مختارات ..
=-=-=-=-=-=
الملكة الآشورية سميرا ميس
ابنة الآلهة
د.علي أحمد جديد
حكمت الملكة (سميرا ميس) ابنة الآلهة 40 عاماً ، وأخضعت الأناضول ووسط آسيا لسطوة مملكتها الآشورية .
وجمعت في حكمها كلاً من العراق والأناضول وأرمينيا وأجزاء من آسيا الوسطى ، وصارت أسطورة تاريخية . ويروي التاريخ قصصاً لملكات استطعن أن تحكمن من خلال أبنائهنّ أو حتّى أزواجهن ، لكنّ قصّة (سميرا ميس) كانت مختلفة ، إذ اختلطت فيها الأسطورة مع حقيقة الملكة (سمورا مات) ، ورغم ذلك فقد ألهمت قصّتها الخيال الفني والأدبي العالمي ، حتى حكى قصتها الإغريق والرومان .
وقصة (سميرا ميس) الأساسية أوردها المؤرخ اليوناني (ديودور الصقلي) وقال أنّ آلهة الحب الإغريقية “أفروديت” غضبت على آلهة السمك “ديرسيتو” فوضعت فيها رغبةَ عشقٍ قوية نحو أحد الشباب الذين يعبدونها ، فسلّمت آلهة السمك نفسها لهذا الشاب وولدت منه بنتاً ، لكنّها شعرت فيما بعد بالعار من نفسها فقتلت الشاب الذي كانت تعشقه وتركت طفلتها في الصحراء .. ورمت نفسها في البحيرة فتحوَّلت إلى سمكة .
بينما تتحدّث الأسطورة عن (سميرا ميس) بأن القرويون وجدوا الحمام يربيها قرب البحيرة . وأن سرباً من الحمام قد وجد طفلة ضعيفة و وحيدة ، فأخذ يسرق لها الحليب والجبن من قريةٍ قريبة ويطعمها بمناقيره ، ولما لاحظ المزارعون فقدان الجبن والحليب أخذوا يبحثون عن السبب ، وساروا وراء الحمام حتّى وصلوا لطفلةٍ صغيرة وقد بلغت من العمر سنة تحبو قرب بحيرة ، ويحيطها الحمام من كل جانب بالحماية و بالرعاية والعطف . فأخذ مزارعٌ اسمه “سيما” الطفلة وربّاها وأطلق عليها اسم “سميرا ميس” ، الذي يعني باللغة الآشورية القديمة “الحمام” .
ووفق ما ذكر المؤرخ (ديودور الصقلي) كبرت سميراميس حتّى زار وزير الملك “أونس” قريتها ، فرآها ووقع في حبّها وقد كانت بالغة الجمال ، فطلب يدها وقَبِل أبوها طلبه ، وهكذا دخلت (سميرا ميس) بوابة التاريخ الأولى .
كانت (سميرا ميس) ذكية جداً وبارعة في السياسة ، وبفضل نصائحها ارتقى زوجها أكثر واكثر حتى أصبح أقرب المقربين للملك . وفي إحدى حملات الملك “نينوس” العسكرية على منطقة أفغانستان الحالية ، واستعصت عليه العاصمة “بلخ” ، وكان الوزير “انوس” يرافق الملك “نينوس” في حملته ، ولأنه كان متعلقاً جداً بزوجته (سميرا ميس) ويثق بحكمتها أرسل في طلبها ، عندما جاءت طلب رأيها فوضعت له وللملك خُطةً للسيطرة على العاصمة “بلخ” ، فأعجب بها الملك غاية الإعجاب فوَقَعَ في غرامها وطلب وزيره أن يتركها له ، ولما رفض زوجها التخلي عنها هدده الملك باقتلاع عينيه ، فأذعن الوزير وأصبحت (سمير اميس) ملكةً على مملكة آشور .
شاركت (سمير اميس) زوجها الملك في الحكم ، وكانت من أقوى الملكات .
وفي أحد الأيام طلبت من زوجها الملك أن يمنحها السلطة لمدة 5 أيام فقط ، لترى إذا كانت قادرةً على أن تسيِّر شؤون المملكة وحدها .ولما وافق زوجها الملك ، أمرت بقتله وانفردت بالحكم وحدها .
وتذكر المدوَّنات التاريخية قصّة ملكة آشورية اسمها “سمور امات” كانت قد تربّعت على عرش الإمبراطورية الآشورية بين عامي 811-806ق.م لأنّ ابنها كان صغيراً وكانت هي الوصية على العرش إلى حين بلوغه السن القانونية .
وقد عُرفت هذه الملكة الآشورية باسم “سمورا مات” أو “شمورا مات” ولكن اسمها الأشهر كان (سمير اميس) الملكةً العظيمة .
كانت الملكة (سمورا مات) – سمير اميس لاحقاً – زوجةً للملك الآشوري (شمشي الخامس) الذي حكم بين عامي 823 – 811 ق.م. وعندما توفي تسلمت هي الحكم كوصيةً على العرش لحين بلوغ ابنها “أدد نيراري الثالث” السنّ القانونية . وعندما بلغ ابنها الملك سنّه القانونية سلّمته أمه الحكم فعلاً ، ولكن بشكل صوري وبقيت هي صاحبة الكلمة العليا في الحكم .
تاريخياً ، لم يكن للنساء في (مملكة آشور) سلطة في شؤون الحكم ، ولم تكنَّ تتصدّرن المواقع القياديّة ، وهذاما جعل من (سميرا ميس) استثناءً بارزاً ولافتاً في التاريخ الآشوري ، فقد استطاعت بذكائها الخارق أن تحافظ على الحكم بعد وفاة زوجها ، بل وتقوّي دولتها ليتسلّم ابنها دولة أقوى من تلك التي تسلمتها من زوجها . وتذكر المدونات التاريخية القديمة كيف كان عهد (سمورامات – سميراميس) عهداً عظيماً لمملكة آشور ، فقد خلدت ذاكرة الإغريق والآشوريون (سميرا ميس) الملكة كشخصية مقدسة ولدتها الآلهة وربّاها الحمام ، بينما احتفظت الذاكرة الأرمينية بصورة سيئة عنها لأنّها ضمت ارمينيا إلى مملكتها وغزتها بالقوة ، فقد حكمت سميراميس دولةً مترامية الأطراف وسيطرت على العراق والأناضول وعلى وسط آسيا .
ويذكر المؤرخ الإغريقي “بلوتارخ” بأن (سميرا ميس) الملكة أقامت لنفسها نصباً تذكارياً ونقشت عليه التالي :
“على الملك الذي يريد كنزاً أن يفتح هذا القبر” . وبعد أن مرّ على وفاة (سميرا ميس) الملكة قرابة ثلاثة قرون ، جاء الإمبراطور الفارسي “داريوس العظيم” ، وفتح النصب التذكاري فلم يجد شيئاً، لكنّه وجد نقشاً آخر مكتوباً عليه :
“لو لَم تكُن خسيساً جشِعاً لَما أزعجت الموتى في رقادهم” .
وقد أحاطت الأساطير بقصة (سمير اميس) الملكة وذكرت الكثير من منجزات عهدها ، كما ذكر المؤرخون الكثير من آثارها العمرانية . فهي التي بنت الحواجز في بابل لحماية المدينة من فيضان النهر ،
وقادت بنفسها الحملاتٍ العسكرية حتى ضمَّت الأناضول وارمينيا وممالك وسط آسيا كلها إلى مملكتها .
Discussion about this post