فى مثل هذا اليوم 24مارس809م..
وفاة هارون الرشيد، خليفة عباسي.
أمِيرُ المُؤمِنين وخَليفةُ المُسْلِمِين الحاجُّ العابِد والإمامُ المُجاهِد أجلُّ مُلوك الدُّنيا أبُو جَعْفَر هارُون الرَّشِيد بن مُحَمَّد المِهْديّ بن عَبدِ الله المَنْصُور بن مُحَمَّد بن عَلِيُّ بن عَبدِ الله بن العَبَّاس الهاشِميُّ القُرَشيُّ (1 مُحَرَّم 149 – 30 جُمادى الأولى 193 هـ / 19 فبراير 763 – 24 مارس 809 م)، المعرُوف اختصارًا بلقبِه الرَّشيد، خامِس خُلفاء بَني العبَّاس، والخَليفةُ الرَّابع والعُشرُون في ترتيب الخُلفاء بعد النَّبِيُّ مُحَمَّد. حَكم دولة الخِلافَة العبَّاسِيَّة مِن عام 170 هـ / 786 م حتى وفاتُه عام 193 هـ / 809 م.
وُلد الرَّشيد في مدينة الرَّي من إقليم الجِبال، وقد تلقَّى تعليمًا جيدًا، حيث كان ذكيًا، ويُحب العِلم والأدب، كما تدرَّب على الفُروسيَّة والفُنون القِتاليَّة. ولَّاهُ أبوه المِهْدِي ولاية العهد بعد أخيه مُوسى الهادي بعد أن نجح في حملته الأُولى ضد الرُوم، ثم أرسلهُ لقيادة حملةً جِهاديَّة ثانية وكانت أكبرُ تأثيرًا، حيث وصل إلى خليجُ القُسْطَنْطِنيَّة ما أجبر الإمْبراطُورة على دفع الجِزية والصُّلح، وبسبب قُدراتِه وانتصاراتِه وإخضاعه لأعداء الخِلافَة، قرر المَهْدِي أن يُقدِّم ولايتُه على الهادِي، إلا أنه تُوفي آنذاك، وأصبح مُوسى الهادِي خلفًا له. حاول الهادِي عزل أخيه عن ولاية العَهْد لصالح ابنِه، وسعى في ذلك وتشدَّد بهدف الضغط عليه، إلا أنه لم يتمكَّن من ذلك، حيث توفي بعد حوالي سنةً من حُكمِه من مرض.
بُويع هارُون الرَّشيد خليفةً بعد الهادِي، وورث بِلادًا مُترامية الأطراف، فقد امتدَّ أرجاء حُكمِه من بِلاد ما وراء النَّهر والسَّند شَرقًا حتى إفريقيَّة غربًا، ومن اليَمَن جُنوبًا، حتى آرَّان وبِلاد الكُرْج شِمالًا، فحكمها في البداية بالتعاون مع وزيرُه يَحيى البَرْمُكِي، وواجه تحديَّات وثوراتٍ عديدة ضده، فاستطاع احتواء بعضِها عبر سياساتٍ دبلُوماسِيَّة، ومُواجهة البقية بحملاتٍ عسكريَّة، ففرض سُلطتُه في كُل مكان من أنحاء الخِلافة، حتى قال مقولتهِ المشهورة حينما رأى الغَيْث فوقُه: «اذهبي حيثُ شئتِ يأتني خَراجَك».
يعتبر هارون الرشيد من أشهر الخلفاء العباسيين، وأكثرهم ذكرا حتى في المصادر الأجنبية كالحوليات الألمانية في عهد الإمبراطور شارلمان التي ذكرته باسم (ارون)، والحوليات اليابانية والصينية التي ذكرته باسم (الون)، أما المصادر العربية فقد أفاضت الكلام عنه لدرجة أن أخباره قد امتزجت فيها حقائق التاريخ بخيال القصص، ولا سيّما كتاب «ألف ليلة وليلة» التي صورته بالخليفة المسرف في الترف والملذات، وأنه لا يعرف إلا اللهو وشرب الخمور ومراقصة الغانيات. والواقع أن هذا الخليفة كان من خيرة الخلفاء فقد كان يحج عامًا ويغزو عامًا، وذكر أنه كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات، ويتصدق بألف، وكان يحب العلماء، ويعظم حرمات الدين، ويبغض الجدال والكلام، ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه، لا سيما إذا وعظ. وقد تم فتح الكثير من البلدان في زمنه، واتسعت رقعة الإسلام واستتب الأمن وعم الرخاء وكثر الخير بما لا نظير له ثم إن هذا الخليفة كان حسن السيرة والسريرة.
كذلك كان يصور بصورة الخليفة الحذر الذي يبث عيونه وجواسيسه بين الناس ليعرف أمورهم وأحوالهم، بل كان أحيانًا يطوف بنفسه متنكرًا في الأسواق والمجالس ليعرف ما يقال فيها. والواقع هذه الصورة المتباينة للرشيد ما هي إلا انعكاس للعصر الذي عاش فيه بمحاسنه ومساوئه، وهو العصر العباسي الأول أو العصر الذهبي للإسلام. وقد تميز عصره بالحضارة والعلوم والازدهار الثقافي والديني، وأسس المكتبة الأسطورية بيت الحكمة في بغداد، وبدأت بغداد خلال فترة حكمه بالازدهار كمركز للمعرفة والثقافة والتجارة.!!