تحضيرات رمضان
بقلم :ماهر اللطيف
تجولنا هذا الصباح في شوارع المدينة طويلا ونحن نتبادل أطراف الحديث ونبدي أراءنا في العديد من القضايا الهامة أحيانا و التافهة أحيانا أخرى – وكانت الطاغية على المشهد -، وكنا نحيّ هذا ونكلم ذاك ونقف مع الآخر ونستدعي آخر وهكذا، إلى أن انتصف النهار وسمعنا صوت الحق يتلألأ من صوامع المدينة فقفلنا راجعين إلى منازلنا لنعتكف فيها ونعطي ساكنيها ما يستحقونه من عناية واحاطة وغيرها، ونتعبد ونقوم بواجباتنا الاعتيادية التي يقوم بها كل عاقل ومتزوج واب في المجتمعات الشرقية.
وفي الأثناء، تطرقنا إلى استعداداتنا لشهر رمضان المبارك الذي سيحل ركبه غدا ان شاء الله – إن ثبتت رؤية الهلال من طرف المختصين وصادق على ذلك أئمتنا وشيوخنا وولاة امورنا- من جميع النواحي والزوايا، وخلصنا إلى أننا مجتمع مبذّر وغير مسؤول، يجري وراء المظاهر والشهوات ،يقترض ويتحايل ويحصل على الأموال بشتى الطرق من أجل تحقيق ذلك ثم يشبع سلات المهملات إلى حد اغراقها بالمأكولات والمشروبات وغيرها التي جهزت أثناء الصيام وصام عن تناولها الصائمون عند الإفطار…
ومنها،تذكرنا كيف كانت تحضيراتنا لهذا الشهر منذ عقود خلت عادية إلى أبعد الحدود رغم أهمية الحدث متى كانت القناعة والبساطة شعاراتنا، والحب والصدق والتآخي والتآزر أفعالنا، والتعاون والتضامن والتكافل مصادر مشاعرنا وملهمة تصرفاتنا، والكرم والجود والتصدق خصالنا، وغيرها من الصفات التي كانت تميز المسلمين وتوحدهم وتجعلهم مرجعا اساسيا من مراجع الإنسانية ومثالا يحتذي به لكل من يحلم بالسعادة والفرح ويرنو إلى تلذذ نكهة هذا الشهر خاصة فيما يتعلق بالإيمان وقراءة القرآن والتعكف في المساجد وغيرها….
فقد كانت موائدنا بسيطة رغم تغيرها عن العادة وتنوعها، لذيذة بما ان الخضر والغلال وسائر المكونات طبيعية لا مصنعة وملونة بالمواد والاسمدة الكيميائية وغيرها كما هو حالنا اليوم، فيها بركة وطعم خاص رغم شح الكميات ومحدودية المطبوخ – نتيجة تبادل الأطباق بين الجيران والبحث عن جوعى وفاقدي السند والامكانيات والفقراء وعابري السبيل وغيرهم-…
ومازلنا كذلك حتى قال عبد الملك بصوت مرتفع بحماسة وجدية واندفاع كبير جعلنا ننتبه لقوله أيما انتباه (خمسيني العمر، معلم، اب لثلاثة أولاد، أرمل، قصير القامة واسمر البشرة) :
– حسبنا الله ونعم الوكيل فينا جميعا، أرجو أن يغفر الله لنا اهمالنا وتقاعسنا وتقصيرنا وعدم اكتراثنا بغيرنا…
– (يقاطعه بقوة رسلان وهو ثلاثيني العمر، أستاذ تعليم ثانوي، متزوج وليس له ابناء، طويل القامة وأسود البشرة) صدقت صديقي، فنحن ننعم بمحتويات الأطباق وهم يضيقون عليهم الخناق ويقتلونهم ويجوعونهم ويستعرضون كل ما يجيدونه من فقر في الأخلاق وانعدام لكل قانون وميثاق…
– (رمضان مواصلا في نفس السياق وهو أربعيني العمر، عامل يومي، متزوج واب لطفلين، متوسط القامة وابيض البشرة)صبرا جميلا يا أهل غزة، يا رمز التحدي والعزة، فنحن مكبلوا الأيادي ولا نملك شيئا نقوم به نحوكم غير الدعاء والتبرع بما نستطيع…
وواصلنا تحليل الوضع في غزة وما يقوم به “بنو صهيون” تجاه اخواننا في فلسطين المحتلة من تجويع وتقتيل وتشريد قسري وطوعي وغيرها من الجرائم َوالابادة الجماعية تحت أنظار العالم الذي اكتفي – قلة قليلة منه للأمانة – بالشجب والتنديد والدعوة إلى وقف وقتي لهذه الحرب غير المتوازنة واعطاء المفاوضين فرصة لحل كل الاشكاليات في مرحلة أولى قد تؤدي إلى وقف شامل ودائم لهذه المجازر لاحقا.
كما اجمعنا على تخاذل الدول العربية عامة والاسلامية خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية و المقدسات المتواجدة على هذه الأرض السمحاء وشعبها المناضل، واسلمنا أن قادتنا في خانة شعوبنا في خانة أخرى كما ابرزته المظاهرات وردود فعل بعض الأحزاب والمنظمات وغيرها على غرار حزب الله في لبنان والحيوثيون في اليمن…..
واعربنا عن رفضنا لسياسة ساساتنا في هذا الملف واشدنا بما تقوم به جنوب افريقيا وما تبذله من جهود من أجل نصرة القضية واعلاء رايتها ومتابعة الجناة قضائيا ودوليا رغم انحياز بعض الدول الكبرى والعظمى ومساندتهم اللامشروطة لهؤلاء الظلمة والغزاة على غرار أمريكا وانقلترا وفرنسا والمانيا وغيرها من الدول ومنها العربية والإسلامية وخاصة منها المطبعة مع هذا الكيان الغاشم والمغتصب لأرض الإسراء والمعراج للأسف…