قراءة نقدية “بين شاعرين”
الشاعر المبدع حمد حاجي Hamed Hadji(قصيدة:” سابحة على صهيل الحروف”)(تونس)
الشاعر المشاكس عمر دغرير(قصيدة:”غارق في دموع النساء”)(تونس)
الناقدة :جليلة المازني (تونس).
القراءة النقدية “مناظرة بين الرجل والمرأة”
قصيدة المبدع:”سابحة في صهيل الحروف”
قصيدة المشاكس:”غارق في دموع النساء”
1- جوانب الاتفاق بين قصيدة المبدع وقصيدة المشاكس:
تندرج القصيدتان ضمن مناظرة بين الرجل(الحبيب) والمرأة(الحبيبة) حول الملامح التي يريدها كل طرف من الآخر.
كل قصيدة من القصيدتين تضمّنت سبعة مقاطع رباعية وكل مقطع تتصدّره لازمة او ترديدة:
– ترديدة المبدع تقول:”أريدك امرأة ب…”
– ترديدة المشاكس تقول باسم المرأة:”تريدك رجلا ب…”
ان هذه اللازمة أظفت على القصيدتين مسحة من الجدية في رسم ملامح كل من المرأة والرجل حسب ارادة المبدع وارادة المشاكس باسم المرأة.
استهلّ كل من المبدع والمشاكس قصيدته بفعل أراد(أريد امرأة/تريد رجلا )
و”الارادة هي تصميم معين ويستلزم هدفا ووسائل لتحقيق هذا الهدف بالاضافة الى العمل الارادي وليد قرار ذهني سابق..أوضح أنجلز أن حرية الارادة لا تعني شيئا الا المقدرة على اتخاذ القرارات بمعرفة الذات”(1)
وفعل أراد يجعل الشاعرين يتحدثان عن الطرف المقصود في المتخيل لان ارادتهما لم تتحقق بعد على أرض الواقع.
2- جوانب الاختلاف:
أ- قصيدة المبدع الشاعر حمد حاجي:
اختار المبدع عنوانا يستجيب لمحتوى قصيدته (سابحة في صهيل الحروف) يرتقي بالمرأة التي يريدها.
وصهيل الحروف يتناصّ مع عنوان ديوان للشاعر أحمد عزيز كنعان من اصدارات اتحاد الكتاب العرب بدمشق كما يتناصّ أيضا مع عدة مجموعات شعرية اخرى وعدة منصات أدبية ومع قصيدة الشاعرالعراقي الكبيرضياء تريكو صكرو…
والصهيل هو صوت الخيول” وقد أكد الخبراء الفرنسيون أن صهيل الخيول علامة على احساسها بمشاعر ايجابية ودلالة على تأييد تصرفات أصحابها وهم بقربها وتصهل الخيول عادة في كثير من الاحيان خلال الاحداث الممتعة في حياتها ..”(2)
ولعل المرأة التي يريدها الشاعرتسبح في قصائده الممتعة التي تحتويها.
ان الشاعر حمد حاجي يريد “امرأة بيقين النبيء الرسول” ويقين النبيءالرسول هواليقين بالله والايمان به وبالتالي يريدها بتقوى النبيء في الايمان بالله.
انه يريدها امرأة بيقين النبيءبالله يقينها بحبها له:ان يكون يقينها في حبها له تماما كيقين النبيءالرسول في عبادة الله.انه الحب العبادة في صدقه وطهارته وسموّه.انها الحبيبة المتصوّفة في الحب.
انها مسلّمة لا نقاش فيها انطلق منها الشاعرايمانا منه ان كل ملامح المرأة التي يريدها ستستجيب لهذه المسلّمة .
لقد استخدم الشاعر أسلوب التشبيه(عشرة مرات) ليشبّه المرأة التي يريدها بأغلب الظواهرالطبيعية(كالعواصف/كالجداول/كالماء/كالزلازل/كالسحابة/كالغمام/كالهلال/ …).
لقدعمد الى تشبيهها بالظواهرالطبيعية التي هي حقيقة لا يخالطها شكّ في وجودها كحقيقة المرأة التي يريدها وقد دعم هذه الحقيقة بمفردة “يقين” التي تكرّرت ثلاث مرات بالقصيدة واليقين لا شك فيه كيقين الرسول بالله.
انه يريدها ان تجمع بين القوة والليونة بين الشدة والمرونة كما في الظواهر الطبيعية ..
انها المرأة المعتدلة وكيف لا ودين الله جعلنا أمة وسطا .
انه يريدها امرأة مطبوعة وليست مزيفة (وعلى صدرها شامة من يقين)والشامة بالاضافة الى انها من جمال المرأة فهي ثابتة لا يمحوها الحدثان وقد أرادها على صدرها الذي هوموقع القلب من الجسد وهو منبع الحب والايمان(وفي القلب بوح المنى وضياء اليقين)
ان قلبها حصن يحميه من كل شرّ:
أريدك امرأة في المعارك مثل الحصون
اذا شنّ جيش المدامع
حربا علي أقمت له في الضلوع
كمينا وراء كمين
ويختم الشاعر حمد حاجي في المقطع الاخير باستخدام استعارة ليجعل المرأة التي يريدها هي معلمة بما تحمله المعلمة من رمزية فالمعلمة صاحبة رسالة تؤديها للارتقاء بالمجتمع .والشاعر متسق في معاني قصيدته التي بدأها بيقين النبي الرسول صاحب الرسالة وختمها بالمعلمة التي تحمل هي أيضا رسالة.
ان الشاعر لا يخفي عن القارئ تواضعه واجلاله لمهنة التعليم وقد تكون المعلمة أسرية أو مدرسية فهي التي تغرس فيه قيم الحياة:
أريد معلمة بالفصول
ترافقني مثل أطفالها للمدارس
تعلمني كيف نمشي بدرب السنين
وكيف نقسّم قطعة خبز الى لقمتين.
=== يتبع ===
=== يتبع ===
وفي هذا الاطار من ملامح المرأة التي يريدها الشاعر حمد حاجي فما يكون ردّ الشاعر المشاكس عمر دغرير؟؟؟
ب- قصيدة المشاكس الشاعر عمر دغرير:
ان الشاعر عمر دغريرقد جعل عنوان قصيدته (غارق في دموع النساء)باسم المرأة التي تريد رجلا وفيّا لحبها حتى يجنبها الدموع التي أغرقها فيها المبدع(الحبيب).
يبدوأن المشاكس متعاطف مع المرأة التي يتكلّم باسمها كمرأة في المطلق.
منذ العنوان يبدو أن المشاكس متحامل على المبدع في أنه مصدر بكاء النساء.
استهل الشاعر المشاكس قصيدته مخاطبا المبدع قائلا:
تريدك رجلا بذكاء حكيم جليل…
تفرّبها من هموم السنين.
وتحضنها بعيدا عن الظلمات
بكل محبة وجنون…
لقد ركّز المشاكس على صفات الذكاء والحكمة والجلال عند الرجل الذي تريده المرأة وهي صفات تجعله وفيّا لها حتى يحبها بجنون ويقيها الغرق في البكاء.
انه حبّ عبادة.
ان المشاكس(تريدك رجلا بذكاء حكيم جليل) يتفق نسبيا مع المبدع (أريدك امراة بيقين النبي الرسول).
لكن الفرق بينهما ان المشاكس انطلق من حكم مسبق يوحي لنا به العنوان.
لقد استخدم الشاعر المشاكس ايضا أسلوب التشبيه(اربع مرات)(كالفيضان في الهيجان/كالاسد في حديقة الحيوان/كصقر الجبال/ كظلّها.)
لئن جعل المبدع المراة التي يريدها تجمع بين القوّة والضعف بان جعلها معتدلة
فان المشاكس قد جعل الرجل الذي تريده المراة في موقع القوة فقط(حسب العناصر المشبه بها) وهذا يجعل المراة في موقع الضعف لتواجه سلطة”سي السيد” …لعل الشاعر أراد الرجل في موقع القوة التي قد تحميه من الوقوع في ظلم المرأة الحبيبة ويكفيها ذلّ الدموع حين يكون وفيّا لها
والشاعرالمشاكس يدعم ذلك في المقطع الرابع فيقول:
تريدك رجلا وفيّا…
وعلى زندك وشم
لامرأة لا تشبه النساء
لعل القارئ هنا قد يتدخل من خلال تلك الفجوة النصية(الثلاث نقاط) التي تثير فضوله ليُما رس حقّه في التأويل فقد يعتبر ان المشاكس هنا يثير قضية قد أقضّت مضجع المرأة وهي قضية خيانة الرجل للمرأة داعما تأويله بذخيرة نصية تتمثل في اختيار المشاكس عنوان قصيدته: “غارق في دموع النساء”.
والخيانة هي كسْر لكرامة المرأة وانتهاك لكبريائها واذلال لوجودها.
هذه الخيانة ومن وجهة نظر حقوقية يرفضها الشاعر المشاكس غيرة على كرامة المرأة التي هي حقها ندّا للندّ مع الرجل.
لذلك كانت مناظرته الشعرية للمبدع تسطيرا لقيمة الوفاء لدى الرجل.
اضافة الى ذلك فان المشاكس يسْتدرك في المقطع السادس للتخفيف من حدة قوّة الرجل الذي تريده المرأة ليجعله أكثر رومانسية وعاطفية لتخاطب وجدانه ولتجعله” يضمّد جراحاتها “”ويمتصّ حزن الأحبة من الشفوات والجفون”
وأكثر من ذلك فان المشاكس في المقطع الأخيرقد خفف من قوة الرجل الذي تريده المرأة ليجعله شريكا لها في النضال وقد دعم ذلك باستخدام معجمية صرفية تفيد المشاركة(تشاركها/النضال/ترافقها).يقول:
تريد رجلا تشاركها في النضال.
ترافقها كما ظلّها تحت ضوء الشموس.
وتمسكها من يديها فان سقطت في الطريق
رفعتها على الكتفين…
ولعل المشاكس والمبدع في المقطع الاخير يلتقيان ولو نسبيا بان المرأة والرجل كلاهما شريك للآخرفي الحياة المريحة.
وخلاصة القول فان الشاعر حمد حاجي قد رسم لنا ملامح المرأة الحبيبة التي يريدها وبالتوازي نحت لنا الشاعرالمشاكس ملامح الرجل الحبيب الذي تريده المرأة التي يتكلّم باسمها.
وكلاهما يتوق بل يؤسس لملامح مجتمع أفضل من خلال نواته الصلبة المرأة والرجل (الحبيبة والحبيب).
سلم القلمان: قلم المبدع وقلم المشاكس.
بتاريخ:24/04/2024
المراجع:
https://ar.m.wikipedia.org>wiki>…(1)
ارادة- ويكيبيديا
– لماذا تصهل الخيول؟ R T Arabic(2)
https://arabic.rt.com>technology