سعيدة بركاتي ✍️/ تونس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في قراءة متواضعة لنص أتى دون عنوان للشاعر كرار السعد يسيل حبر قلمي ليكتب عن قلم مرصعا بالذهب لاسم الشاعر ” كرار “” .
صاحب الإسم لم يقبل قلما من الذهب ، رغم أنه هدية ،
قلما مرصعا عليه اسمه .
ذهبا مرصعا ” و المؤكد انه بالحجارة الكريمة باهضة الثمن .
الهدية للشاعر ” أهدتني ” ، و إلا كان قال ” أهدته ”
فالقراءة ستتناول و لو جزءا منها اسم الشاعر و هذا ليس اختيارا بل هو ما أوحت به القصيدة .
الإسم” كرار ” :
ويشير إلى الشخص القوي والجبار، والمتميز بالشجاعة والقدرة على التحمل والصمود في وجه التحديات.
يتمتع الشخص الذي يحمل هذا الاسم بقدرة على التفكير العميق واتخاذ القرارات الحكيمة في مختلف المواقف.
باختصار، فإن اسم “كرار” يحمل في طياته معانٍ قوية ترمز إلى الشجاعة والقوة والإصرار. إنه اسم يعزز الصفات الإيجابية في الشخصية ويعكس الشخص القوي الذي يتمتع بالقدرة على التحمل والصمود في مواجهة الصعاب.
فشاعرنا قَبِلَ الهدية و لم نجد أي دليل على رفضها ، و تمثلت هذه الهدية في ” قلما ” :
شاعرنا صاحب قلم ، و الهدية على مقاس ” الفكر ” .
ذُكِر القلم في أكثر من موضع ؛
في القرآن الكريم :
سورة كاملة باسم القلم ، و أقسم به الله عز و جل ” ن و القلم و ما يسترون ( القلم 1 )
الذي بواسطته الناس يكتبون فينقشع الجهل ويستبدل بالعلم “الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ / عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ” (العلق 4-5 )
يقول المتنبي :
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
يقول العتابي:
الأقلام مطايا الفطن وببكاء الأقلام تبتسم الكتب.
فقلم شاعرنا كان لامعا و هو لا يحب الأشياء اللامعة ” ولأني لا أحب الأشياء لامعةً؛
كرهت اسمي ”
ترى ما السبب الذي يجعل أحدهم يكره اسمه الذي يلازمه طيلة حياته ، و يُكتب على شاهد قبره ؟
سؤال أطرحه و أستغرب في نفس الوقت .
خطوة خطوة سأحاول كقارئة و معي المتابعين لفك هذا اللغز ” كره الشاعر لإسمه ” ، اسم منقوشا و مرصعا على قلم ” ، و من منا لا يتمنى أن يَكون اسمه بهذا التوهج و البروز !؟
التفسير : كيف أكتبُ عن فمٍ جائعٍ
بقلم أثقل من رغيف واحد
الصورة توحي بوجود قضية ملتزم بها الشاعر ؛ يكتب عن الجائعين ، عن الرغيف المفقود ، عن المحتاجين للقمة يوم تسد الرمق ، فهذا القلم لا يمكن أن يكون بين يديه للكتابة حتى و إن كان ذهبا مرصعا .
و كما أشرت أعلاه عن الإسم ” كرار ” ، صاحب هذا الاسم له القدرة على التفكير العميق واتخاذ القرارات الحكيمة في مختلف المواقف.
أخذ موقفا من الهدية حد كرهه لإسمه ، صاحب قضية .
فتساءل مرة أخرى قائلا : كيف تكون قصائدي الرقيقة
مزخرفةً بالمعادن!
و المتابع لشاعرنا يجد في قصائده واقعا منقولا و صورا من صور الحياة ، يكتب عنها بل يكتب عنهم و لهم ” الكادحين و معاناتهم …
و نعود للقلم ، إن لم يكن مشرطا للواقع فلا حاجة له و خاصة إن كانت القصائد رقيقة ، و القصائد ترفض أن تكون مزخرفة بالمعادن ” ذهبا مرصعا ” .
يأخذالقرار ، فيقول الشاعر :
لذا قررتُ أن احتال قليلاً
أخذتُ الحبر عارياً
مع الحيلة : بعد قبول الهدية ، و التي لم يروق للشاعر شكلها و لا معدنها و هي ” القلم ” أخذ منه الحبر عاريا ، و هو لب القلم و قلبه ، حتى يكتب ” بدمه ” قصائده ” الرقيقة ” ، قصائد لمن يحتاجون الرغيف في زمن الجوع و المستكرشين ، هؤولاء لا يكتب عنهم إلا من شعر بمأساتهم و معاناتهم و كان قريبا منهم ، حبر القلم هذا أتى عاريا يشبه الرغيق الحاف و إن توفر ، فالقلم ذو حدين :
له مقصود مادي وهو المتعارف عليه في الكتابة، ومقصود معنوي، فنقول صاحب قلم شريف او قلم مأجور. والقلم له ريشة إما مادية التي تستخدم عادة في الخط والرسم، وريشة معنوية إما ناعمة كلماتها فيها الرقة والعطف والحنان وريشة خشنة كلماتها تحمل الغلظة والسب والفحش.
و قلم ” كرار ” استبدل به اسمه عسى يوفر رغيفا ساخنا في مائدة الفقراء طهي على نار صفراء .
…………….
نص يأخذك إلى الواقع الذي يعيشه أطراف من هذا العالم ، القسم المسكوت عنه و الذي لا تحب أن تراه أكثر العيون بل تتجاهله ، و لولا القلم و حبره لما اتضحت لنا بعض هذه الصور من الضفاف و ما وراءها في هذا العالم .
فالقلم رصاصة حين يكتب الكلمة ، و القلم سلاح حين ينطق بالحق ، و في هذا النص حاور الشاعر ذاته ” مونولوج ” بإلقاء أسئلة أفضت الإجابات الي رفضه ان يمسك قلما من ” ذهب ” ، فالكلمة حين تكتب لا تحتاج إلا إلى أداة تنقش الكلمات ، فالحصى كانت قلما على جدران السجون و كذلك قطعة الخشب ، و القصبة …
لكن ” القلم الهدية ” لا يمسكه إلا من تعالى عن الكلمة الحق و هذا ربما من الأسباب التي رفضها ” كرار ” ، ربما مر به من مسك مثل هذا القلم و لم يكن للكلمة الهادفة التي تنقل معاناة و مأساة الكادحين .
#قطاف_عن_القلم
في بيت شعر عميق جدا يقول أحد الشعراء:
كأنَّ الحِبْرَ في قلمي دموعٌ / على وجناتِ أوراقي تَسيحُ
فالمرقش الأكبر يقول مشبهاً بقايا أطلال منزل الحبيبة ببقايا آثار سطور خطها قلم:
الدار قفر والرسوم كما
رقش في ظهر الأديم قلم
وقال ابن أبي الداؤود «القلم سفير العقل ورسوله الأنبل، ولسانه الأطول وترجمانه الأفضل».
و أختم هذه القطاف
بقول إيليا أبو ماضي في قصيدته (أيها القلم):
ماذا جنيت عليك أيها القلم
والله ما فيك إلا النصح والحكم
قبل السطر الأخير :
جس الطبيب خافقي وقال لي
هل هنا الألم ؟؟
قلت له : نعم
فشق بالمشرط جيب معطفي واخرج القلم !!
هز الطبيب رأسه.. ومال وأبتسم
وقال لي: ليس سوى قلم
فقلت :لا يا سيدي
هذا يد …وفم
ورصاصة.. ودم
وتهمة سافرة…. تمشي بلا قدم !
أحمد مطر
…………..
السطر الأخير :
نجد أن للقلم سحره وبيانه وألقه في تسطير أروع الأبيات وأجمل الروايات وأبدع المسرحيات وسجله سجل خالد عبر العصور والدهور.
بوركت كرار السعد و دمت بهذا التألق و الإبداع
……………………………………………………………
(القصيدة)
أهدتني قلماً
مرصعاً عليه أسمي بالذهب
ولأني لا أحب الأشياء لامعةً؛
كرهتُ أسمي
كيف أكتبُ عن فمٍ جائعٍ
بقلم أثقل من رغيف واحد
كيف تكون قصائدي الرقيقة
مزخرفةً بالمعادن!
لذا قررتُ أن احتال قليلاً
أخذتُ الحبر عارياً
واستبدلتُ أسمي بتنورٍ
كلما تتقد ناره الصفراء
تتوهج حروفي
رغيفاً ساخناً
في مائدة الفقراء