قراءة نقدية:بين شاعرين.
– قصيدة:”ميحانة..ميحانة.”.(الشاعر المبدع :حمد حاجي)(تونس)
– قصيدة :”وغابت ميحانة”(الشاعرالمشاكس:عمر دغري)(تونس)
الناقدة : جليلة المازني . (تونس)
القراءة النقدية :القصيدة والتناصّ:
ان قصيدة الشاعر حمد حاجي تتناصّ مع قصيدة الشاعر علي بن الجهم الذي عاش بالعصر العباسي والتي يقول فيها(1)
عيون المها بين الرصافة والجسر.
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري.
أمَا ومشيب راعهن لربما
غمزن بنانا بين سحر الى نحر.
وبتنا على رغم الوشاة
كأننا خليطان من ماء الغمامة والخمر
وما أنسى لا أنسى قولها
لجارتنا ما أولع الحب بالحرّ
وتتناصّ أيضا مع قصة حبّ لصديقة ميحانة “نجمة” والتي دارت أحداثها على جسر “المسيب” في بابل بالعراق(2).
والشاعر الحاجي جمع بين جسرين في القصيدة ::
1-جسر “المسيٌب”في بابل العراقية و قدأنشئ في العهد العثماني وهذا يوحي به العنوان”ميحانة ميحانة”
وجسر المسيب يحكي قصة الحب العراقية الخالدة في طرب ما بين النهرين ..قصة حبّ طريفة ومؤثرة من التراث العراقي وتقول كلماتها : ميحانة… ميحانة …غابت الشمس وللحين ما جانا
حيّاك..حيّاك بابا حيّاك..
الف رحمة على بيك
هذولة العذبوني..هذولة المرمروني
وعلى جسر المسيّب سيّبوني.
هذ ه الكلمات التي تغنّى بها الفنان الشهير ناظم الغزالي. 2-جسر الرصافة الذي ذكره ابن الجهم بالعصر العباسي
وبالتالي فالقصيدة زاوجت بين جسرين وبين عصرين وبين قصتي حبّ.
ان ابداع الشاعرفي اقحام عصر ثالث وهو عصره فجعل قصيدته ثلاثية العصور فكسر بذلك حرمة الزمن والمكان وارتقى بقصيده نحو الشمولية …حبذا لو أقحم اسم جسر ثالث يخص عصره ليعاقر به جمال الجسرين المذكورين. …
انها رمزية المكان ومتعته في القصيدة
ان ابداع الشاعر أيضا يكمن في أنه ضمّن قصّتيْ حبّ الى جانب قصة حبّه الأم في قصيدته وهو بذلك جمع ثلاث قصص حبّ في قصيدته.
اما مشاكسة الشاعر عمر دغرير فقد لعبت على الخيال الشعري وجعلت الحبيب يخرج عن الواقع ويعيش حلم لقاء لم يتحقق اذ بقي على الجسر وحيدا ينتظر وميحانة لم تأت وهو بين عذاب الانتظار وغضب الطبيعة واحلام اللقاء تداعبه
والمشاكس اختار جسرا واحدا وهو” جسر المسيب” الذي يروي قصة حب نجمة صديقة ميحانة هذه القصة التي انتهت نهاية حزينة بموت الحبيب فجأة فحزنت عليه “نجمة” وانشدت الابيات الشعرية المعروفة ومطلعها: “ميحانة ميحانة ..غابت الشمس وللحين ما جانا”…
ان المشاكس اختار قصة الحب الحزينة التي دارت بجسر المسيّب تناغما مع قصة الحب التي رسمها للحبيب بقصيدة الشاعر حمد حاجي وهي قصة حب فاشلة وحزينة لان ميحانة غابت ولم تأت وعاش الشاعر لوعة وحدة الانتظار وخيبة البعد عن الحبيبة.
وقد تلاعب المشاكس بنفسية الشاعر المعذبة وجعله يحلم انه يداعبها ويغرق في بحر من الغزل .
وختم المشاكس بقفلة لم نكن لنتوقعها حين جعل الحبيب يستفيق من كابوس ممسكا راسه من شدة الألم وهو يقول”أعوذ بالله من الكوابيس في الهطل”
انها قفلة تجعل المتلقي يحمد الله ان عذاب الشاعر او الحبيب لم يكن في الواقع وانما كان كابوسا في الحلم.
اما قفلة قصيدة المبدع فقد نطق بهاالعذول الرقيب قائلا:”أعوذ بربي من الحب والهمل”..
ولعل المتلقي هنا يتساءل: أيهما أشدّ على قلب الشاعر:ان يستعيذ الرقيب بالله من الحب والهمل ام يستعيذ الشاعربالله من الكوابيس في الهطل؟؟؟؟
سلم القلمان قلم المبدع وقلم المشاكس.
بتاريخ 19/04/2024
المراجع:
https://www.aldiwan.net>poem76..(1)
عيون المها بين الرصاة والجسر-علي بن الجهم.
https://www.alayam.com>index(2)
ميحانة…قصة الحب العراقية الخالدة في طرب ما بين النهرين.