.قراءة نقدية:” القصيدة والجنة المفقودة”
القصيدة:(“أفشل دائما في الحبّ”نموذجا)
الشاعر :عبد الله المتقي(المغرب)
الناقدة :جليلة المازني(تونس)
التفريغ النصي: الحبّ واللاحبّ.
المقدمة:
ان الشاعر عبد الله المتقي من خلال قصيدته (أفشل دائما في الحب) ينقل لنا تجربة في الحب محكومة بثنائية الماضي والحاضر.
فيم تمثلت هذه التجربة في الحب؟
القراءة النقدية: القصيدة والجنة المفقودة:
لقد أسند الشاعر عنوانا لقصيدته”أفشل دائما في الحب” .
ورد العنوان جملة فعلية والفعل في صيغة المضارع الدال عل الدوام والاستمرارية وقد دعم هذه الاستمرارية بظرف الزمان “دائما”.
انها استمرارية الفشل في الحبّ.
لقد ضمّن الشاعر قصيدته تسعة مقاطع طغى عليها ضمير المتكلم المفرد مما جعلها تندرج ضمن التجربة الشخصية ولعلها تندرج ضمن السيرة الذاتية.
هذه التجربة الشخصية محكومة بثنائية الماضي والحاضر.
لقد صدّر كل مقطع بلام التعليل (لأني) ليبرّر أسباب فشله الدائم في الحب في الحاضر
يبدو ان الحبيب قد عاش تجربة حبّ جميلة وحين افتقد جنّته في الحب لم يستطع تجديد حبّ آخر.
وقد أكّد الشاعر ذلك من خلال العنوان(أفشل دائما في الحب) هذا العنوان الذي جعله لازمة يردّدها كل أول مقطع.
لقد كانت وراء فشله الدائم في الحب أسباب ذاتية وأخرى موضوعية:
1- الاسباب الذاتية (تتعلق بالحبيب):
يُبرّر الحبيب دوام فشله في الحب :
– في عدم قدرته على تحريف خلاياه العاطفية مثل عاشق نرجسي لا يفكر سوى في الربح.
– في استقامته لان خبرته سيئة في استخدام الحيل.
2- الاسباب الموضوعية(تتعلق بالحبيبة):
يبرّرالحبيب فشله الدائم في الحبّ بالحديث عن الجنة المفقودة هذه الجنة التي انتشى بها في الماضي مع حبيبته وهويفتقدها الآن في حاضره.
انها مشاعر الشوق والحنين التي جعلته يفشل دائما في الحب:
انه يحنّ ويشتاق الى:- جمالها الجسدي الذي يجد فيه متعة .
– الوقوف على اطلالها.
– الاحتفال بعيد ميلادها الستين.
– الدفاع عن الحب في سنّ متقدّمة.
– المحافظة على صحة الحبيبة وعلى تقواها.
– القبل المتبادلة بينهما في سهرتهما الثنائية.
– الخروج معا وما تلهمه الأماكن المرتادة من قصائد.
– كتابة قصائد عفيفة ومشتركة في آخر العمر.
ان الشاعر عبد الله المتقي يولي أهمية كبيرة للمتلقي من خلال بعض المقاطع النصية اوما يسمّى بالذخيرة النصية في نظرية التأويل ل”ياوس” و”آيزر” .هذه المقاطع النصية تفتح باب التأويل لدى المتلقي الذي قد يتساءل:
– هل الحب مرتبط بالعمر؟
– هل الحبّ محكوم بالمصالح؟
– هل يمكن الحديث عن الحب والشهوة ؟
– هل يمكن الحديث عن الوفاء في الحبّ
كل هذه التساؤلات هي محاور خاضعة للتأويل قد ضمّنها الشاعرعبد الله المتقي في قصيدته لاثارة فضول القارئ وتشريكه في تأويلها :
قد يرى القارئ من خلال المقاطع النصية المتكررة(عيد ميلاد الستين/لأني رجل ستيني أيضا/ آخر العمر..)ان الحب غير مرتبط بالعمر:
يرى الباحث سما سعيد (موقع اليوم السابع في 22 ديسمبر 2024)
ان العمر هومجرد رقم فيقول:” قليلا ما نفكر في شكل الحبّ في المراحل العمرية المتقدّمة على الرغم من أنه كثيرا ما يحدث ان يقع الشخص في الحبّ بعد الخمسين اوبعد الستين”
وأضاف بان استشاري الطب النفسي الدكتورة ايمان عبد الله قالت ل”اليوم السابع””انه قد يقع الشخص في هذه المرحلة العمرية في حب تعويضي نتيجة فقدان مشاعر جميلة او فقدان شريك فعلي للحياة .
في هذه المرحلة العمرية يكون الحب عبارة عن احتياجه للتجديد في العلاقة …ويشعر بذاته ..يكون على مقربة من الوقوع مجددا في الحب
كما ان هذا الامر طبيعي ولا يعتبرأنانية او مراهقة متأخرة بل هو شعور واحتياج طبيعي…ان الحب يساعد الشخص في هذه المرحلة العمرية ان يتكيّف مع الحياة ويجدّد النشاط والحيوية في الاداء العامّ”(1).
ان هكذا تأويلا قد يجعل الحبيب يتوخّى شيئا من المرونة مع ذاته لتعديل خلاياه العاطفية والاعتدال في الاستقامة لكي لا يفشل في حب جديد يلبي احتياجه ويجدد حياته.
والشاعريتدخل باسم الحبيب و بكل طرافة ليدافع عن الغرام في هذه السن المتقدّمة ليجعل منه قضية نقابية وبالتالي يصبح الحبّ حقّا لا بدّ من ان يعيشه الانسان في اي عمرايمانا منه بان العمر شعور قبل ان يكون زمنا…انه الحبّ الذي لا يشيخ.
وهنا قد أدعم رأيه ببيت شعري لأبي القاسم الشابي:
عش بالشعور وللشعور فانما /// دنياك كون عواطف وشعور.
ان القارئ قد تستهويه القصيدة ويمنح نفسه متعة التأويل فمن خلال بعض المقاطع النصية(..مثل عاشق نرجسي لا يفكر سوى في الربح/..ولا أفكر في نسبة الفوائد..)ان القارئ هنا قد يدعم مفهوم الحب الحقيقي والصادق الذي يتبناه الشاعر باسم الحبيب.
هذا الحب الحقيقي هو حبّ بعيدا عن شهوة النرجسي العابرة وهو غير محكوم بالربح او الفوائد المادية وهو حب المصالح المتفشّي في عصرنا ان الحبيب يعشق الحبيبة جسدا وروحا انه حريص على نقاوتها (وقد ينقض وضوء صلاتك).
ان هذا الحب الحقيقي والصادق جعل الحبيبين يترفعان عن كل ما هو مادّي حتى انه فكّر ان يُهديها في عيد ميلادها الستين ديوان شعروهذا دليل على فكرهما السامق والراقي..انها المرأة الحقيقية غير المزيّفة والتي تقول عنها المبدعة الدكتورة نوال السعاوي:” ان الجمال هو ان تكون المراة على حقيقتها فلا تزيّف نفسها لترضي زوجها خوفا من الطلاق ولا تزيف شكلها لترضي الرجل حتى يتزوّجها ولا تزيّف اخلاقها ورغباتها وسعادتها لترضي المجتمع..والجمال جمال العقل وذكاؤه”(2)
اان الشاعر باسم الحبيب الذي يحب جمال الحبيبة الفكري يقول:
اني فكرت أهديك ديوان شعر//في عيد ميلادك الستين
واكثر من ذلك فقد شرّكها في كتابة “قصائد عفيفة ومشتركة”
ان علاقة الحب بينهما في تلك السن المتقدمة جمعت بين كل أنواع الحب وأبعاده:الجسدي والروحي والفكري ..انه الحب الانساني الذي افتقده بفقدان الحبيبة.
ولعل ذلك ما جعله يُسرّ وجعه بترديد تلك اللازمة (أفشل دائما في الحب) هذه الترديدة التي تتكرر في كل مقطع وكأن الشاعر جعل فيها للحبيب متنفسا يستعيد فيه أنفاسه لعله ينتشل نفسه من عقدة الفشل في الحب والفشل والحب يجسّد ثنائية الحياة والموت فلئن كان الفشل يرمز للموت فان الحب يرمز للحياة وبين الحياة والموت صراع يعيشه الحبيب الذي يسعى الى تجديد حبّه لكنه دائما يُقابل بالفشل الذي قد يقضي عليه.
ان هذه الترديدة (أفشل دائما في الحب) قد تكون بمثابة الومضة الشعرية التي تلخّص تجربة الحبيب في الحاضر والقارئ بامكانه تصوّر أسباب فشل الحبيب في الحبّ والتي يمكن تلخيصها في الجنة المفقودة ..انها مقابلة بين الماضي السعيد والحاضر التعيس.
ان هذه الومضة الشعرية تدعم ان الشاعر قد عاش تجربتين على طرفيْ نقيض.
لعل الحبيب بتذكر الماضي السعيد يُقذفُ نورٌ في قلبه لينجح في حب جديد.
هل ان هذه الومضة الشعرية من وجهة نظر أخرى تدعم مدى ايمان الحبيب بقيمة الوفاء لحبيبة استثنائية ظل أسيرا لحبها جسدا وقلبا وروحا وعقلا..؟
ان الشاعر بهذا الحب الاستثنائي والوفاء اللامحدود يرتقي بالحبّ الى الانسانية بكل أبعادها ولعله يتوق في ذلك الى الحب الخالد.
ان ماذكره الشاعر باسم الحبيب عن التجربة الماضية الجميلة وما ترسّخ في ذهنه من ذكريات جميلة أضفى واقعية على التجربة ونحا بالقصيدة نحو السيرة الذاتية وقد ترتقي الى الرواية بمفهوم جديد يعانق الشعر.
(الاماكن الواقعية(البحر/مغارة هرقل/ مقهي شاهقة) / والاكل /(طبق سمك/ زجاجة نبيذ)/ القبلات القديمة/العمرفي الستين/ القصيدة…)
ولعل تضمين الشاعر لصورته الحقيقية للقصيدة قد يشي بان تجربة الحبيب هي تجربة الشاعر التي عاشها مما يزيد في اضفاء الواقعية على التجربة التي يرويها وجعل القصيدة تندرج ضمن السيرة الذاتية التي ارتقى بها وكتبها شعرا بدل السرد.
ولعل ذلك ما جعل القصيدة تتسم بمقومات السرد من اطار زمكاني واحداث وشخصيات وحوار ضمني وبعض الوصف…
انه تسريد الشعر الذي جعل الشاعر يكسر القطيعة بين الاجناس الادبية وينتهك حرمة أفضلية جنس أدبي على آخر وهذامن شأنه يدعم موسوعية ثقافة المبدع عبد الله المتقي الذي أخذ من كل أدب بطرف.
ان الشاعر قد زهد في استخدام الاساليب البلاغية مسكونا بنقل هذه التجربة الواقعية بعيدا عن زخرف اللغة وتزويقها الذي قد يحدّ من واقعيتها داعما ذلك بمشهدية نابضة بالحياة.
الخاتمة:
ان الشاعر عبد الله المتقي باستخدام المشهدية قد نقل لنا تجربة يمكن اعتبارها تجربة “مخضرمة” بين ماض سعيد وحاضر تعيس :ماض موسوم بالحب الكبير وحاضرموسوم بالفشل في الحب..
انها تجربة الحب وتجربة اللاحبّ.
أشدّ على قلم المبدع عبد الله المتقي المتفرّد والذي جعله لا يشبه الا نفسه.
بتاريخ 20/ 03/2024
المراجع:
https:///www.youm7.com>story (1)
العمر مجرّد رقم ..حاجات لازم تعرفها عن الحب بعد الستين
(2) الانثى انسان- نوال السعداوي”الوجه العاري للمرأة العربية”../فايسبوك.
https://www.