١٣ – رسائل إلى تافيت.
سندات من النقد الاعتباري
((الدوحة /٦ ديسمبر / ٢٠١٨))
========== هذا عنوان لرواية موسومة، كتبها الأديب الروائي الجزائري ميموني قويدر، والآن هي تحت منظار المكاشفة الاعتبارية، أو حرفية نقد اعتباري، تستوفي حظوظًا من الجمال بما نراه ونجتهده، وسعته الأخرى.
وإليكم مجملٌ بسند الرسالة الأولى:
مَن صنع هذا الموجود؟ أعني -رسائل تافيت- وأيُّ القُوى سحبت هذي الكيانات وكيف؟ وهل للطبيعة التي نحن منها واعِزُ اجراءٍ اشترك بالموقف المبتكر ذاته، باعتبار الواقع رَحْم وَلّاد، يتم من خلاله إنجاب البُنى الإبداعية جميعاً، وهنا معنىً محدثٌ استدرك به الفنانُ على الحياة وفق شروطه، حيث استمكان نقطة البداية أو لمح الشروع الأول وهذا لابد من تسجيل بصمةٍ تُرى عياناً، قد تكون محسوبةً منذ أن احتشدت مقاسات التنزيل إبّانَ لحظة فتح العدمُ المسفرُ باباً لهجرة روح المخلوق / تافيت ورسائلها / ومستوى بلوغ تفاصيلها، فلعلها صورة حلمنا المُرجّى، ولا ننسى الذات السامي ودورَهُ في رسم التوازنات على أساس النسبي وضروب القدري، الذات هنا حاصلُ نضج لمعادلة العبور من جيوب الغيبي إلى مسرح العرض الوجودي، ولولاها ما تصيّر شيءٌ أبداً ، وبها يتمثل دور المبدع،
فكلاهما واحد، وكلاهما في وحدة حلول تشرب المعافى وتمجُّ المَرَضي، في نظم النص.
وللدخول في تركيبة النتاج وكيفيات التنامي الخَلْقي فلسفةً، نعتمد منظار وزلفات الحياة الواقعية، فبين الفرد المبدع والطبيعة رابطُ نظر ٍفي الشكل تُديمه الحواسّ، ورابط بصيرةٍ في الكنه، والرابطان يشكلان وحدةً متلازمةً تُدار من خلالها جميع المُحْدَثات والكيانات المبتدعة وظيفةً ودراية وتطوراً وهكذا.
وبما أننا شخّصنا تقاربَ النظرة في مدار التناصّات الفنية، فلابد من النبش في كتلة الترابطات المادية، فالمادة لها دور فاعل، والمادة نظم من النواميس الجوهرية الحاملة لحاصل حركة الشيئيات بشكل عام، ومع الرواية / تافيت / نعم، بشكل خاص من حيث التركيز النقدي. فالروائي بيده العصا السحرية، التي تؤخّر وتقدّم تحثُّ وتبطيء، جراء منهج خَلق البُنية وخلق تناسل صورها كلٌّ حسب دوره في مساحة الموضوع.
الرواية عالم من السعة الكونية الشاملة، عالم قد يفترض علينا أن يكون يوماً واحدًا أو سنة وسنوات عدة أو ألف، وأكثر في مدِّ النمطي التاريخاني ومعانيه وغيرها من الجزئي والكلي. وحسب قدرة الذات الفني وتوظيفاتها، فالرواية لو تبارينا معها في إيجاد معنى تعريفياً مقارباً لها، نعم نقول -أنها الواقع النوعي أو الجمالي في حرية واعتبار الحقيقة الوجودية -، وهذا رأيٌ مما ثبّتَه أصحابُنا الاعتباريون.
ولمرامٍ يختصر علينا الشروح ويرصُّ ويقرِّبُ غايتنا الفكرية في اتباع دلالات الوصول، نقول أنَّ في الطبيعة نواميساً تثبت وجهَ واتجاهَ كل إنجاز، وما من شيء سجل لنفسه بلوغَه وحاصلَه العلمي والمعرفي إلا وكان من حضن هذي الطبيعة وبجدارة وتأكيد.
فالذي ننوي اتباعه في (رواية تافيت) وتحليل محتواها الجمالي نقديًا وعلى طريقة منهجنا المكاشفاتي أن نستلهم من أدراج الفطنة استنتاجًا ومن الظاهرة مفتاحاً، لندخلَ أطباقَ وتراكُبَ نظمِ الصورة العامة للنص، ونحدد ذلك بالاقتران الشرطي أو بالتقاربي في القياسات أو الامتدادي وحتى التشابهي في حاصل الاُطُر، ولو في الشكل
ولاضير فيه، فباحث النقد المتمكن، هو ذاته عالِم الحفريات والذي يـَتَتبّع أثر اللُّقى المدفونة، يتمسّك ولو بالوهم ليحدد اتجاه حقيقة ما يتلمّس منها، (تافيت)، وتناصاتها في البُنى فرضت علينا أن نلقي بالنظر الفحيص على مرايا الجمال المنظور بالعين المجردة أولاً، ومنه نلتقط شيفرة وجواز الأخذ والخوض في العمق المضموناتي للرواية ثانياً.
ولنا من ذلك وبصحة قول وحَزْر وثيق لفكرة فتح عوالم تافيت واستخلاص الجوهري منها، وإلا فهي الكون كاملاً لو حسبنا واقعَها وترابطَها الخيالي وكل خلفيات الحركة التافيتية،
فلنا في صورة واعتبار مكاشفة /عنقود العنب /عبرةُ أخذٍ فاحصٍ، وتشخيص بناء معماري سواءٌ بالشكل أو في تراكٌب إدراكات الجمال وهيئاته المحورية والتي غطت مساحة نص الرواية، كعُقد تفجيرية تديم خط التصاعد أفقياً وعمودياً حد بلوغ منتهى الذروة.
فلو اخذنا مثلاً شكل كتلة عنقود العنب للتّمايز عياناً ووصفاً، وذاك لاختزال الناموس الجمالي الذي اهتدتْه النظمُ الكونية في رسم الهيئة التصويرية له، وسحبناه للتمثل الفكري لتشريح واستلهام النضج الصوري الروائي لخصائص الكتلة التعبيرية في تافيت، وباعتبار أنّ منهج مشايخنا يجري على مداخلات التكاشف والحب مع رموز كونية الوجودات واقتران الشيء بالشيء. فتعطينا ما ننوي، نعني عناصر الموائمة المكاشفاتية، وذاك لنفسّر أو نزيد سعة الجمال النصي رفداً بسعةٍ أوْسَمَ وأبهى أو نخلق نصًا آخرًا وجوباً بالمباشرة أو بالمجاز والتأويل العميق.
وهنا قرارة الريع الفني وتصدير رسومه، إلى حيث التلقي في كهانة الآخر.
تافيت اسم لفتاة غيداء سلبت لبَّ محبها، فجاش وفتر مكبلًا ومطلَقًا بهواها، (ولمّا هممتُ أن أقوم من كرسيي، سلبتني رائحة الصندل البرّيّ المسافرةِ من جيلين نحو المجهول، وضعت يدٌ بيضاءُ نسخةً من كتابٍ مفتوحةً أمامي في الصفحة الأولى، وقبل أن أعرفها ترنمّ صوتها المؤمل للوجود، صوتُها الموتُ الذي يأتي ليأخذ ما له من ريع ٍ. صوت ُ انقراع الماء باللازورد …).
وهذا واقع تعرضه النصية، التي اختارها مبدعها في أن تأخذ هذي المعمارية البنائية، ولو سألنا سؤالًا للكشف والتقريب -ونحن نعرف أن نظرية الرواية أيما رواية مفتوحة الحلقات في بنائها التكويني بما شاء الناص وشاءت ممكنات دفع الضرورة في كيفية تصيّرها ورسم هيئات البناء الداخلي والشكلي حد إتمام صورتها حتى يد المتلقي -وللتوضيح التصويري طرحنا نظرية ناموسية أسميناها عنقود العنب، ومدى التصميمية الشكلية له، وهو نتاج ثمري يخرج في موسم نضوج الكروم.
هذا الناموس رأينا فيه مكاشفاتياً حلًا تفسيريًا لمركبات بناء رواية تافيت، وأنّ كاتب الرواية الأديب الجزائري (قويدر ميموني) اختار ذلك وقد يكون اقتباساً إدراكياً باطنياً من حيث لا يدري ذهنيًا وهو الصحيح، إنما في الإنسان في محتواه الضمني، نوعان من النباهات، نوع السطح الظاهر في الكتلة، وهذا يعتمد الحواس والحدس والإدراك الشعوري والعقلي، وجهاً لوجه مع روابط الوجود عبر الموجود في وحدة الخلق الكوني والطبيعي، ونوع آخر وهو الباطن ويعتمد البصيرةَ ورابطاً لِدْنياً مع الماوراء. هنا تكتمل دائرة الحس لدى الأنا الفرداني، فمن أكمل رياضات فعله الدينامي في ابتكار هيئات الحسن ووظيفة احلال البهاء مكانه وحسب مفهوم وإيراد الضرورة، هذا كان ناجحاً متميزاً اعتباراً ونظرةً، ومن لم يحز على شرط النيرفانا بالتأكيد لا تحسب له اشارةً في ذلك التقويم الجمالي.
والذي نريد تقريب فكرته، أن الكاتب اعتمد الخانات المرحلية التفصيصية معتمداً عنونة الزمن بالسنين، واختار ضمناً شكل الرسائل صور عامة ومتعددة تحمل المعلومات الفنية،
كرسالة الدوحة ،،،٦ / ديسمبر / ٢٠١٨، و وهران في١٩٩٦ وغيرها ، وبدأ يمسح وعلى طرائقه وحسب اجتهادات مدرسته فتارة واقعياً صرفاً ، وتارة تجريدياً ورومانسياً حين يلتحم مع تافيت في مختتل خلوة أو نادي لاحتساء القهوة ، أو تعبيريًا بالألفاظ القاموسية والمستعارة والمجازية حد الإغراق وكأنّه يعبّأ الحبر للكسائي أو الفراهيدي ولا يكتفي من اصطياد المفردات اللفظية الملونة والتي تحافظ في درايته على جمال الشكل وملمس جلد الجُمل والعبارة، فيزحف إلى دكان الجاحظ ليلتقط زيادةً في ذلك، هذا في نَفْسِ روائيّ يكتب، وعلى قانون نعتبره كما هي وجهتنا في المكاشفة الاعتبارية، من أنّ الكاتب يتبع الآتي ونعتبره أُسّاً فكرياً يُنشّأُ على قراره…
(وقالت …
-هل تتكرم عليَّ باهداءٍ على الكتاب؟
ولما سمعتُ هذا الصوت أدركتُ أنها النهاية …).
ومن هنا تمَّ (رصدُ الحدث أولاً وصورَه ومعانيه في ما بين الموجودات ومنها النفس.) (وحصره الحصر َالمستحكمَ ثانياً في التخيّل والمكاشفة) إان يتم تحويطه بفن إدراكي جذبي والسيطرة عليه حدَّ عشق البعض للبعض، (ثم يبدأ المبدع بلملمته ثالثًا)، وعلى أساس تقانة النوعي باليد وفي سلة الجامع، والرث نفياً خارجاً إلى غرابيل المانع، حتى إتمام النظم الفيزيو بايلوجي أو الفزيوسلوكي، (ورابعاً نفخ روحٍ من روحه الكلي حلولاً) حيث أوان دخوله في موقف الصيرورة والتكوين في الصورة.
هكذا عمل كاتب تافيت في التقليدي وكما يرى، إنما للنقد الاعتباري عندنا، هناك رؤيا تختلف لا تتقاطع مع النهج ولكن تتضايف معه زيادةً في السعة والمكنة الفنية، وهو اتباع أسلوبية نتشوف بها العمل، وعلى طريقة أشياخنا، وهي حرفية نقد وقدرة محدثة مكاشفاتية، تُستدْعى بها كل نظم ومفردات الطبيعة في حلولية وشهادة خلق مع الذات السامي، وما أبلغ من حال ومآل تجنيهما من كنف الوجود وهما يساهمان معك في تصيّرات مخلوق النص ويعطياكَ المنصوص عليه نسبةً وتناسباً وما أجدر أن تقدّر لك الطبيعةُ معاييرَ المطلوب في الغاية، كتافيت في نصيّات بُناها، فترجمتنا في الكيفية النصية هذي، أن أبدينا حاصلَ فعلٍ لمناولةٍ أرقى، وهي أن تشترك معك رموز وعناصر تدفع بها واقعياتُ ترابطٍ كونية، تراكَ وتشعرُ بك متلازمةً معك في موقف تصْيريٍّ واحد، به فقط الحب والإرادة والتعاطي بذاتية ما أجدر منها أبداً، مساهمةً بخلق الصورة معك، فكيف لو قلنا انّ ناموساً من صورة شكل عنقود العنب كان تعاطياً منها وعلى قرار الفعل أعلاه، لتفكيكٍ إيضاحيٍّ يتسنى لنا فيه المعاينة الوجودية للرواية هذي ولكن بشكل جمالي اعتباري عميق،، ومن لحظة التلقي لتافيت حين المسايرة في قراءتها ،كان دخولنا حلولياً، حيث الوجود ومن خلالها لنا، أومضت فينا أنّ مفتاحاً يترجم المستتر فيها نعني الرواية وهو ما وصفنا من خصائص عنقود الكرمة بالتشابه الشكلي.
فالعنقود لو وصفنا، عبارة عن تعاريش حبّات ترابطت بفعل نمو طبيعي، إذ شكلت لوحًا جماعيًا من الأفراد مثلت جنس وخصائص الشجرة المنجبة له، وهكذا تليها أو مقابلها تعريشة من الحبات نظمت بشمروخ سلكي، وهكذا إلى تام الصورة حسب مقاسات نسبه الكاملة. فكل هذي المجاميع المشمرخة تلتقي بشمروخ رئيسي يربطها جميعاً ويحملها ويعاطيها من متطلب النمو والحياة بشكل علمي وواقعي.
هنا تمثّلنا هذا، وتمثّل لنا من خلاله، أنَّ تافيتَ هي الحبل الواصل بين عنونات حددها النص بطبيعته التصويرية والتصيرية، كمثل رسائلها وقد أشار الروائي لها في أسماء مدن وتواريخ زمن معلوم، مثل هذي نعتبرها كانت كاشفتنا بجمالياتها وكان استلهمنا منها ذلك الاختيار.
فلو اخذنا التعريشة الأولى المعنونة: )الدوحة ٢٠١٨( والتي توزعتها محدثاتها حسب رواية وحكاية تواصيف الكاتب ، وكانت في رابط قوي مع الشمروخ المركزي وهو جمال روح تافيت، التي وزعت أدوار شخصيتها وفق أحاسيس العاشق البطل في الرواية وقد يكون الكاتب أو غيره، المهم لنا منه أنه الحضور وأنه الغياب في الخطاب النصي الموزع، من خط النشور إلى عمود الذروة في الفوقاني ،،
فحبّةً حبّةً، وميموني قويدر، يستدرج حياة الحُسْن (يرصد، ويحصر، ويحيط إحكاماً، ويلملم، وينفخ من روحه في روح النص في مركز نبضها الحيوي) فلعله المُوكَل من القدري حسب ضرورة الوجود الكلية الواقعية ووحدة شهودها من عناصر الاشتراك، إذ يحمل وصوفات وقياس الصورة المحدثة على أساس الحاجةِ والنقصٍ والعوضٍ السادِّ لعوزٍ ما في جهةٍ ما، وكونه الذاتي في وعي الحياة ووعي المنجز الفني.،
حميد العنبر الخويلدي
حرفية نقد اعتباري
العراق
Discussion about this post