سبينوزا الفيلسوف المطرود؟!!
د. عبد العزيز يوسف آغا
/////////////////////////////////
إن لم تكن اسبينوزياً فأنت لست بفيلسوف؟!
هكذا قال عنه هيجل.
فمن هو
باروخ سبينوزا؟
هو فيلسوف يهودي هولندي عاش في القرن السابع عشر، رفض التقاليد وركز في كتاباته على الفكر العقلاني التنويري والحتمية، والنسبية الأخلاقية.
ويعتبر من أوائل الفلاسفة العقلانيين. أثرت فلسفته على عصر التنوير في أوروبا خلال القرن الثامن عشر واستمرت في إلهام المفكرين المعاصرين مثل هيجل، وفرويد.
عاش باروخ سبينوزا حياة تأملية ومثيرة للجدل، فقد رفض المعتقدات التقليدية لعصره. وعندما كان شابًا، كان يُعتبر طالبًا متميزًا في التلمود وعالمًا دينيًا واعدًا. لكنه سرعان ما وجد نفسه خارج التقاليد الكنسية بسبب آرائه الراديكالية .
ولد سبينوزا في 24 نوفمبر عام 1632، في مدينة أمستردام، هولندا، لعائلة من المهاجرين اليهود الفارين من البرتغال بسبب محاكم التفتيش الإسبانية والبرتغالية وتلقى تعليمه في أمستردام. درس اللغة العبرية وأعمال بعض الفلاسفة.
وعلى الرغم من كونه باحثًا ماهرًا، فقد تأثر بأفكار أرسطو والرواقيين اليونانيين وتوماس هوبز ورينيه ديكارت.
بدأ سبينوزا في تطوير أفكار جديدة جذرية حول طبيعة الله والواقع. وقد أدى اهتمامه المبكر بالأفكار العلمية والفلسفية الجديدة إلى طرده رسميًا من الكنيس اليهودي عام 1656، بتهمةالإلحاد. فغادر أمستردام إلى لاهاي الهولندية، حيث عمل في شركة لصناعة العدسات البصرية وصقلها.
وبعد سنوات قليلة من حرمانه، نشر كتابه الأول: مبادئ الفلسفة الديكارتية عام (1663)، وهو العمل الوحيد الذي نُشر باسمه الحقيقي. إذ استخدم سبينوزا أسماء مستعارة لنشر أعماله اللاحقة، بما في ذلك كتابه المثير للجدل “رسالة في اللاهوت والسياسة” الذي نشره عام (1670) انتقد فيه الكتاب المقدس والدين بشكل عام قائلاً أنه من صنع البشر، والحقيقة التي يعتقد بها هي : أن الله موجود ولاشك في ذلك.
توفي سبينوزا في لاهاي عام 1677 عن عمر يناهز أربعة وأربعين عامًا.
أكثر أعماله تأثيرًا، هو كتاب الأخلاق، الذي نُشر بعد وفاته في نفس العام.
والجدير بالذكر لقد تم رفض أعمال سبينوزا إلى حد كبير خلال حياته، لكنه استمر في التأثير على الفلاسفة لعدة قرون، بما في ذلك إيمانويل كانط، وفريدريك نيتشه، وكارل ماركس.
لكن ماهي فلسفة باروخ سبينوزا؟!
دارت فلسفة سبينوزا حول إيمانه بمادة مطلقة تفرض الواقع فيها 5 مواضيع رئيسة :
1-العقلانية: كان سبينوزا عقلانيًا أعطى الأولوية للعقل والحكم على الرأي والخرافات.
2-الحتمية: اعتقد سبينوزا أن الإرادة الحرة كانت وهم. بالنسبة إليه، وتُعتبر القوانين الطبيعية للكون علاقة السبب والنتيجة التي تتجاوز الفهم أو السيطرة البشرية.
3-الله أو الطبيعة: آمن سبينوزا بوجود الله في سياق وحدة الوجود بدلًا من سياق الدين التقليدي وأن الله هو جوهر الكون.
وأن البشر يمكنهم تحقيق “النعيم الحقيقي” من خلال تنمية معرفة الله كمجموعة من القوانين الطبيعية وتنمية حب فكري لله.
4-النسبية الأخلاقية: رفض سبينوزا أفكار اليهودية والمسيحية بأن هناك شيئًا مثل الخير والشر. بدلًا من ذلك، اعتقد أن طبيعة العقل البشري هي تصنيف الأشياء التي تحسن الرفاهية على أنها جيدة. وقد استخدم سبينوزا الكلمة اللاتينية “كوناتوس” لوصف رغبة البشر المتأصلة في الحفاظ على الذات.
5-الأحادية: رفضت ميتافيزيقيا سبينوزا الثنائية الديكارتية وافترضت أن كل شيء هو جزء من الله. كتب سبينوزا عن النظرة الأحادية للعالم حيث تأتي كل الأشياء الخاصة من جوهر واحد وواقع.
ومن أشهر أقوال سبينوزا:
-السعي إلى الفهم هو الأساس الأول والوحيد للفضيلة.
-إن الله هو السبب الساكن في كل الأشياء وليس السبب العابر.
-لا يوجد شيء في الكون مشروط، ولكن كل الأشياء مشروطة لتوجد وتعمل بطريقة معينة من خلال ضرورة الطبيعة الإلهية.
-إن أعلى نشاط يمكن أن يحققه الإنسان هو التعلم من أجل الفهم، لأن الفهم يعني الحرية.
-إذا كنت تريد أن يكون الحاضر مختلفًا عن الماضي،فعليك دراسة الماضي لفهم الحاضر.
وقد خصّ سبينوزا منهجه الهندسي في كتابه (علم الأخلاق) حيث عرض افكاره من خلال القضايا المطروحة والتي تهم الانسان وتفكيره والبرهان عليها ، إذ اهتم بانفعالات الانسان وأخلاقه وحأول أن يرسم له طريقاً يسوده النمط الفكري الهندسي بالاعتماد على القياس والاستدلال والبرهان من أجل الوصول إلى اليقين، وبالتالي الوصول إلى الكمال …
لقد عانى سبينوزا الكثير جراء أفكاره، فطرد وهجر ورفض ، لكن في الآخر لايصح إلا الصحيح، فقد كان من أوائل التنويرين الذين أعطى السلطة للعقل لفهم الأشياء على طبيعتها.
وعلى المحبة نلتقي.