في مثل هذا اليوم 23 يناير 1913م..
مجموعة من أعضاء الاتحاد والترقي يقتحمون الباب العالي مقر الصدارة العظمى العثمانية، ويرغمون السلطان العثماني محمد رشاد على تعيين محمود شوكت باشا صدرًا أعظمًا وناظرًا للداخلية.
جمعية الاتحاد والترقي (بالتركية العثمانية: إتحاد و ترقى جمعيتی)، التي أصبحت بعدها حزب الاتحاد والترقي (بالتركية العثمانية: إتحاد و ترقى فرقه سی) هي منظمة ثورية سرية تأسست باسم جمعية الاتحاد العثماني (بالتركية العثمانية: اتحاد عثماني جمعيتی) في إسطنبول يوم 6 فبراير 1889، وأنشأها مجموعة من طلبة الطب في مدرسة الطب العسكرية الكبرى. وتحولت فيما بعد إلى منظمة سياسية وأصبحت الفصيل الأول في حركة تركيا الفتاة. وفي الغرب اندمجت الجمعية مع حركة تركيا الفتاة الأوسع وأطلق على أعضائها اسم أعضاء تركيا الفتاة، بينما عُرف أعضاؤها داخل الدولة العثمانية باسم إتحادجي أو كوميتجي، وتعني الوحدويين والمنتمين إلى الجمعية على التوالي.
بدأت الجمعية لتكون حركة إصلاح ليبرالية داخل السلطنة، ولكنها تعرضت للاضطهاد ونفتها حكومة عبد الحميد الثاني الأوتوقراطية بسبب دعواتها لإرساء الديمقراطية والعلمانية والإصلاح في الدولة. وبحلول سنة 1906 كانت الجمعية استلهمت أفكارا ثورية من الطاشناق وIMRO ، فتحولت الجمعية إلى تنظيم شبه عسكري سري، وتسللت إلى وحدات الجيش العثماني المتمركزة في روملي. وفي 1908 أجبرت جمعية الاتحاد والترقي عبد الحميد على إعادة دستور 1876 في ثورة تركيا الفتاة، وبالتالي تأسيس حقبة المشروطية الثانية للدولة. وبعد الثورة تحولت الجمعية لتكون حزب سياسي. وكان منافسها هو الاتحاد الليبرالي أحد فصائل حركة تركيا الفتاة، ويدعو إلى ليبرالية أكثر ومؤيد لللامركزية الدولة، في معارضة لرغبة الجمعية في إقامة دولة عثمانية مركزية ووحدوية تسيطر عليها تركيا.
عززت الجمعية قوتها على حساب الاتحاد الليبرالي سنة 1912 في انتخاب الهراوات وغارته 1913 على الباب العالي، ولكنه أصبح أكثر انقسامًا وتطرفًا وقومية بعد الهجمات على مواطني الدولة الأتراك في حروب البلقان في الفترة من 1912 إلى 1913. وبعد اغتيال الصدر الأعظم محمود شوكت باشا أنشأ الاتحاد والترقي دولة الحزب الواحد التي فرضت القومية التركية، مع اتخاذ قراراتها الرئيسية في اللجنة المركزية للحزب. هذه الدولة ذات الحزب الواحد هي السابقة الأولى في العالم، وضربت مثالاً لأنظمة الحزب الواحد المستقبلية، خاصة في أوروبا مابين الحربين العالميتين. وتمكن زعيمها طلعت باشا بالإضافة إلى أنور باشا وجمال باشا (المعروفين باسم الباشوات الثلاثة) من حكم الدولة العثمانية ووقفوا إلى جانب ألمانيا في الحرب العالمية الأولى. قام نظام اللجنة (بالتركية العثمانية: تشکیلات مخصوصه) بسن سياسات أدت إلى تدمير وطرد مواطني الإمبراطورية من الأرمن واليونانيين والآشوريين والسريان المسيحيين لتحقيق Türk Yurdu: تتريك الأناضول.
بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى هرب قادتها إلى المنفى في أوروبا، واغتيل هناك كلا من طلعت وجمال باشا في عملية نمسيس انتقاما لسياسات الإبادة الجماعية. تمت محاكمة العديد من أعضاء جمعية الاتحاد والترقي في محاكم عسكرية وسجنوا في بسبب جرائم الحرب من قبل اتحاد ليبرالي أعيد تأهيله بدعم من السلطان محمد السادس وقوى الحلفاء. ومع ذلك تمكن معظم الاتحاديين السابقين من الانضمام إلى الحركة التركية الوطنية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك ، واستمروا في نهاية المطاف في حياتهم السياسية في تركيا كأعضاء في حزب الشعب الجمهوري بزعامة أتاتورك.
رغب كلا من الصدر الأعظم كامل باشا ووزير حربيته ناظم باشا ووزير الداخلية أحمد رشيد بك في إغلاق جمعية الاتحاد والترقي، لذلك شنت الجمعية ضربة استباقية وانقلابًا معروفًا باسم الغارة على الباب العالي في 23 يناير 1913. خلال الانقلاب أُجبر كامل باشا على الاستقالة من منصبه تحت تهديد السلاح وقتل الضابط الاتحادي يعقوب جميل ناظم باشا. تم تبرير الانقلاب بأن كامل باشا كان على وشك «بيع الأمة» من خلال الموافقة على هدنة في حرب البلقان الأولى والتخلي عن أدرنة. فسيطرت على القيادة الجديدة مجموعة من الاتحاديين رفيعي المستوى مكونة من طلعت بك وأنور بك وجمال بك وخليل منتشي بك برئاسة محمود شوكت باشا (الذي قبل الدور على مضض). فكان توجه تلك القيادة هو كسر الهدنة وتجديد الحرب ضد بلغاريا. ومرة أخرى لم يستولي الاتحاد والترقي على الحكومة، بل اختار بدلاً من ذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية؛ تم تعيين أربعة وزراء اتحاديين فقط في الحكومة الجديدة، من ضمنها عودة طلعت بك إلى منصب وزير الداخلية، وهو المنصب الذي احتفظ به حتى 1918.
الصفحة الأولى من صحيفة لو بوتي جورنال في فبراير 1913 تصور مقتل وزير الحرب ناظم باشا في انقلاب 1913
نتج عن الانقلاب مباشرة حالة طوارئ أكثر قسوة مما نفذته الحكومات السابقة. وأصبح جمال بك قائدًا عسكريًا جديدًا للأستانة، ومسؤولاً عن اعتقال العديد من المعارضة وخنقها بشدة. في تلك المرحلة لم يعد الاتحاد والترقي مهتمًا بأفعاله التي تعتبر دستورية.
سحب النظام المؤيد للحرب وفد السلطنة من مؤتمر لندن في نفس اليوم الذي تولى فيه السلطة. كانت المهمة الأولى للنظام الجديد هي إنشاء لجنة الدفاع الوطني في 1 فبراير 1913 والتي كانت تهدف إلى تعبئة موارد الدولة لبذل كل الجهود لقلب المعادلة. ففي 3 فبراير 1913 استؤنفت الحرب. وقامت الحكومة الجديدة بعملية جريئة كان من المفترض أن يقوم فيها الفيلق العاشر بالجيش بهبوط برمائي في مؤخرة البلغار في شركوف في حين تندفع قوة المضيق المركبة من شبه جزيرة جاليبولي. فشلت العملية بخسائر فادحة بسبب عدم التنسيق. بعد التقارير التي أفادت أن الجيش العثماني ليس لديه أكثر من 165,000 جندي لمواجهة 400,000 من جيش العصبة، إلى جانب الأخبار التي أفادت بانهيار الروح المعنوية في الجيش بعد استسلام أدرنة لبلغاريا في 26 مارس، وافق النظام المؤيد للحرب أخيرًا على هدنة 1 أبريل 1913 ووقعت معاهدة لندن في 30 مايو، معترفة بخسارة روملي كلها باستثناء الأستانة.
دفعت أنباء فشل الاتحاد والترقي في إنقاذ روملي إلى قيام كامل باشا بتنظيم انقلاب مضاد لينهي حكومة الاتحاديين ويعيد الاتحاد الليبرالي إلى السلطة. ولكن تم وضعه قيد الإقامة الجبرية في 28 مايو، إلا أن المؤامرة استمرت بهدف اغتيال الصدر الأعظم محمود شوكت باشا وكبار الاتحاديين. وفي 11 يونيو اغتيل محمود شوكت باشا من قبل أحد أقارب ناظم باشا انتقاما لمقتله. ويعتبر محمود شوكت باشا آخر شخصية مستقلة في السلطنة. وباغتياله سيطر الاتحاديون بالكامل على مفاصل الدولة. وملئت اللجنة المركزية للحزب فراغ السلطة في الجيش الناتج عن وفاة شوكت باشا. فقمع الاتحاد والترقي أي معارضة متبقية أمامهم، وخاصة الاتحاد الليبرالي. قدم جميع المسؤولين الإقليميين والمحليين تقارير إلى «الأمناء المسؤولين» الذين اختارهم الحزب لكل ولاية. وعين محمد الخامس سعيد حليم باشا الذي كان مرتبطًا بشكل فضفاض بالاتحاد والترقي، ليكون بمثابة الصدر الأعظم حتى حل محله طلعت باشا سنة 1917. وقد أصدرت المحاكم العسكرية أحكام بالإعدام على 16 من قادة الاتحاد الليبرالي، ومنهم الأمير صباح الدين الذي حُكم عليه غيابياً، بسبب هروبه إلى منفاه في جنيف.
بعد الاستسلام في حرب البلقان الأولى، ركز الاتحاديون على استعادة أدرنة، في حين تجاهلوا تماما القضايا المهمة الأخرى مثل الانهيار الاقتصادي والإصلاح في شرق الأناضول والبنية التحتية. وفي 20 يوليو 1913 اندلعت حرب البلقان الثانية بعد مهاجمة العثمانيون بلغاريا، وفي اليوم التالي استعاد الكولونيل أنور باشا أدرنة، فأصبح بذلك بطلًا قوميًا. وبعدها أرسلت المنظمة الخاصة فدائييها الاتحاديين وضباط صغار لتنظيم السكان الأتراك في تراقيا لشن حرب عصابات ضد البلغار. بموجب شروط معاهدة بوخارست في سبتمبر 1913 استعاد العثمانيون بعض الأراضي التي فقدوها في تراقيا خلال حرب البلقان الأولى.!!
Discussion about this post