في مثل هذا اليوم 2 مايو1911م..
دخول القوات الفرنسية مدينة فاس المغربية وذلك لإجهاض الثورة التي شهدتها المدينة مع عدد من المدن المغربية احتجاجًا على الظلم والتعسف الذي يمارسه الفرنسيين.
وصلت وحدات الجيش الفرنسي في بداية شهر ماي 1911 إلى ميناء الدار البيضاء، الذي كان وقتها يسيطر عليه الفرنسيون ويشرفون على إنجازه قبل حتى أن تُوقع معاهدة الحماية في مارس 1912، اختيرت مساحة واسعة على مشارف الدار البيضاء لكي تستقبل القوات الفرنسية.
سرى الخبر في المغرب، لكن لم يكن متوقعا أن تتجه هذه القوات الفرنسية إلى فاس ومكناس.
الكولونيل «شابيل» كان يعمل تحت إمرة الجنرال الفرنسي «كورو» الذي قاد الهجوم على فاس، بينما كان جنرال آخر اسمه «موانيي» يقود عملية إخضاع مكناس.
الجنرال «كورو» هندس وصول القوات الفرنسية لتطويق فاس، لكنه لم يتوقع أن يلقى مقاومة شرسة من القبائل المحيطة بالمدينة. إذ فوجئ الجيش الفرنسي بوصول فروع من قبيلة بني مطير، من نواحي منطقة الحاجب والقرى الواقعة بين فاس ومكناس، وخاضوا معارك دامية ضد الجيش الفرنسي، إلى درجة أن حسابات الجنرال أربكت واضطر إلى تقسيم قواته والانسحاب تدريجيا إلى أسوار مكناس لكي يشكل بها درعا عاليا للاحتماء من هجمات القبائل، والاستعداد لشن هجوم مضاد على فاس.
وهنا برز دور الجنرال «موانيي» الذي حاصر مكناس، وفاوض أعيان المدينة في يونيو 1911، لكي يعلنوا استسلامهم للقوات الفرنسية، دون أن تُسجل خسائر كبيرة في صفوف سكان المدينة.
وإذا كان الأمر في مكناس قد انتهى بإعلان سيطرة فرنسا على المدينة يوم 11 يونيو، بقيام الجنرال موانيي بجولة داخل أزقتها قبل أن يغادرها في اتجاه فاس التي كانت تشهد حالة غليان، فإن قبيلة بني مطير كانت تترصد قوات الجيش الفرنسي وتشن هجومات متتالية على وحدات الجيش التي كانت متبقية لحصار فاس.
إلى درجة أن هذا الكولونيل الفرنسي – شابيل- كتب في مذكراته أن مقاتلي قبيلة بني مطير من أشرس الرجال الذين رآهم في حياته، ووصفهم في بعض تقاريره العسكرية التي بنى عليها مذكراته لاحقا بالمتوحشين، بحكم أنه اختبر قدرتهم على القتال واستعدادهم للموت، مقابل إلحاق الأذى بأفراد المعسكر الفرنسي.
كان الأمر أكبر من انتقام قبلي قاده رجال بني مطير ضد فيالق «الگوم» المغاربة الذين قاتلوا لصالح فرنسا، بل كان الأمر تنفيذا للخطابات الحماسية التي تلاها علماء القرويين على السكان، وحثوهم على مواجهة الجيش الفرنسي.
هذه التعبئة النفسية، لعبت دورا كبيرا في صمود مقاتلي «بني مطير» أمام فرنسا، خصوصا وأنهم ألحقوا أضرارا كبيرة بالجيش الفرنسي، وهو ما جعل الجنرال «كورو» يرسل إلى باريس لطلب الدعم والمؤازرة. وهو ما جعل أعيان فاس يختارون فتح باب الحوار- سيما وأن ضحايا سقطوا في المدينة، بسبب المواجهات- لجعل الأمر ينتهي سياسيا.
لكن هذا لم يكن يعني أن فاس تقبلت وجود الجيش الفرنسي، بل كان أعيان المدينة يراهنون على انسحاب الجيش الفرنسي من فاس وعودته إلى الدار البيضاء. إذ إن المكانة الروحية لفاس، بسبب وجود جامع القرويين بها، جعلت تصور خضوعها للجيش الفرنسي أمرا محرجا.
وهذه النقطة بالذات كانت محركا لمقاتلي «بني مطير»، الذين قاتلوا فرنسا ببنادق تقليدية جدا، حيث استعملوا البارود في مواجهة رصاص فرنسا وقنابلها.!!