في مثل هذا اليوم 3 فبراير 1451م..
وفاة مراد الثاني، سلطان عثماني.
خيرُ المُلُوك السُلطان الغازي أبي الخيرات مُعز الدين وسياج المُسلمين مُراد خان الثاني بن مُحمَّد بن بايزيد العُثماني (بالتُركيَّة العُثمانيَّة: خيرُ المُلُوك غازى سُلطان مُراد خان ثانى بن مُحمَّد بن بايزيد عُثمانى؛ وبالتُركيَّة المُعاصرة: Sultan II. Murad Han ben Gazi Sultan I. Mehmed Han)، ويُعرف اختصارًا باسم مُراد الثاني أو خُوجة مُراد (بالتُركيَّة العُثمانيَّة: خوجۀ مُراد؛ وبالتُركيَّة المُعاصرة: Koca Murad)؛ هو سادس سلاطين آل عُثمان ورابع من تلقَّب بِلقب سُلطانٍ بينهم بعد والده مُحمَّد وجدُّه بايزيد وجد والده مُراد، وأوَّل من لُقِّب بِالـ«ثاني» من سلاطين آل عُثمان، وأوَّل من قُلِّد سيف عُثمان الغازي عند البيعة.
تولَّى مُراد الثاني عرش الدولة العُثمانيَّة بعد وفاة والده مُحمَّد، واشتهر بين مُعاصريه بِلُجوئه إلى مُسايسة أعدائه كُلَّما كان بِوسعه ذلك، وكان – على الرُغم من ذلك – مُغرماً بِالفُتُوحات، على أنَّهُ لم يشن حربًا إلَّا وهو واثق من النصر، وكان ذا حزمٍ وعزمٍ، وهو وإن لم يُضارع أسلافه في الفُتُوح إلَّا أنَّهُ كان جديرًا بِأن يشترك مع والده بِحمل لقب الباني الثاني لِلدولة العُثمانيَّة، وذلك لِأنَّ السُلطانين توصَّلا بِجُهُودهما الكبيرة إلى إعادة الشأن لِلدولة العُثمانيَّة كما كان لها قبل نكسة أنقرة على يد المغول بِقيادة تيمورلنك. حاصر مُراد الثاني القُسطنطينيَّة بِجيشٍ عظيم لكنَّهُ لم يُوفَّق إلى فتحها، وكان حصارها عقابًا لِلرُّوم على إطلاقهم سراح الشاهزاده مُصطفى بن بايزيد، عم السُلطان مُراد المُدِّعي بِالحق في عرش آل عُثمان، وإثارة الأخير بلبلة في وجه ابن أخيه. وتمكَّن السُلطان مُراد من إخضاع جميع الإمارات التُركمانيَّة في الأناضول التي كان جدُّه بايزيد قد ضمَّها إلى الدولة العُثمانيَّة ثُمَّ أقامها تيمورلنك مُجددًا لمَّا تغلَّب على العُثمانيين في معركة أنقرة، كما أجبر الإمبراطور البيزنطي على الخُضُوع لِلدولة العُثمانيَّة ودفع جزية معلومة، واستطاع الاستيلاء على كُل الحُصُون والقلاع التي كانت لم تزل تحت تصرُّف الرُّوم في سواحل الروملِّي وبلاد مقدونيا وتساليا. واستخلص كُل المُدن الواقعة وراء برزخ كورنثة حتَّى باطن المورة. بعد ذلك حاول مُراد الثاني أن يُخضع البلقان لِسيطرته ويضمُّه إلى ديار الإسلام، لكنَّ البابا إيجين الرابع تخوَّف من التمدُّد الإسلامي في قلب أوروپَّا لا سيَّما بعدما استنجد به الإمبراطور البيزنطي يُوحنَّا الثامن پاليولوگ، فعقدت البابويَّة مُحالفة بين عدَّة مُلُوك غربيين كي يُساعدوا الرَّوم على مُحاربة المُسلمين وتخليص البلقان منهم، ووعد الإمبراطور البيزنطي مُقابل ذلك أن يسعى لِإقناع بطريركيَّة القُسطنطينيَّة المسكونيَّة وجميع بطاركة الشرق بِالخُضُوع لِلبابا. بناءً على هذا، قامت حملة صليبيَّة كبيرة سنة 846هـ المُوافقة لِسنة 1442م، تألَّفت من قُوَّاتٍ مجريَّةٍ بِالمقام الأوَّل، وعلى رأسها يُوحنَّا هونياد، والتقت بِالعُثمانيين عند مدينة نيش، فهزمتها هزيمة قاسية كان من نتائجها بعثُ الروح الصليبيَّة في أوروپَّا، وإعلان النضال الديني ضدَّ العُثمانيين.
بعد هزيمته النكراء ووفاة ابنه علاء الدين، شعر السُلطان مُراد بِتعبٍ من أعباء السلطنة وهُمُوم الدُنيا، فتنازل عن المُلك لِولده مُحمَّد، وانقطع لِلعبادة في تكيَّة مغنيسية وانتظم في سلك الدراويش. ولمَّا سمعت الدوائر الحاكمة في أوروپَّا بِذلك فسخت الهدنة وجهَّزوا جُيُوشًا لِمُحاربة الدولة العُثمانيَّة، فأُجبر السُلطان مُراد على الخُرُوج من عُزلته والعودة إلى السلطنة لِإنقاذها من الأخطار المُحدقة بها، فقاد جيشًا جرَّارًا والتقى بِالعساكر الصليبيَّة عند مدينة وارنة (ڤارنا) البُلغاريَّة وانتصر عليها انتصارًا كبيرًا، ثُمَّ عاد إلى عُزلته لكنَّهُ لم يلبث بها طويلًا هذه المرَّة أيضًا، لأنَّ عساكر الإنكشاريَّة ازدروا بِالسُلطان مُحمَّد الفتى، وعاثوا فسادًا في العاصمة أدرنة، فعاد السُلطان مُراد إلى الحُكم لِلمرَّة الأُخرى، وأشغل جُنُوده بِالحرب في أوروپَّا، وبِالأخص في الأرناؤوط، لِإخماد فتنة إسكندر بك الذي شقَّ عصا الطاعة وثار على الدولة العُثمانيَّة، لكنَّ المنيَّة وافت السُلطان قبل أن يُتم مشروعه بِالقضاء على الثائر المذكور، وذلك في 11 مُحرَّم 855هـ المُوافق فيه 13 شُباط (فبراير) 1451م.
كان مُراد الثاني شاعرًا ينظم القصائد بِالفارسيَّة والعربيَّة والتُركيَّة، وشهد عهده أهم الخُطُوات على صعيد الحياة الثقافيَّة العُثمانيَّة؛ وخاصَّةً على صعيد الفلسفة السياسيَّة، ويُسجِّل عهده نهاية الثقافة العُثمانيَّة المُتأثرة بِالثقافتين العربيَّة والفارسيَّة، من واقع ظُهُور أولى المُؤلَّفات المُسهبة بِاللُغة التُركيَّة التي أخذت تحل محل لُغتيّ الأدب العربيَّة والفارسيَّة. وكان هذا السُلطان جليلًا صالحًا، اهتمَّ بِالعلم واعتنى بِالعُلماء، كما كان واسع العطاء بحيث خصَّص الحرمين الشريفين بِمبلغ ثلاثة آلاف وخمسُمائة دينار سنويًّا. وقد وصفه المُؤرِّخ ابن تغري بردي بِقوله: «… وَكَانَ خَيْرُ مُلُوكِ زَمَانِهِ شَرْقًا وَغَربًا، مِمَّا اشتَمَلَ عَلَيهِ مِنَ العَقلِ وَالحَزمِ وَالعَزمِ وَالكَرَمِ والشَّجَاعِةِ وَالسُّؤدَدِ، وَأَفْنَى عُمْرَهُ فِي الجِهَادِ فِي سَبِيلِ الله تَعَالَىٰ، وَغَزَا عِدَّةَ غَزَوَات، وَفَتَحَ عِدَّة فُتُوحَات، وَمَلَكَ الحُصُونَ المَنِيعَة، وَالقِلَاعَ وَالمُدُن مِنَ العَدُوِّ المَخذُولِ…».!!
Discussion about this post