“أنوات ”
رواية للكاتبة آمال مختار بالإشتراك مع محمد القاضي .قراءة الشاعر عمر دغرير
وهي روائية تونسية . كتبت الخاطرة والقصة القصيرة منذ فترة المراهقة. بدأت النشر سنة 1984 بالصحف والمجلات التونسية مثل:المسار مجلة اتحاد الكتاب التونسيين ومجلة الحياة الثقافية .
لها مجموعة من الكتب السردية من بينها :
(1) “نخب الحياة” سنة 1993 عن دار الآداب ببيروت. جائزة الابداع الأدبي لوزارة الثقافة لسنة 1994
(2) “الكرسي الهزاز” سنة 2002 عن دار سيراس للنشر بتونس. هذه الرواية منعتها الرقابة ثم أفرج عنها وتمّ توزيعها في بداية 2018 .
(3) “لا تعشقي هذا الرجل” مجموعة قصصية سنة 2003 عن دار سحر للنشر بتونس.
(4) “للمارد وجه جميل “مجموعة قصصية عن دار سحر للنشر بتونس.
(5) ” المايسرو ” رواية سنة 2006 عن دار سحر للنشر جائزة لجنة التحكيم لمسابقة الرواية التونسية الكومار الذهبي.
(6) “دخان القصر ” رواية 3013
(7) “أنوات ” رواية بالإشتراك مع محمد القاضي عن دار محمد علي
ولها مجموعة من النصوص تنتظر النشر.
( أنوات ) بحث واجتهاد في معالجة الذات
قراءة بقلم الشاعر عمر دغرير :
في الحقيقة المغامرات الأدبية ليست لها حدود. ولا أظنها تنتهي في يوم من الأيام . ولعل الكتابة المشتركة هي إحدى هذه المغامرات . وقد تكون عملا ادبيا شيّقا في أغلب الأحيان . وهي في اعتقادي تحتاج إلى الكثير من التوافق والانسجام الفكري بين الاطراف المشتركة في نسج النص حتى الحصول على عمل مهم يفيد القارئ و يعطي الإضافة في الساحة الأدبية .
وعلى هذا الأساس أرى من الصعب أن يلتقي اثنان من الكتّاب على هواجس واحدة أو على طبيعة إبداعية واحدة. وإن حدث مثل هذا الالتقاء فإنه استثنائي وشديد الخصوصية. كما هو الحال في رواية «أنوات » للثنائي آمال مختار ومحمد القاضي. وهي بالفعل مغامرة جادة في هذا الزمن المزدحم بالرداءة .
في “أنوات” وهي جمع للأنا المتعددة والمختلفة نقرأ رسائل مثيرة للدهشة بين : من ناحية أولى بتول وماريان وأليسا وجلّنار وجميعهن نساء في امرأة واحدة . وآدم رجل مريض في مصحة خاصة بالأمراض النفسية في الشمال الغربي للبلاد التونسية من الناحية الثانية .
ولكن قبل الغوص في خفايا هذه الأنوات أستحضر مقولة الفيلسوف ( إيمانويل ليفينا ) :
(… الأنا ليس الكائن الذي يبقى في وجوده هو عينه بل الكائن الذي يرتكز وجوده على التماهي وعلى البحث عن هويته من خلال كل ما يحدث له …).
وهنا مربط الفرس كما يقال : صراع الأنا والأنا الأخرى في البحث عن الذات.
تبدأ أحداث الرواية في مصحة خاصة حيث تعترض صعوبات جمة طبيبا مختصا في علم النفس أثناء مباشرته لعلاج مريض فقد ذاكرته إثر حادث مرور مريع . وحتى يتمكن من استرجاع ذاكرة هذا المريض بحث الطبيب عن شيء مهم يساعده وكان له ذلك في العثور على إسم امرأة “بتول” وعنوان بريدها الإلكتروني . ومن خلال هذا الإسم المهم دفع بالمريض الى فتح حساب عبر الفايسبوك وكتب عوضا عنه رسالة الى “بتول” وهو أحد الأسماء التي ترددت كثيرا على لسان المريض ولايتذكر شيئا عنها . وفي هذه الرسالة كتب الطبيب على لسان المريض :
(… أنا أعرف أن ذاكرتك قوية وأنك قادرة على تصحيح ما تلعثم في ذاكرتي من صور متداخلة . هل أنت بتول؟ أم ماريان ؟ أم فتاة الفندق أم أنك مزيج منهن جميعا ؟ أم أنك غيرهن ؟ اجيبيني أيتها الحبيبة التي أراها حيثما ذهبت ولا أجدها في أي مكان …) صفحة 11 .
ومن هنا نفهم أن الهدف الذي يسعى نحوه هذا الطبيب هو البحث عن خيط للغوص في ذات المريض والوصول به الى استرجاع الذاكرة :
(… أنا الآن في الما بين …أنا أنا ولست أنا … وأنت أنت ولست أنت … فمن غيرك يا حبيبتي يمكنه أن يقودني الى برّ الأمان ؟…) صفحة 72 .
وهذا الكتاب يجمع 35 رسالة حميمية نتعرف من خلالها على آدم الرجل المريض وهو في الحقيقة متزوج من امرأة أجنبية تدعى ماريان . ونعلم من خلال هذه الرسائل المتلاحقة أنها توفيت في حادث طائرة . ونعرف أيضا أن آدم كان مديرا لدار نشر أشرفت على الإفلاس وجعلته يمر بظروف مادية صعبة الأمر الذي دفعه للتفكير في الهجرة ومغادرة البلاد قبل أن يتعرض الى حادث مرور فظيع أفقده الذاكرة . وكذلك من خلال هذه الرسائل نكتشف حقيقة العلاقة التي تربط هذا المريض بالمرأة “بتول” وقد كانت طالبة تونسية في باريس تدعى ايليسا هاجرت لدراسة الأداب غير أنها مارست التمثيل هناك لتصبح ممثلة مشهورة تحتل صورها الجرائد والمجلات. ونعلم أيضا أن آدم هو الذي اختار لها هذا الإسم “بتول” كما كان أحيانا يسميها “جلّنار” .
واستمرت الرسائل بين الطرفين تحت مراقبة الطبيب الذي لم يتدخل أبدا وإنما بقي يتابع الأحداث من بعيد حتى تمكن بعد مرور خمسة سنوات من استرجاع أكثر التفاصيل الى ذاكرة مريضه . وبعدما أدرك الشفاء الكامل قرر أن يخرجه من هذه المصحة السجن ليعيش حياته وقد فضل العيش في عين دراهم لجمال الطبيعة فيها .
وفي الرسالة الأخيرة نعلم أن ” بتول ” تسكن غير بعيد عنه (غار الدماء) وأنها كانت تعتقد أنه يقيم خارج الوطن ولم تتمكن من الوصول اليه .
والملفت لللإنتباه أن الكاتبين اختتما الرواية بثلاثة نها يات . وكان من الأفضل ترك المجال للقارئ حتى يختار النهاية التي يتخيلها مناسبة لهذه الرسائل التي كانت في مجملها مشوقة تشد القارئ . وهي تضمن الكثير من النصوص الادبية ذات الطابع الوجداني والعاطفي وتتميز بكونها مبنية بجُمل سردية تنزع إلى التخلّص من ثِقل النثر عبر الاقتصاد في لفظها وتحلّيها بطاقات إيحائية ثرية.
رواية ( أنوات) هي مغامرة لكاتبين مختلفين . بل هي تجربة تتماهى بالعديد من الشخصيات الورقية الملتبسة في كونها إما شخصيات حقيقية أو مجرد أقنعة صرخ المؤلفان من خلالها ولم نتبين ماهيتها . ومن خلال ذلك نفهم أن هذه المغامرة هي محاولة للكشف عن هذه الأقنعة والوقوف على البنيات التي تشكل هذه الرسائل التي من خلالها وصلنا في النهاية الى معرفة رؤية محددة لهذا الثنائي الذي وفق في كتابة هذه النصوص المختلفة والمترابطة في آن والتي شكلت هذه الرواية التي يمكن ادراجها في خانة السيرذاتية .
صدرت الرواية عن دار محمد علي الحامي في أكثر من 140 صفحة من الحجم المتوسط وهي تجربة تستحق المتابعة من قبل النقاد والمختصين في مجال الكتابة والإبداع .
Discussion about this post