قراءة نقدية:بين مبدع ومشاكس.
القصيدتان:”رسالة من أبي عبيدة الى ممرضته”( المبدع:حمد حاجي(تونس)
“يا ليتك تشبه أبا عبيدة يا حمد”( المشاكس عمردغرير)(تونس).
الناقدة: جليلةالمازني(تونس).
اختار الشاعر المبدع حمد حاجي عنوان قصيدته”رسالة من أبي عبيدة الى ممرضته” والعنوان ورد جملة اسمية والمبتدأ “رسالة من أبي عبيدة ” والخبر “الى ممرضته”.
يشمل العنوان شخصيتين (ابوعبيدة/ممرّضته) وما بينهما رسالة.
ترى مارمزية ابي عبيدة والممرضة؟
ترى ما محتوي الرسالة بينهما؟
من هو أبوعبيدة؟
أبو عبيدة هو” المتحدث الرسمي الاعلامي لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الاسلامية (حماس)…يكنّى بأبي عبيدة تيمّنا بالصحابي فاتح القدس أبي عبيدة عامر بن الجراح في عهدالخليفة عمر بن الخطاب(رضي الله عنه)…يشرف بشكل مباشرعلى دائرة الاعلام العسكري في كتائب القسام ويتميّز بفصاحة اللسان وفنّ الخطابة”(1)
في غضون التحليل سنقف على رمزية أبي عبيدة وممرضته ومحتوى الرسالة بينهما.
ان الشاعر المشاكس عمر دغرير كشف منذ العنوان عن رمزية أبي عبيدة الذي يستحيل ان يُشبهه الشاعر مستخدما حرف التمني (ليت) الذي يفيد طلب المستحيل فيقول في العنوان
“يا ليتك تشبه أبا عبيدة يا حمد”
قسّم الشاعرالمبدع قصيدته الى ثلاثة عشر مقطعا وقد حدد في المقطع الاول الاطار الزماني(زحمة العابرين) والمكاني(بالسوق) للقائه للحبيبة عن طريق الصدفة.
تعمّد الشاعر تضييق الطريق عليهالتصدمه بالموتوسيكل ويبدأ الخصام معها وبفصاحة أبي عبيدة استطاع المبدع اقناعها بظلمها له فانطلت عليها حيلته
وظلت تلوم..وتلوم نفسها.
يقول الشاعر:وكنت ركنت لها جسمي
ضيقة
بالطريق
خاصمتها ثم قلت لها انتبهي…
تركبين الخيول؟
ألا تبصرين؟
وحطت على خدها كفها…ثم مالت يمين..
لقد جعلها تحس بالذنب ازاءه وبقيت تلوم نفسها ..انه جلد الذات.يقول المبدع:
نضت عن جروحي ثيابي
وظلّت تلوم تلوم…
هنا قد يتدخل القارئ ويمارس حقه في التأويل لشرح الشعور بالذنب مستشهدا بالمقولة التالية:
“ينتج الشعور بالذنب عن اعتقاد الفردأنه قد ارتكب خطأ على الرغم من أنه لم
يفعل ذلك أو شعوره الدائم بالقلق والخزي حيال ضرر قد تسبب فيه للآخرين
في حالات أخرى قد يبالغ الشخص(الشخصية الحساسة) في تقدير موقفه حيال أمر ما معتقدا ان أخطاءه البسيطة كان لها أثرأكثر خطورة مما هوعليه في الواقع”(2)
هذا الشعور بالذنب جعلهاتعالجه بمداواته والقيام بدور الممرضة التي تضمّد جروحه التي أوهمها انها السبب فيها.
بيد أن الشاعر المشاكس عمر دغريرقد غيّر مكان اللقاء انتصارا للممرضة وتبرئتها وتخليصها من الشعور بالذنب وجلد الذات فجعل الممرضة مُسْعفة من المسعفين للجرحى حيث كان المبدع جريحا عن طريق الصدفة وهو بذلك يفنّد رواية المبدع لصدفة لقائه بها.
يقول المشاكس:حقيقة عادت سعاد على قدميها
ولم تمتط أبدا موتوسيكل
ولكنها ركبت مع الجرحى
سيارة المسعفين…
هنا قديتساءل القارئ :
– ماذا يقصد الشاعر المشاكس بسيارة المسعفين؟
– من هؤلاء الجرحى الذين يتحدّث عنهم؟
لعلّنا نقف على جواب أثناء التحليل.
ان الشاعر المبدع بحيلة منه أوقع صاحبة المونوسيكل في غرامه وهي تشرف على مداواته يوميا معتبرا دواءها افضل دواء(يمد سحاب يديها رشيم الدواء شفاء) حتى ان كلبه استأنس بها واصبح يهرّ مرحّبا بها .
يرى الشاعر المشاكس أن سعدى هي التي اكتشفته من بين المجروحين وفي قلبه غصّة وأنين..
ان المشاكس قلب المعطيات التي اعتمدها المبدع في صدفة اللقاء بينهما.
لئن كانت صدفة اللقاء لدى المبدع في السوق وسط الزحام واخترع فكرة الخصام معها حين أوهمها أنها صدمته وجرحته فكان الفاعلَ في العلاقة بينهما لتقع في حبّه وتاتي لمداواته يوميا , فان المشاكس قد لعب على المكان حين اختاره سيارة الاسعاف وجعل المبدع أحد الجرحى داخلها لتعتني به مع جملة الجرحى.
ان كلاّ منهما رسم مشهدا لصدفة اللقاء بالممرضة .
هنا قد يتدخل القارئ من خلال تلك الفجوات النصية التي تثير فضوله ويمارس حقّه في التأويل فقد يعتبر ان صدفة اللقاء عند المبدع لعبت على نفسية صاحبة المونوسيكل التي أصبحت ممرضة وبالتالي كانت ملامح الشخصيتين غير مكتملة لتشويق القارئ ثم اكتملت ملامح شخصية كل منهما حين أصبحنا أمام ممرضة وعاشق جريح.
وطريقة المبدع سائدة بين الشباب حين يختلقون خصاما مع الفتيات لينقلب الخصام فيما بعد حبّا.
أمّا عن صدفة اللقاء عند المشاكس فقد يعتبرها القارئ صدفة حقيقية من حيث المكان (سيارة الاسعاف) ومن حيث الشخصيتين(الجريح والممرضة).
ان الشاعر المشاكس قدّم للقارئ منذ البداية ملامح الشخصيتين مكتملة(جريح/ ممرضة).
وقد يعتبر القارئ ان صدفة اللقاء هي صدفة واقعية سواء بالنسبة للمبدع او بالنسبة للمشاكس.
يتفق المبدع والمشاكس أن الممرضة هي سعدى او أن سعدى هي الممرضة.
ولكنهما لا يتفقان في مدى وفاء شخصية المبدع لها باعتبارها حبه الاول والاخيريقول المبدع:وما اكثر العاشقين
ولكنهم في الغرام قليل
فكثر مررن بقلبي
فلبنى وشهلى
وليلى وهند
ولم يبق الّاك, سعدى
فأنت مليكٌ وقومٌ وشعبٌ وجندُ
يقول الشاعر المشاكس ردا على المبدع مستخدما ” بضاعته اللغوية”فيقول:
وصدقا نطقت بعظم لسانك:
وما أكثر العاشقين”
ولكنهم
في الغرام قليل..”
ويا ليتك في الغرام
تكون وفيّا لسعدى
فأبو عبيدة في الوفاء
ليس له مثيل .
في هذا الاطار يكشف كل من المبدع والمشاكس عن رمزية أبي عبيدة والممرضة وعن محتوى الرسالة بينهما.
لئن كشف لنا المبدع ان أبا عبيدة هو كنية له بما يجمع بينهما من شجاعة وفصاحة ووفاء للحبيبة .كما كشف لنا ان الممرضة هي سعدى حبيبته لما يجمع بينهما من حنان وحبّ.اما الرسالة بينهما فهي الحب والوفاء.
فان المشاكس أقرّ بان الممرضة هي سعدى لكنها كممرضة لن تداوي جرح القلوب فيقول: وسعدى ممرضة
لا تضمّد جرح القلوب
ولكنها تداوي كل مريض عليل…
وجرحك الدامي
اذا كنت ترجو الدواء من سعاد
كأني بك تطلب المستحيل…
اما عن أبي عبيدة فالمشاكس ينفي وجه الشبه بينه وبين المبدع(..فأبو عبيدة ليس له مثيل) وبالتالي يتوق المشاكس ان تكون بينهما(أبو عبيدة والممرضة) رسالة حب ووفاء.
وفي هذا الاطار وفي المقابل ومن خلال الفجوات النصية وبعض المقاطع او الذخيرة النصية قد ينحو القارئ نحو تأويل مواز للقصيدتين:
قد يذهب القارئ الى ان عنوان قصيدة المبدع”رسالة من أبي عبيدة الى ممرضته”مشحون بمعنيين:
– معنى قريب لا يقصده الشاعر المبدع(علاقة الحب بين المبدع وسعدى).
– معنى بعيد يقصده الشاعرالمبدع (علاقة ابي عبيدة بفلسطين)
ان عنوان القصيدة يشي باسلوب بلاغي قائم على التورية فالشاعر المبدع لا يقصد ابا عبيدة كنية للحبيب والممرضة كنية للحبيبة.
انه قصد بأبي عبيدة فعلا الناطق الرسمي الذي يحب فلسطين والقابل أن يضحّي
بنفسه تماما كما ضحّى الحبيب وعرّض جسمه للاصابة بجروح حبا لسعدى التي حوّلها الشاعر المبدع الى ممرضة.
ورمزية الممرضة هو ان فلسطين هي التي تداوي جَرحاها اذ لا شيء يداويهم غير التشبث بفلسطين وعدم التفريط بها.
ان رسالة ابي عبيدة الى فلسطين هي رسالة حبّ وعشق لها.
ان الشاعر المبدع قد ضمّن قصيدته ذخيرة نصية هي بمثابة مؤشرات دالة على
ما ذهب اليه القارئ من تأويل.يقول الشاعر المبدع:
ولم يبق الاك سعدى
فأنت. ..مليكٌ وقومٌ وشعبٌ وجندُ
و”المليك هو من أسماء الله الحسنى في الاسلام وهوعلى وزن فعيل من صيغة المبالغة ومعناه:هو صاحب الملك بمعنى مالك الملك .
الملك هو الذي يحكم والمليك هو الذي يَمْلكُ وشبيه في المعنى من اسم مالك الملك”(3).
وبالتالي ففلسطين هي المليك لأرضها المغتصبة.فهي اذن مليك وقوم وشعب وجند.ان فلسطين كيان كامل ودولة مستقلة بذاتها.
لقد تفطّن الشاعر المشاكس عمر دغرير الى المقصد البعيد الذي يقصده المبدع
فضمّن قصيدته مقاطع نصية وغيّر مكان صدفة لقاء الحبيبين فيقول:
حقيقة عادت سعاد على قدميها
ولكنها ركبت مع الجرحى
سيارة المسعفين
سعاد أتت صدفة
ولا تعلم أنك
واحد من المجروحين
وفي قلبك غصة وأنين…
ويقول أيضا: وسعدى ممرضة
لا تضمّد جرح القلوب
ولكنها تداوي كل مريض عليل…
ويختم مشاكسته قائلا: ويا ليتك في الغرام
تكون وفيا لسعدى
فأبو عبيدة في الوفاء
ليس له مثيل…
ان القارئ من خلال هذه الذخيرة النصية بالابيات السابقة قد يعتبر المشاكس يرفض خيانة فلسطين(سعدى /الممرضة) تماما كما أبوعبيدة ليس له مثيل في الوفاء وبالتالي فرسالة أبي عبيدة هي الحب والوفاء لفلسطين.
لقد تنوّع الرويّ في القصيدتين وضمن هذا التنوّع ورد رويّ بحرف النون وحرف النون يعكس الأنين داخل نفوس الجرحى في القصيدتين.
وخلاصة القول فان كلّا من القصيدتين لها ظاهر ولها باطن:
– الظاهر: علاقة حبّ بين حبيبين.
– الباطن:علاقة حبّ ووفاء بين أبي عبيدة (الناطق الرسمي) وفلسطين.
سلم جليل حرف الشاعر المبدع(الدكتور حمد حاجي).
سلم جليل حرف الشاعر المشاكس( الاستاذ عمر دغرير).
بتاريخ: 07/05/2024
المراجع:
https://www.aljazeera.net>blogs(1)
أبو عبيدة…بطلان في عصور مختلفة.
https://labayh.net>net>ways-deal-with..(2)
طرق للتعامل مع الشعور بالذنب وجلد الذات-تطبيق ليبه6
https://ar.m.wikipedia.org>wiki(3)
المليك (أسماء الله الحسنى).
قصيدة الشاعر المبدع د.حمد حاجي:
” رسالة من أبي عبيدة إلى مُمَرّضَتِهِ ”
وصادف بالسوق كانت تجول..
على الموتُسيكِل..سعدى
تصولُ..
وصادف
تسرع
في زحمة العابرين..
***************************************
وكنتُ ركنتُ لها جسدي
ضِيقةً
بالطريقْ
وخاصمتها ثم قلت لها انتبهي..
تركبين الخيول؟!!!!!
ألا تبصرين!؟
***************************************
وحطت على خدها كفّها.. ثم مالت يمين..
نضت عن جروحي ثيابي
وظلت تلوم.. تلومُ
**************************************
وكانت بكل مساء
تجيء إلى حَيِّنا كي تُطٓبِبٓني …
والنسيمُ عليلُ
ممرضة ويجرّ الغرام
عليها ذيوله
إذ حيث يُهوي تميلُ..
*********************************
يمدُّ سحابُ يديها
رشيمَ الدواء شفاءً
وأدمُعُها في السحاب تسيلُ
*************************************
وكانت إذا ما أتتني
يرنّ (مُتِيسِكْلُها) بعض أجراسه
فيهرّ لها كلبنا ويُرحّبُ أهلا وسهلا
ويترك مبتعدا لسعاد السبيلْ..
كأنٔ ديمةٌ في فلاةٍ
وليس
لها في السخاء عديلُ
*************************************
وما أكثر العاشقين
ولكنهم
في الغرام قليلُ
**************************************
فكُثرٌ مررن بقلبي،
فلبنى وشهلى
وليلى وهندُ
***********************************
ولم يبق إلاك، سعدى
فأنتِ
مليك وقوم وشعب وجندُ.
*************************************
وكانت تجيء بفاكهة كل حين
فهذا عصير وذاك معلّبُ تين
وبعض قطائف ..
سعدى .. فهل تذكرين!؟؟
************************************
أذوق عصائر كل النساء
وليس
لمثل عصائرك سعدى مذاق وودُّ..
**************************************
تمرّ السنون ..
وأن ليس يكفي غرام وعهدُ
وما قلت إلا القليلْ
أحبك سعدى
أحبك
ما رنّ عود وما أنّ عبدُ
**********************************
وما سجعت بالغصون
حمائمُ
أو مال بين البساتين عودُ..
( أ. حمد حاجي )
“يا ليتك تشبه ابا عبيدة يا حمدُ ”
قصيدة الشاعر المشاكس الاستاذ عمر دغرير :
حقيقة عادت سعاد على قدميها
ولم تمتط أبدا موتوسيكل
ولكنها ركبت مع الجرحى
سيارة المسعفين …
“”””””””””””””””””””””””””””
سعاد أتت صدفة
ولا تعلم أنك
واحد من المجروحين
وفي قلبك غصة وأنين …
“”””””””””””””””””””””””””””
وحين سعداك رأت
ذبول عينيك
وزرقة شفتيك
في وجه حزين …
“””””””””””””””””””””””””””
جرت نحوك قائلةْ :
أتذكر ما قلته لي من سنين …
أتذكر حين رفضت تقبلني
وقبلت صديقتي ياسمين …
“””””””””””””””””””””””””””””
كانت أصغر مني بعامين
وكنت لم أتجاوز العشرين …
وأنت الخمسيني تدعي الحب لواحدة
وتفكر في أكثر من إثنين …
“”””””””””””””””””””””””””””
أتدعي عشق سعدى
وتوهمها أنها سكنت قلبك
وفي حبك للنسا
تبحث دائما عن بديلْ …
“””””””””””””””””””””””””””
وسعدى ممرضة
لا تضمد جرح القلوب
ولكنها تداوي كل مريض عليلْ …
“”””””””””””””””””””””””””””
وجرحك الدامي
إذا كنت ترجو الدوا من سعاد
كأني بك تطلب المستحيل …
“”””””””””””””””””””””””””””””
وصدقا نطقت بعظم لسانك :
“وما أكثر العاشقين
ولكنهم
في الغرام قليلُ…”
“”””””””””””””””””””””””””””””
ويا ليتك في الغرام
تكون وفيا لسعدى
فأبوعبيدة في الوفاء
ليس له مثيلْ …