بطلة ذكية، وقلم رصين، ورؤية تُنبأ بحس نقدي واع؛ تسطع شهريا دون سأم؛ إنهاأختى الجميلة Jalila Mezni وقراءة لنص طبق يدور للكاتب عمر حمش القراءة
قراءة نقدية:” القصة القصيرة ومتعة الرمزية”.
القصة القصيرة:”طبق يدور نموذجا”
ورشة القصة القصيرة:منال خطاب(مصر)
الكاتب:عمر حمش(فلسطين)
الناقدة: جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية: “القصة القصيرة ومتعة الرمزية”:
1- الرمزية في القصة:
لقد أسند الكاتب عمر حمش عنوانا للقصة القصيرة “طبق يدور” وقد ورد جملة اسمية تفيد بأصل وضعها ثبوت شيء لشيء ليس غيره .
فأيّ طبق يدور ؟ وعلى من يدور؟ سنكتشف ذلك في صلب التحليل.
استهلّ الكاتب القصة بصفتين (أصمّ/أبكم) مسندتين لضميري الغائب والغائبة(هو/هي).
والضميران الغائبان يرمزان الى الرجل والمرأة في المطلق وهما أصل الانسانية..
انها الرمزية الاجتماعية باعتبارهما زوجين.
انها الرمزية الدينية التي تعود لآدم وحوّاء من ناحية.
وهي أيضا الرمزية ذات المرجعية الانسانية من ناحية أخرى تدعم ثنائية المرأة والرجل و ثنائية الأنثى والذكر وهما أصل المجتمع الانساني.
لقد أسند الكاتب لهما صفتي الصمم والبكم فهما محرومان من حاستي السمع والنطق.
والسمع هو أبو الملكات على حدّ قول ابن خلدون فحاسة السمع فاعلة في بقية الحواس وتُحَرّكُها.
أما حاسة النطق فهي الكلام والتعبير وما يعني ذلك من رمزية لحرية التعبير.
ان هذا الحرمان من حاستي السمع والنطق له رمزيته الدلالية السلبية على “هو”و”هي”وبالتالي فهما مَسْلوبا الارادة وحرمانهما من حاستي السمع والنطق له رمزيته الحقوقية ..هما من وجهة نظر حقوقية قد سُلبَا حقّ السمع وحق النطق وبالتالي قد سُلبَا حقّ التفاعل مع الآخر فهما مجرّد مفعول به.
هذا المفعول به هو رمز وضع الشعوب المضطهدة وعلى رأسها فلسطين المحتلة التي يسعى الكيان الصهيوني بدعم غربي أن يفقدها سيادتها.
يقول الكاتب:”أصمّ هو وأبكم وهي كذلك” وبالتالي فحَبْل التواصل فيما بينهما منقطع وبما انهما أصل المجتمع فالتواصل بين أفراد المجتمع منعدم والحياة صمت كامل لا أحد يدلي برأيه. يقول الكاتب :”حياتهما صمت كامل ”
انه انعدام التواصل في الداخل (بينهما) ويؤدي حتما الى انعدام التواصل بالخارج (بين أفراد المجتمع الانساني :”لم يعرفا ما يدور بالخارج”) .
وأي حياة هي حياة ينعدم فيها التواصل الداخلي والحوارالخارجي ؟
ان الكاتب قد عبّرعن هذه السلبية ل: هو ول: هي بامتياز بحرْمانهما من حاستي السمع والنطق..والكاتب قد أبقى على حاسّة البصر للتواصل بينهما.
في هذا الاطار وانطلاقا من هذه الذخيرة النصية قد يتدخل القارئ مستنكرا ومتسائلا:
– أي فضل لحاسة البصر في غياب حاستي السمع والنطق؟
– ألا أن الابقاء على حاسة البصر يزيد في غيظ ال “هو” وال “هي” فيمُوتا بغيْظهما وهما يريان مالا يقدران على سماعه والتعبير عن الرأي فيه؟ .
قد يستدرك القارئ وقد يعتبر ان حاسة البصر هي رمز للتواصل باعتبار ان البصرهو العين الرقيبة ورمز التواصل.
رغم هذه السلبية المفروضة عليهما فان الكاتب ألقى بصيصا من الأمل في تلك الليلة والمتمثل في” ذبالة شمعة ترقص نورا باهتا” لكنهما لم يعرفا ما يدور بالخارج لان السماء “أبهرتهما بلون الرماد الفسيح فظنّا انه سكون الدنيا”
ان ذبالة الشمعة والتي ترمز الى النور والى بصيص من الأمل وسط لون السماء الرمادي الذي يرمز الى الظلام والظلم اللامحدود الممتد امتداد السماء جعل الكاتب ال :هو لم يستسلم لهذا اللون الرمادي المطبق و”صنع خيطا دقيقا وليس غيره يراه يمدّه ما بين الفتيلة والقمر المعلّق ويسير عليه بعينيه متنقلا باستئناس”
لعل الكاتب في جعل هذا الخيط الذي صنعه ال :هو لا يراه غيره له رمزيته الدلالية في انعدام التواصل مع الآخر والذي دعمه منذ البداية.
واستجابت ال:هي للظرف بشعرها المنثور وصنعت به طبقا .
والطبق عادة لتوزيع ما لذّ وطاب من المشروبات في المناسبات.
بيد ان هذا الطبق هو طبق أسود له رمزيته..انه طبق الحياة بسوادها وضلالها وظلامها وحزنها وكآبتها والموت المحقق . ولكل الشعوب المضطهدة انسانيا نصيبٌ في هذا الطبق (يدور).
والكاتب أوهم القارئ بأن ال: هي تحتفل مع ال: هو وكأنهما ثملان يترنّحان
و هي ترسل ضحكاتها وظلا يحلقان في سماء السعادة الى ان أسقطتهما أولى موجات الدخان بسبب النيران المشتعلة في السماء وأطفأت الشمعة وهي
آخر بصيص في الحياة لهما.
ان الكاتب ينقل لنا واقعا مريرا كالذي تعيشه غزة من ابادة جماعية.
يقول الكاتب”وهما يحدقان في بيت الجيران الذي أمسى كومة حطام…بعدها اهتزّ بيتهما الصغير..” ان البيتين المنهارين يرمزان الى كل البيوت بغزة التي أبيدت.
وأكثر من ذلك يأتي دور شهادة ال: هو وال :هي فيقول الكاتب:
“كانت رأته صرخ ولم تسمعه ورأت قبضة كفه عندما انبسطت وعيناه من بعيد ترمقانها من خلف كومة باطون..وكان رآها صرخت ولم يسمعها وبرز له نصف قدمها وشعرها انبسط ليدفّق سائلا لزجا يخضب خصلاتها بالاحمر”.
ان حاسة البصر بقيت تلعب دورها لتكون شاهدة على ما حدث لهما.
لعل تأكيد الكاتب على حاسة البصرانها رمز لشاهد عيان لما يحدث بغزة الشهيدة
ولعله الكاتب نفسه هو من كان شاهد عيان باعتباره فلسطينيا.
بيْد أن الكاتب لا يخفي عنّا تفاؤله حين أبقى على قبضة كفّ(هو) و نصف قدم (هي) وقبضة الكفّ ونصف القدم هما آثار (هو) و(هي)والتي ستبعث من جديد
فالكف رمز التنديد والقدم رمز المسيرة التي ستستمر.
2- متعة السرد في القصة القصيرة “طبق يدور” للكاتب عمر حمش:
1- أركان السرد:(الوصف والحوار):
أ- الوصف: لقد زهد الكاتب في الوصف باعتبار القصة القصيرة في خدمة الايجاز ودقة التعبير حيث ان كل كلمة وجملة تخدم الغرض من القصة وتضيف الى معناها.
ب- الحوار:
لقد زهد الكاتب في الحوار تجسيدا لحرمان شخصيتي القصة(هو/هي) من نعمة التواصل بسلبهما حقّ السمع وحقّ التعبير والكاتب يندّد في ذلك بانعدام الحوار بين الشعوب المضطهدة في الداخل والخارج.
2- مقوّمات السرد:
أ- الاطار الزمكاني:
ان الكاتب اختزل الزمان(في تلك الليلة) والمكان (من خلال النافذة) فكان الاطار الزمكاني نسبي وله دلالته ورمزيته في المطلق.
ب- الشخصيات :
اختزل الكاتب الشخصيات في امرأة ورجل (هو/هي) باعتبارهما مثنّى في صيغة الجمع.هما رمز الانسانية.
لقد جعل الكاتب الشخصيتين(هو/هي) متطوّرتين :من شخصيتين صامتتين (الصمم والبكم)الى متفاعلتين(حاسة البصر) الى مُتحَدّيتيْن(هو صنع خيطا../هي صنعت طبقا..) الى شهيدتين الى متفائلتين(ترك الكاتب على كفّه وعلى قدمها)
ج- الحبكة:
– الاحداث: هناك تسلسل منطقي للاحداث حتى لو كان مختصرا باعتبار ان القصة القصيرة هي شقيقة القصة القصيرة جدا فهي في خدمة ثنائية الايجاز والتكثيف وهي ثنائية يعبر عنها القاصّ المغربي عبد الله المتقي ب”تجويع اللفظ واشباع المعنى”.
– التحول: تتضمن القصة نقطة تطوّر في الاحداث (شهادة (هو) و(هي)).
د- الدلالة الكلية:
– المغزى: يمكن للقارئ ان يستنتج المغزى والرسالة من القصة (مواصلة المقاومة).
– الرمزية: تستخدم القصة رموزا لتعزيز المعنى(هو/هي) – (الخيط/الطبق)- (اللون الرمادي)-(كفّ هو/قدم هي…)
– الهدف: استمرارية مقاومة الشعوب المضطهدة.
ه- البنية: ختم الكاتب بقفلة مدهشة كسرت أفق انتظار القارئ حين ترك الكاتب أثرًا للشهيدين(كفّ ال:هو وقدم ال:هي).هذا الاثر لا بد من اقتفائه من طرف الآخر.وبالتالي فالمقاومة ستستمرّ.
3- مقاربة سريالية للقصة:
ان الكاتب لا يخفي عنّا تفاؤله حين أبقى على قبضة كفّ(هو) و نصف قدم (هي) وقبضة الكفّ ونصف القدم هما آثار (هو) و(هي)والتي ستبعث من جديد
فالكف رمز التنديد والقدم رمز المسيرة التي ستستمر.
لعل الكاتب باستخدام الرمزية بامتياز ووفق مقاربة سريالية يرفض واقعا ويتوق الى واقع آخر:
– ان الكاتب يرفض واقعا فيه الانسان بلا هوية ..انه يرفض ان يكون الانسان مبهما بضمير الغائب(هو/هي)
– انه يرفض واقعا فيه الانسان فاقد لحواسه(أصم/أبكم) غير واع بمحيطه(ينظر من خلال النافذة).
– انه يرفض واقعا سُلبتْ من الانسان فيه حرية التعبير.
– انه يرفض واقعا انعدم فيه الحوار.
* وفي المقابل:
– يتوق الكاتب الى واقع يكون الانسان فيه متحدّيا(تحدي هو وهي لحاستيْ السمع والنطق بحاسة البصر للتواصل).
– يتوق الى مجتمع انساني يكون الانسان فيه فاعلا لا مفعولا به
– يتوق الى واقع يكون الانسان فيه متفائلا(هو صنع خيطا/ هي صنعت طبقا)
– يتوق الى واقع يقاوم الظلم والاضطهاد أبا عن جدّ:الشهادة متواصلة حتى النصر.
ان الكاتب يرفض الواقع المرير الموجود ويتوق الى واقع منشود يحقق فيه الانسان(هو/هي) انسانيته انها ثنائية الموجود والمنشود وثنائية الواقع واللاواقع .
سلم قلم المبدع المسكون بتغيير الواقع المرير شعورا منه بالانتماء الانساني.
بتاريخ 25/06/.2024