في مثل هذا اليوم 1 فبراير 1979م..
روح الله الموسوي الخميني يصل إلى العاصمة الإيرانية طهران بعد غياب في المنفى استمر 15 عامًا.
روح الله بن مصطفى بن أحمد الموسوي الخميني (بالفارسية: سید روح الله موسوی خمینی)، (24 سبتمبر 1902 ، 21 رجب 1320هـ – 3 يونيو 1989، 28 شوال 1409هـ) رجل دين ومرجع ديني وفيلسوف وكاتب وسياسي شيعي إيراني وكان مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمرشد الأعلي للثورة الإسلامية عام 1979 التي شهدت الإطاحة بالملكية البهلوية ومحمد رضا بهلوي، الشاه الأخير في إيران والذي سبقه الشاه رضا بهلوي. بعد الثورة، أصبح روح الله الخميني المرشد الأعلى لإيران في الفترة من (1979-1989)، وهو منصب تم إنشاؤه في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية كأعلى سلطة سياسية ودينية للأمة. وخلفه علي خامنئي في 4 حزيران/يونيو 1989.
كان الخميني مرجعا دينيا في الشيعة الإثنا عشرية، وهو مجتهد أو فقيه (خبير في الشريعة الإسلامية) ومؤلف أكثر من 40 كتابا، لكنه معروف في المقام الأول لأنشطته السياسية. أمضى أكثر من 15 عاما في المنفى لمعارضته للشاه الأخير. في كتاباته ووعظه وسع نظرية ولاية الفقيه، لتشمل الحكم السياسي الثيوقراطي من قبل الفقهاء الإسلاميين. هذا الأصل (وإن لم يكن معروفا للجمهور الأوسع قبل الثورة) تم إلحاقه بالدستور الإيراني الجديد بعد طرحه للاستفتاء.
سمته مجلة التايم (الأمريكية) برجل العام في سنة 1979. كان الخميني معروفا بتأييده لمحتجزي الرهائن خلال أزمة رهائن إيران، وفتواه الداعية إلى قتل الروائي الهندي البريطاني سلمان رشدي، والإشارة إلى الولايات المتحدة بأنها «الشيطان الأكبر» والاتحاد السوفياتي باسم«الشيطان الأصغر». وقد تعرض الخميني لعدة محاولات لقتله.
كما أشاد بانه «زعيم كاريزمي من شعبية هائلة» وهو «بطل النهضة الإسلامية» من قبل العلماء الشيعة، الذي حاول إقامة علاقات طيبة بين السنة والشيعة، ومبتكر رئيسي في النظرية السياسية والاستراتيجية السياسية الشعبية ذات التوجه الديني.
وحمل الخميني لقب آية الله العظمى، والمعروف رسميا باسم الإمام الخميني داخل إيران ومؤيديه دوليا. ويشار إليه عموما باسم آية الله الخميني من قبل الآخرين.
وكان كالأب الروحي لعدد من الشيعة داخل إيران وخارجها. درجته الحوزوية آية الله وتضاف إليها العظمى لأنه بلغ الاجتهاد في نظر الشيعة وأصدر رسالته العملية، أي مجموعة فتاواه في العبادات والمعاملات في الإسلام.
واصلة النضال دفعت الشاه محمد رضا بهلوي لارتكاب إحدى أخطائه التي تمثّلت في مهاجمة المدرسة الفيضية بمدينة قم في الحادي والعشرين من آذار عام 1963 م، وما هي إلاّ فترة وجيزة حتى انتشر خطاب روح الله الخميني وتصريحاته حول هذه الفاجعة في مختلف أنحاء إيران. وفي عصر اليوم العاشر من شهر المحرّم عام 1383 هـ (3 يونيو1963 م) أشار الخميني عبر خطاب حماسي، إلى العلاقات السرّية القائمة بين الشاه وإسرائيل ومصالحهما المشتركة. وفي الساعة الثالثة بعد منتصف ليل اليوم التالي، حاصرت القوات الحكومية الخاصة بيته، وتم اعتقاله وإرساله مكبّلاً إلى طهران.
انتشر خبر اعتقال الخميني بسرعة في مختلف أنحاء إيران. وبمجرّد أن سمعت الجماهير خبر اعتقاله، نزلت إلى الشوارع منذ الساعات الأولى من فجر الخامس من حزيران 1963 م، وراحت تعبّر عن استنكارها لعمل الحكومة في تظاهرات حاشدة، أعظمها تظاهرة مدينة قم، التي شهدت أكبر هذه الاستنكارات، والتي هاجمتها قوات النظام بالأسلحة الثقيلة، وكانت نتيجتها سقوط العديد من المتظاهرين مضرّجين بدمائهم. ومع إعلان نظام الشاه الأحكام العرفية في طهران، إشتد قمع التظاهرات في تلك الأيام، حيث قتلت وجرحت قوات الحكومة العسكرية الآلاف من المتظاهرين المدنيين الأبرياء. كانت هذه المذبحة في نهاية القسوة والشدة حتى أخذت أخبارها تتناقل وسائل الإعلام العالمية والمحلية. وأخيراً، ونتيجة لضغط الرأي العام واعتراضات العلماء والشعب، داخل البلاد وخارجها، اضطر نظام الشاه إلى إطلاق سراح الخميني بعد عشرة أشهر تقريباً من المحاصرة والاعتقال.
حتشد ملايين وملايين الإيرانيين على مسافة 32 كيلومترا في الأول من شباط/فبراير لاستقبال آية الله الخميني العائد من المنفى، واختفت سيارته على مدى ساعات وسط مد بشري يتدافع حوله.
بالكاد خرج من مطار طهران حيث هبطت طائرته عند الساعة 9,00 بالتوقيت المحلي، احتشد ملايين الأشخاص حول الإمام الخميني الذي بدت عليه علامات التأثر لكنه ظل متماسكا وهادئا.
استقل الإمام الخميني الذي ارتدى ثوبا أسود وعمامة سوداء سيارة تبعها موكب من الحافلات الصغيرة التي كانت تقل صحافيين قدموا من العالم بأسره.
وكان يفترض بخمسة آلاف متطوع أن يعملوا على احتواء الحشود. لفّوا أذرعهم بشارات خضراء، وأطلقوا على أنفسهم اسم “الشرطيين الإسلاميين”. وأوكلت إليهم الحكومة مسؤولية ضمان أمن آية الله الخميني.
لكن هذا الجهاز لم يتمكن من ضبط المستقبلين، ففي غضون ثوان قليلة، اختفت سيارة الخميني وسط الحشود الكثيفة التي كانت تعرقل مرور عشرات سيارات الإسعاف المحملة بأشخاص فقدوا وعيهم بسبب الضغط الكثيف للجماهير التي تجمعت على مدّ النظر في كل جادات طهران.
كم كان عددهم؟ خمسة ملايين أو حتى ستة ملايين… يتعذر القول. وهو أمر غير مسبوق في مطلق الأحوال.
عند مدخل العاصمة أعيدت تسمية النصب التذكاري الكبير للشاه، رمز إيران الحديثة، ساحة الخميني.
أين أصبحت سيارة الخميني الآن؟ لا نعلم. لقد اختفى في مكان ما وسط هذا المد البشري وهذا الضجيج، وسط هذه الموجة التي ارتفعت وسطها مئات آلاف الصور لقائد “الثورة الإسلامية”.
حضرت كل النساء وقد ارتدين التشادور وحملن زهرة حمراء. منذ الفجر وهن يرددن “الخميني قائدنا”. وارتفعت لافتات كتب عليها “الخميني، أهلا بك في بلادك”، وردد الرجال “الله أكبر”.
كان رجال الدين يرشون ماء الزهر على المحتشدين.
في العاصمة حيث كانت الشمس ساطعة فيما الثلج يعلو الجبال المحيطة بها، كان يتردد هتاف واحد “الخميني، الخميني”.
وخلت العاصمة بالكامل من العسكريين.
في بعض الأحيان، عمدت الحشود التي التقت أخيرا “مرشدها” بعد منفى استمر 14 عاما وثلاثة أشهر، الى رفع السيارة التي كانت تقل الخميني وحملها على مدى بضعة أمتار.
وردد أكثر المتحمسين “عودتكم تعني إعلان الجمهورية الإسلامية”.
وقال رجل دين اعتمر عمامة بيضاء “من كان ليصدّق قبل ستة أشهر فقط أن الخميني سيعود الى إيران وسيرحب به اليوم ملايين المسلمين؟”.
وبدا كل فرد مدركا بالفعل لمعنى عودة الخميني بعدما اتخذ رحيل الشاه تحديدا طابع المنفى.
حين هبطت طائرة البوينغ 747 التي كانت تقل الخميني في طهران، صمت الجميع. ونزل آية الله الخميني سلّم الطائرة وسط الصمت. عاد الى بلاده ليرى عاصمتها وقد تغيرت كثيرا في فترة غيابه وعلتها الأبراج الحديثة.
بعد دقائق، وجه آية الله الخميني نداء الى الوحدة قائلا “إن النضال لم ينته. رحيل الشاه ليس سوى الشقّ الأوّل من الطريق الواجب اتباعه”.
ثم ندد آية الله الخميني بشدة بعدوه قائلا “الشاه دمّر كل شيء، ثقافتنا وجامعتنا والاقتصاد والزراعة. سنهدم النظام الذي أقامه”.
وبدت كل إيران وكأنها على موعد مع آية الله الخميني الخميس. من المطار الى “مقبرة شهداء الثورة الإسلامية” في طهران، الموقع الرمزي لحركة الاحتجاج الدينية التي قامت ضد الشاه، حيث كان في انتظاره حشد كبير، أدرك آية الله خامنئي أن شعبا بكامله يتبعه وينتظر منه أن “يرشده الى الطريق الواجب سلوكه”.!!
Discussion about this post