حول اغلاق المضائق. ولكن الرئيس كوسيغين بعث لعبد الناصر ببرقية تحذيرية. وطار شمس الدين بدران، وزير الدفاع المصري، على راس وفد إلى موسكو لطلب مزيد من الاسلحة والمعدات. وفي نفس اليوم، وبعد محادثات مستفيضة مع عبد الناصر عاد يوثانت إلى مقر عمله بدون صدور أي بلاغ عن المحادثات.
في الأردن، تعرض الملك حسين لضغط من كبار ضباطه للتفاهم مع رئيس الجمهورية العربية المتحدة، فتوقف راديو عمان عن مهاجمة الرئيس عبد الناصر، كخطوة اولى، وايد اغلاق المضائق. وهذا التغيير في سياسة الأردن أحدث اجماعا بين الدول العربية الثلاث عشرة الاعضاء في الجامعة العربية على تأييد مصر.
أما في إسرائيل، نال اشكول ثقة حزبه المابام، رغم كل الانتقادات التي وجهت اليه لعجزه عن التحرك والعمل والرد بعنف ضد مصر.
يوم 26 مايو، بعث كوسيغين برسالة إلى اشكول يطلب منه ضبط النفس؛ القادة السوفييت كانوا يعتقدون أن اشكول اضعف من اتخاذ قرار الحرب؛ وان مثل هذا الخطر يجيء من عبد الناصر. في فجر ذلك اليوم، ايقظ السفير السوفييتى عبد الناصر من نومه، وبلغه رسالة من موسكو. اكد عبد الناصر لزائره انه لن يضرب اولا، ولكنه في خطاب ألقاه في وقت متأخر من اليوم نفسه أعلن انه مستعد للحرب وانه واثق من قدرته على تدمير إسرائيل.
يوم 27 مايو، أعلن يوثانت في تقرير لمجلس الأمن ان اغلاق المضائق عمل يهدد السلام، وان عبد الناصر أكد له انه لن يبدأ بأي إجراء عدواني أو هجومي ضد إسرائيل. وفي المساء بعثت أمريكا برسالة لرئيس الحكومة الإسرائيلية. عقد مجلس الوزراء الاسرائيلى اجتماعا طارئا لاتخاذ قرار حاسم في مسألة الحرب والسلم. وكان أشكول قد تلقى مذكرة من الاتحاد السوفيتى تحذره من القيام بأى هجوم، في الوقت الذي كان عبد الناصر يتلقى بدوره تحذيرا مماثلا من الرئيس الأمريكى جونسون. وقد حضر أبا إيبان الاجتماع الوزارى فور وصوله حيث عرض رأيه المعارض لفكرة الحرب.
وكانت وجهة نظر أبا إيبان هي أنه طالما أن إسرائيل لاتملك قوة بحرية في مياه العقبة، فستكون عاجزة عن القيام بهجوم عسكرى محدود، وإنما سيكون عليها أن تغزو سيناء. فإذا فعلت ذلك وأجبرتها الدول على الانسحاب منها مرة أخرى كما حدث في حرب 1956، فإن الانتصار الاسرائيلى في سيناء سوف يكون بلا ثمرة. وقال انه يذكر كيف اجبرت الدول بن جوريون يوم 7 نوفمبر 1956 على إصدار الأمر بالانسحاب من جميع المواقع التي احتلتها القوات الإسرائيلية، ففيم إذن الجهود التي بذلت حينذاك، ولأى شئ قتل الجنود؟ إن إسرائيل تستطيع أن تحقق النصر في الحرب، وقد تدفع في ذلك ثمنا أكبر، ولكنها ستضطر في النهاية إلى الانسحاب من الأراضى التي احتلتها دون أن تحصل على شئ.
على أن وجهة نظر أبا إيبان لقيت الرفض من المؤسسة العسكرية، وقد شارك إيجال لون ورفاقه، في حزب أحدوت أفودا، المؤسسة العسكرية في مخاوفها، واتخذوا جانب التدخل العسكرى السريع بدون إبطاء، وأن أي تأخير سوف تنجم عنه أخطار كثيرة، وسيترتب عليه سقوط ضحايا إسرائيليين كثيرين. وكان معظم وزراء حزب الماباى من هذا الرأى، وكذلك كان أشكول.
على أن بعض الوزراء أعربوا عن معارضتهم للتدخل العسكرى. وبعضهم لم يرفض التدخل العسكرى كمبدا، ولكنهم كانوا يرون أن الشروط المناسبة لعمل عسكرى ناجح لم تتوفر بعد. والبعض الثالث كانوا يرون ضرورة ادخال تعديل وزارى يؤدى إلى تشكيل وزارة قومية، وتعيين وزير دفاع جديد كانوا يرشحون له موشى ديان، وذلك قبل التدخل العسكرى. بينا كان البعض الآخر يشك في إحراز النصر، وقلة منهم كانت تتوقع الأسوا، والبعض يشك في قدرة الجيش. استمر اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي حتى ساعات الفجر يوم 28 مايو. وحين جرى التصويت، في نهاية الجلسة، حول قرار الحرب انقسم المجلس إلى تسعة أعضاء مع قرار الحرب وتسعة أعضاء ضد القرار. رغم ان اشكول صوت لجانب قرار الحرب الا انه رفض استعمال سلطاته كرئيس للوزراء في ترجيح كفة المطالبين بالحرب، وانفض المجلس بلا قرار.
روي عن أن المشير عبد الحكيم عامر أصدر بالفعل تعليماته إلى سلاح الجو المصرى بمهاجمة القواعد العسكرية الإسرائيلية يوم 27 مايو، وأن خبر هذه التعليمات وصل إلى إسرائيل عن طريق أحد المطارات المصرية في سيناء، فأبلغت أمريكا التي أبلغت بدورها روسيا، وتدخلت الدولتان لدى عبد الناصر فأوقف الهجوم. وقد أورد الفريق مرتجى هذه القصة؛ فذكر أن القوات الجوية المصرية تلقت أمرا بتوجيه ضربة جوية للعدو يوم 27 مايو ثم ألغى الأمر. يعتقد المؤرخ عبد العظيم رمضان ان القصة في الغالب قد لفقها أنصار المشير عبد الحكيم عامر لالقاء التبعة على عبد الناصر. ذلك أنه مها كانت مخالفة المشير لرغبة عبد الناصر في بعض الأمور الهامة، إلا أنه لم يكن ليستطيع بحال أن يزج بمصر في حرب من وراء ظهر عبد الناصر.
صباح يوم 28 مايو، اجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي مرة أخرى وأعاد النظر في الموضوع. وبعد الاجتماع تقرر إرسال البريجادير مائير عاميت، مدير المخابرات الإسرائيلية، إلى واشنطن ليرى ماذا يدور هناك. اكتشف انه ليس هنالك أي نية للقيام بأي عمل لمساعدة إسرائيل. المؤسسة العسكرية في إسرائيل اعترضت على قرار التريث حين أبلغه لها أشكول. وكانت وجهة نظر القادة العسكريين أنه من الصعب البقاء والانتظار في الصحراء لوقت طويل. وأن معنويات الجيش تتدهور سريعان خصوصا بعد أن صدرت له عدة أوامر متعارضة. فبعد أن استعدت كثير من الوحدات للقيام بالهجوم، ألغيت هذه الأوامر. ومن المستحيل الاحتفاظ بروح القتال عالية في هؤلاء في مثل هذه الظروف. وأنه في أحد المواقع رفض جنود المظللات النزول من الطائرة التي أقلتهم رغم تكرار إنذارهم للمرة الثالثة أو الرابعة. كما حصلت بعض حالات فردية هرب فيها الجنود. وبالتالى فإن الانتظار لأكثر من ذلك يعد خطرا من الوجهة العسكرية.
وقال القادة العسكريون لأشكول إنه حتى لو حدث أن تدخلت القوى الكبرى لحل الأزمة، فإن ذلك سوف يقضى تماما على صورة إسرائيل في عين العرب، وسيحفزهم على القيام بمزيد من الضغط. كما أنه من غير المقبول إرسال سفن إسرائيلية عبر خليج العقبة تحت الحماية الأجنبية. وانتهوا إلى القول بأن الخطر الآن لم يعد يتهدد تيران فقط، بل أصبح يتهدد الوجود الاسرائيل ذاته. بعد أن غادر القادة العسكريين أشكول، سرعان ما سرت الاشاعات عن « زحف وشيك على القدس والقيام بانقلاب عسكرى ».
عاد شمس الدين بدران من زيارته لموسكو وهو يحمل انباء القرار السوفييتي بأن مصر لا يمكنها الاعتماد على تدخل عسكري سوفييتي في حالة الحرب. ورغم ذلك، فان الرئيس عبد الناصر أبلغ مؤتمرا صحفيا بأن العرب لا يقبلون بالتعايش مع إسرائيل، وانه لن يسمح بالملاحة الإسرائيلية في مضائق تيران، وان إسرائيل يجب ان تجلو عن ايلات ونيتسانا « اللتين احتلتهما إسرائيل بعد وقف اطلاق النار سنة 1948 ». اتصل الملك حسين بالسفير المصري في عمان وطلب منه الاجتماع مع عبد الناصر. وذلك في محاولة للانضمام للركب العربي قبل ان يفوت الاوان ولكن عبد الناصر اشترط قبل الاجتماع به توزيع القوات الأردنية بعيدا عن الحدود السورية والسماح للقوات العراقية بدخول الأردن وقبول احمد الشقيرى ومنظمة التحرير الفلسطينية، والغاء قرار الملك حسين باعادة العلاقات الدبلوماسية مع المانيا الغربية. بدت هذه الشروط أكثر مما توقع الملك حسين وحاول التخفيف منها.
في 29 مايو انعقد مجلس الأمن بناءً على طلب مصر، وقال مندوب القاهرة في الأمم المتحدة أن بلاده لن تكون البادئة بأي عمل عسكري ضد إسرائيل، وأنها تدعو المجتمع الدولي للعمل على إعادة ترسيخ شروط هدنة 1949 بين دول الطوق العربي وإسرائيل. تأجلت الجلسة الطارئة لمجلس الأمن بدون تصويت. أما في القاهرة، ففوض مجلس الامة الرئيس جمال عبد الناصر بكل السلطات، وأعلن عبد الناصر عند قبوله بهذا القرار أن العدوان القادم ليس اسرائيليا فقط، ولكنه « بريطانيا وامريكا أيضا». وقال شمس الدين بدران العائد من موسكو أن كوسيغين اكد له مساعدة بلاده لمصر وحلفائها، وتأييدها لتحرير فلسطين. واعلنت الجزائر انها ستبعث بوحدات عسكرية لمسائدة مصر. وطار نور الدين الاتاسي، رئيس الدولة السورية إلى موسكو، في زيارة استمرت يومين لطلب مزيد من السلاح والعون، وفي الوقت نفسه القى يوسف زعين رئيس الوزراء، خطابا ناريا يهدد بتدمير إسرائيل. في قطاع غزة تبادلت القوات الفلسطينية النار مع مستعمرة ناحال عوز على الحدود بالمدفعية، واطلقت النار على دورية إسرائيلية.
تحالف شيمون بيريز، الامين العام لحزب بن غوريون المسمى رافي، وهو الحزب الذي يمثله في الكنيست عشرة نواب مقابل تحالف اشكول المؤلف من الماباي واحدوت هعافودا اللذين يمثلهما 45 نائبا، مع حليف غير متوقع هو مناحم بيغين، الزعيم السابق لمنظمة إرغون تسفائي لئومي الارهابية التي نشطت في آخر أيام الانتداب، والذي كان يتزعم كتلة جاحال المؤلفة من حزب حيروت وحزب الاحرار الاسرائيليين ويمثلهما في الكنيست 26 نائبا ويمثلان الكتلة الثانية فيه. تم التحالف بين الاثنين على أساس التخلص من اشكول. ذهب بيغين المعروف بعدائه الطويل لبن غوريون، لمقابلة اشكول، وطلب منه وجها لوجه التنازل عن منصب رئيس الوزراء، وتسليمه لبن غوريون. رفض اشكول بغضب. عندئذ اقترح بيريز ضم بن غوريون لمجلس الوزراء، ومرة أخرى رفض اشكول.
عبد المنعم رياض
رغم ذلك، فقد كان الاستعداد للحرب مستمرًا؛ ففي 30 مايو زار الملك الحسين بن طلال القاهرة وطوى خلافاته مع جمال عبد الناصر ووقع على اتفاقية الدفاع المشترك التي باتت تضم ثلاث أطراف هي مصر وسوريا والأردن. سأل الرئيس عبد الناصر ضيفه الملك: «ألم تكن تخشى أن نعتقلك هنا خاصة وان زيارتك سرية ؟» فأجاب الملك: «مثل هذا الاحتمال لم يزعجني» (رواية الملك). استمرت الزيارة ست ساعات اتفق خلالها على معاهدة دفاع مشترك بين الجمهورية العربية المتحدة والاردن مدتها خمس سنوات، وعلى إنشاء مجلس دفاع مشترك، وقيادة مشتركة وهيئة أركان مشتركة. رضي الملك حسين بوضع قواته العسكرية بأمرة القائد المصري اللواء عبد المنعم رياض، ودخول قوات عراقية وعربية أخرى للاردن. وفي اليوم نفسه دخلت مفارز من الجيش العراقي إلى الأراضي السورية.
في الداخل الإسرائيلي بدأت الحكومة بتوزيع كمامات غاز لمواطنيها بالتعاون من حكومة ألمانيا الغربية “رغم أنه لا توجد أي دولة عربية تملك أسلحة نووية أو جرثومية حينها وهو ما يدخل ضمن حشد الدعم الإعلامي لإسرائيل في الخارج”؛
جاءت اتفاقية الدفاع المشترك بين عبد الناصر والملك حسين بالقاهرة لتزود المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بمزيد من وسائل الضغط على الحكومة الإسرائيلية. فقد أورد مراسل اليونايتدبرس في ذلك الحين أن الخبراء العسكريين الإسرائيليين قد اعترفوا بالنتائج السياسية الخطيرة المترتبة على الاتفاق المصرى الأردنى. وقال إن الاتفاق يطوق إسرائيل التي أصبح ظهرها الآن إلى البحر مباشرة. كذلك أورد مراسل رويتر أن الرسميين في إسرائيل قد عقبوا على اتفاقية الدفاع المشترك بأنها ضربة للنفوذ الغربى، وقال إن « العناصر العسكرية في إسرائيل تضغط لاتخاذ تدابير سريعة).
الاربعاء، 31 مايو، في إسرائيل، أصبح الحديث عن تعيين موشى دايان وزيرا للدفاع مطلبا شعبيا عاما وحاول أشكول طوال اليوم التمسك بمنصب وزير الدفاع. حين فشل، حاول ابعاد دايان عن وزارة الدفاع، فعرض المنصب على يغائيل يادين، الذي كان مديرا للعمليات فٍي حرب 1948 وأول رئيس اركان للجيش الإسرائيلي فيما بعد، والمستشار العسكري غير الرسمي لرئيس الوزراء. الا ان يغائيل رفض العرض. عندئذ أعلن اشكول عن قبوله لإيغال آلون، ولكن يغائيل نصحه بكل قوة بضرورة تعيين موشى دايان في مكانه حاول يغائيل اقناع موشى دايان بقبول منصب وزير الدفاع ولكن على غير أساس حزبي، ولكن دايان لم يرض بذلك. قام اشكول في تلك الليلة بأكثر من محاولة لابعاد دايان عن وزارة الدفاع، وذلك بأن عرض عليه عدة عروض من بينها القيادة العامة للجبهة الجنوبية، وهو منصب يمكن اشغال دايان به بعيدا عن السياسة لمدة طويلة، ومنصب المستشار العسكري، الذي يعني مسؤولية بلا سلطات. دايان رفض كل هذه العروض. في نهاية اليوم تبين لاشكول ولاعضاء حكومته، ان قيام حكومة اتحاد وطني ضرورة للخروج باسرائيل من هذه الازمة وانه من الضروري اقناع كتلتي جاحال ورافي بالانضمام للوزارة. لم ترض الكتلتان ذلك إذا لم يتول دايان منصب وزير الدفاع.
وفي 1 يونيو، أدى الضغط من جانب العسكريين العاملين والسياسيين إلى تأليف وزارة الحرب، حيث عدل أشكول حكومته بحيث انتقلت حقيبة الدفاع إلى موشي دايان، الذي كان قد عاد منذ وقت قريب هو وضباط أركان حربه من بعثة تدريبية طويلة في فيتنام، كما ضمت فيمن ضمت مناحيم بيجين، الرئيس السابق لمنظمة الأرجون الارهابية، والمسئول عن مذبحة دير ياسين. وأصبح مناحيم بيغن وزيرًا للدولة ومعه جوزيف سافير، وثلاثتهم من أحزاب اليمين المحافظ ممثلو “خط التطرف” في التعامل مع العرب كما يقول جون ديزيد، داخل البلاد. فور استلام ديان مهام وزارة الدفاع حصلت تعديلات في صفوف القادة العسكريين. فأصبح الجنرال بارليف نائبا لرئيس الأركان، وعين الجنرال بن زور (رئيس الأركان الأسبق ومن المؤيدين لحزب رافي) مساعدا خاصا لديان. وفي الوقت نفسه، وصل اللواء رياض عمان قادما من القاهرة، ليتولى قيادة القوات الأردنية المسلحة، ووضع خططا تتضمن اشتراك القوات العراقية بفرقة عسكرية.
الجمعة، 2 يونيو، أمر موشى ديان، بصفته وزيرا للدفاع، بطرد نائب وزير الدفاع وعين الجنرال تسفي تسور، أحد رؤساء الاركان السابقين ما بين 1960 و1963 مساعدا خاصا له. وتحددت بصفة نهائية خطة العمليات الإسرائيلية في سيناء. وكانت تقوم على اختراق سيناء على طول أربعة محاور: اثثان منها يتوازيان في منطقة رفح في الطرف الجنوبى لقطاع غزة، واثنان في وسط سيناء. كما قامت الخطة على ألا تصل القوات الإسرائيلية إلى قناة السويس أو إلى مضيق تيران.
و في اليوم التالي، 3 يونيو، زار وفد عراقي عمان والقاهرة للتوقيع على معاهدة الدفاع المشترك المصرية والاردنية وبذلك أصبحت ثلاثية. وفي عمان، أعلن الملك حسين في مؤتمر صحفي عقده الساعة 12 ظهرا، انه يتوقع نشوب الحرب خلال اليومين القادمين، وفي القدس عقد احمد الشسقيري مؤتمرا صحفيا ودعا فيه إلى الجهاد ضد إسرائيل. ِ
عقد موشي ديان مؤتمراً صحفيا بدا فيه وديا. قال ان الحكومة قد قامت بجهد دبلوماسي، قبل اتضمامه اليها، وان هذه المحاولة يجب ان تأخذ مداها. واضاف ان إسرائيل يجب ان تخوض معاركها بجنودها، وانه لا يريد ان يموت الأمريكيون أو البريطانيون دفاعا عن إسرائيل. وحين سئل هل فقدت إسرائيل زمام المبادرة العسكرية اجاب: «ان كنت تريد ان تقول انه لا حظ لنا فانى لا اتفق معك». تعمدت السلطات الإسرائيلية اعطاء إجازات علنية للجنود الاحتياطي، وتم تغطيتهم إعلاميا، وبشكل مكثف، وهم يقضون اجازة نهاية الاسبوع على الشواطئ. في مساء نفس اليوم، أبلغ ديان مجلس الوزراء الإسرائيلي انه يعتقد بقدرة إسرائيل على هزيمة القوات المصرية في سيناء، وبخسائر لا تتعدى الف قتيل إسرائيلي، أعطى البريجادير مردخاي هود، قائد الطيران الإسرائيلي، تقريره بانه يستطيع تدمير قوات الطيران العربية والحيلولة بينها وبين ضرب الاهداف فوق أسرائيل. كان معظم الوزراء يدركون، أن قيام إسرائيل بالهجوم لن يغضب أمريكا؛ كما كان الامر سنة 1966، وقدروا بحساباتهم ان الاتحاد السوفييتي لن يتدخل. استمرت المباحثات حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي.
جرى التصويت بعد ذلك، فصوت خمسة عشر وزيرا بشن حرب فورية ضد مصر وامتنع وزيران فقط عن التصويت، ولكنهما عادا وصوتا إلى جانب القرار. اصدر موشى ديان امرا للقوات بالاستعداد للقتال.
وم الأحد 4 يونيو، تعارضت تماما الاستعدادات الإسرائيلية، السريعة والسرية، طوال اليوم، مع التصريحات العربية المليئة بالتهديد والتحركات العسكرية الواضحة. وصل القاهرة وزير خارجية ليبيا ليعلن ان وحدة ليبية ستقاتل إلى جانب المصريين، وان الامريكيين لن يسمح لهم باستعمال قاعدة ويلس إذا ساعدوا إسرائيل. تولى اللواء عبد المنعم رياض قيادة القوات الأردنية المسلحة، ووصات عمان وحدتان من الصاعقة المصرية « السريتان 33 و53 »، بطريق الجو. وصلت طلائع اللواء الاول للفرقة العراقية، الموعود بها، الحدود الشمالية للاردن ترافقها وحدتان من قوات منظمة التحرير الفلسطينية وذلك عند المساء.
عاد الملك فيصل فأمر القوات السعودية بدخول الأردن، فعبر الحدود لواء مشاة سعودي. بقي لواءان سعوديان في تبوك، قريبا من الحدود الأردنية، في انتظار أمر دخول الأردن صباح اليوم التالي. ويبدو ان الملك حسين كان يتوقع الحرب في اية لحظة، فأمر في المساء رئيس الاركان الأردني اللواء عامر خماش، بواسطة اللواء رياض، بان تتولى قوة الطيران الأردنية الصغيرة حماية الاجواء الأردنية اعتبارا من فجر اليوم التالى.
اما عبد الناصر، فلم يكن متأكدا من شيء بعد، وكان يأمل ان لا تهاجم إسرائيل لبضعة أيام أخرى. كان يريد ان تتمكن هيئة الاركان المصرية والاردنية والسورية والعراقية من تنسيق خطوطها وتحريك قواتها إلى مراكز أفضل حتى يتمكنوا جميعا من القيام بهجمات مشتركة وفي وقت واحد ضد أسرائيل.
وفي الوقت الذي كان الإسرائيليون يضعون فيه اللمسات الاخيرة للهجوم. كانت بعض القوى الغربية تحاول ان تجد حلا ما، ولكن بلا جدوى. فقد أعلن عبد الناصر بقوة، انه لن يستمع لاقتراحاتهم التي تمس السيادة المصرية. كان على الوزارة الإسرائيلية أن تتخذ قرارها في شأن الضربة الجوية. وقد أوضح ديان أنه لو أخذت إسرائيل مصر على غرة فسوف تعطل على الأقل مائة طائرة من سلاحها الجوى، وهو مايعادل ما يمكن أن تحصل عليه إسرائيل في الشهور الستة التالية من مساعدات، إذا قبلت إحدى الدول مدها بهذه المساعدات. وأن الضربة الأولى سوف تحدد مَن مِن الطرفين سوف يتلقى النصيب الأوفى من الاصاباتن وسوف تغير على وجه التحقيق ميزان القوى. فإذا أفلحت القوات الإسرائيلية في اختراق سيناء فسوف تجبر القوات المصرية على اتخاذ موقف الدفاع، وهو أمر مهم جدا لهم، لأنه مع وجود مئات الدبابات المصرية في سيناء على كل محور من المحاور المؤدية إلى إسرائيل فسوف يكون من الخطورة بمكان السماح لهذه الدبابات بشن هجومها الذي يمكن أن يهدد إسرائيل. ومن ثم كان من الضرورى بالنسبة لاسرائيل أن تبدأ بالضربة الأول. في ذلك الحين كان معظم الوزراء قد أصبحوا على قناعة تامة بأن الحرب لم تعد أمرا يمكن تجنبه. وحتى أبا إيبان انضم إلى الصقور منذ أول يونيو – كما قال فيا بعد.
وافقت الوزارة على الخطة العسكرية بدون أخذ أصوات رسميا. فقد فوض أشكول الجيش في تحديد الوقت والمكان والطريقة المناسبة لشن الحرب. وقد اختار ديان صباح يوم 5 يونيو. وفى الوقت الذي كانت الأمور في إسرائيل تمضى نحو قرار الحرب الهجومية، كانت الأمور في مصر تمضى، بالسر، نحو تفادى القيام بهذه الحرب مها كان الثمن. وفى الحقيقة أن رأى المؤسسة العسكرية المصرية كان مماثلا لرأى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وهو أنه إذا كان لامفر من الحرب، فلتكن حربا هجومية. وبمعنى آخر أنه إذا كان الاحتفاظ بالمكاسب السياسية الممثلة في إغلاق خليج العقبة في وجه الملاحة الإسرائيلية، وحرمانها من منفذها إلى البحر الأحمر، من شأنه حتما أن يؤدى إلى الحرب » فلتكن هذه الحرب حربا هجومية تكون المبادرة فيها في يد مصر.
وهذه الحقيقة ربا كانت منشأ القصة التي
أما الولايات المتحدة فقد كانت علاقاتها مع مصر في تحسن، إذ زار القاهرة الموفد الخاص للرئيس الأمريكي وتقررت زيارة لنائب رئيس مصر ومعه مستشار الرئيس للشؤون الخارجية للقاء جونسون في البيت الأبيض يوم 6 يونيو، كما كان من المقرر إجراء احتفال رسمي لقبول أوراق سفير الولايات المتحدة الجديد في مصر ريتشارد نولتي، كما سمحت الحكومة المصرية لحاملة الطائرات الأمريكية إنتر بريد المرور في قناة السويس كإشارة إلى حسن النوايا، والذي كان من المفترض أن يؤدي إلى إبعاد العمل العسكري، المرور الذي نصح الملك الحسين بتحاشيه.
اندلع القتال فجر 5 يونيو، وتبادل كل من مصر وإسرائيل الاتهامات حول البادئ بالهجوم، واستدعت معها انعقاد واحدة من أطول جلسات مجلس الأمن إذ دامت جلسته 12 ساعة.
تميزت بداية الحرب العربية الإسرائيلية الثالثة بهجوم مفاجيء قامت به القوات الجوية الإسرائيلية ضد المطارات والطائرات المصرية. وهو هجوم خططت له إسرائيل بعناية وتدريب قواتها الجوية على القيام به عدة مرات من قبل. وحقق هذا الهجوم نجاحا ساحقا ومدمرا فاق بكثير كل التوقعات التي كانت ترجوها هيئة الاركان الإسرائيلية. وكان لهذا الهجوم الجوي المفاجيء والكبير تاثير حاسم إلى اقصى درجة في التأثير على مجرى الحرب فيما بعد، مبقيا القليل من الشك في النصر الإسرائيلي النهائي.
لم تكن إسرائيل تمتلك في حرب 1948 سوى عدد قليل من الطائرات، وبعد نهاية هذه الحرب واجهت إسرائيل مصاعب جمة في الحصول على طائرات من أي نوع من الدول الكبرى. وعلى اية حال، فقد استطاعت إسرائيل، بوسائل غامضة، الحصول على طائرات بريطانية من طراز هاريكين وسبتفاير، وطائرات ألمانية من طراز مسرشميت مي 262، اشترتها من تشيكوسلوفاكيا، التي كانت تريطها بها حينذاك صلة صداقة. وهذه الطائرات القليلة ساعدت على ولادة سلاح الطيران الإسرائيلي الناشيء. وبعد فترة من التوقف عادت بعض الدول الكبرى، تبعا لسياساتها المتغيرة، إلى تزويد إسرائيل ببعض الطائرات، ولكن باعداد صغيرة تقل كثيرا عن احتياجات الدفاع الإسرائيلي في مواجهة احتمالات المواجهة مع العرب. ولم يتمكن السلاح الإسرائيلي من التوسع الكبير الا بعد ثورة الجزائر، وتدفق المساعدات المصرية للوطنيين الجزائريين. اذ اندفعت فرنسا بعد ذلك في اقامة جسور التعاون والصداقة مع إسرائيل، واتيحت الفرصة بذلكِ امام إسرائيل للحصول على طائرات فرنسية.
في سنة 1956، بعثت فرنسا لاسرائيل بكميات من السلاح والطائرات ولكن بعض طائرات الاوريغون كانت قد سلمت من قبل. وفي خلال حملة سيناء من 30 اكتوبرإلى 4 نوفمبر 1956 وصل التعاون الفرنسي الإسرائيلي إلى قمته. وكان أن وصلت أول طائرات الميستير، طراز 4، إلى إسرائيل ما بين أبريل وأغسطس سنة 1958. وبعد ذلك، تلقت إسرائيل أول طائرات الميراج النفاثة سنة 1960، وتوسع سلاح الطيران الإسرائيلي حتى أصبح أكثر من نصفه فرنسي الصنع، والباقي من طائرات فوغا ماجيستير المجمعة محليا.
وخصص أكثر من نصف ميزانية الحرب الإسرائيلية، أي ما يزيد على مئة وخمسين مليون جنيه استرليني، لقوات الطيران، بما يبين الافضلية التي اعطيت لهذا السلاح. وكان هنالك جدل قائم، وانما من وراء الجدران، حول تخصيص الاعتمادات الكبيرة من الميزانيات المحدودة والصغيرة، لشراء الطائرات، أو العربات القتالية المدرعة، ولكن مجموعة الطيران فازت برأيها. وبدات إسرائيل ببناء صناعة جوية خاصة بها. وكانت تشتري معظم احتياجات سلاحها الجوي من الاسواق العالمية، وبأسعار باهظة. وفي سنة 1952 اقامت شركة فوغا الفرنسية مصنع تجميع طائرات نفائة، وبدات سنة 1962 في إنتاج أنواع معدلة من طائرات فوغا ماجستير، ولكن هذه الطائرات لم تكن تكفي للدفاع عن إسرائيل، ولم يكن سلاح الجو الإسرائيلي سلاحا مستقلا ولكنه كان خاضعا لرقابة الاركان العامة الصارمة. وكان يتولى قيادته البريجادير مردخاي هود رئيس اركان الطيران، ويبلغ عدد العناصر الدائمة العاملة فيه ثمائية آلاف شخص من بينهم 1200 طيار، بعضهم تحت التمرين. وكان يمكن زيادة هذا العدد إلى ضعفيه في حالات الطوارئ، ولكن في نطاق الخدمات الارضية فقط والصيانة. وفي حالة التعبئة الكاملة، بما في ذلك عناصر الدعم المدنية، يبلغ عدد العاملين في السلاح الجوي حوالي عشرين الف شخص. وكانت إسرائيل تملك 450 طائرة من مختلف الانواع بما في ذلك الطائرات المروحية، وكانت « طائرات الخط الاول » وعددها 350 تتوزع على 13 سربا جويا من بينها خمسة اسراب اعتراض، وخمسة اسراب قاذفات مقاتلة، وسربان للمواصلات الجوية، وسربان طائرات مروحية.!!