مختارات ..
=-=-=-=-=
اللاوعي أو (العقل الباطن) ..
Unconscios
د.علي أحمد جديد
(اللاوعي) ، هو عبارة عن مجمع الأنشطة العقلية داخل الفرد ، وهي الأنشطة التي تستمر دون إدراك الفرد لحدوثها ، إذْ أن مثل هذه العمليات اللاواعية تؤثر على سلوك الشخص على الرغم من أنه لا يقدر أن يبوح بها لأنه لايدركها ، ولأن الأحلام وهفوات اللسان هي في الواقع أمثلة غير معروفة لمحتوىً غير واعي يهدّد بمواجهته بشكل مباشر .
وقد أنكر بعض المنظرين مثل عالم النفس التجريبي المبكر (فيلهلم وندت) دور عمليات اللاواعي ، وعرّف علم النفس على أنه دراسة الحالات الواعية فقط ، ورغم ذلك ، فإن وجود الأنشطة العقلية اللاواعية يبدو راسخاً وصار مفهوماً مهماً في الطب النفسي الحديث .
يحتوي اللاوعي على أفكار ومشاعر لا يدركها الشخص بالوقت الحاضر – أي في وقت اختزانها – ولكن يمكن إحضارها إلى الوعي بسهولة وبتلقائية غير مقصودة ، حيث أن مخزونات اللاوعي تبقى موجودة مباشرة تحت مستوى الوعي وقبل العقل اللاواعي ، وإن ما قبل الوعي هو مثل غرفة انتظار ذهنية ، تبقى فيها الأفكار في حالة انتظار وتأهب حتى تنجح في جذب عين الواعي .
ومصطلح (الذاكرة المتاحة) يعني أن الشخص لا يفكر حالياً في رقم هاتف المحمول لشخصٍ آخر على سبيل المثال ، ولكن يمكنه تذكره بسهولة إذا ما كان هذا الشخص أمام عينيه . وكذلك قد تكون التجارب العاطفية المعتدلة في ما قبل الوعي ولكن في بعض الأحيان يتم قمع المشاعر السلبية المؤلمة والقوية ، وبالتالي فهي تكون غير متوفرة في ما قبل الوعي .
ومصطلح (اللاوعي) صاغه العالم النفسي (فريدريش شيلينج) وقدم لاحقاً إلى اللغة الإنجليزية الشاعر والكاتب (صموئيل تايلور كوليردج) وفي عمل الطبيب الألماني (إرنست بلاتنر) في القرن الثامن عشر ، حيث انعكست على التفكير التأثيرات التي تنشأ من خارج وعي الفرد في الأفكار القديمة للإحساس ، والإلهام ، والدور السائد في التأثير على الدوافع والأفعال .
تعتبر فكرة عمليات اللاوعي الداخلية في العقل قد تم تحريضها أيضاً في العصور القديمة وتم استكشافها عبر مجموعة واسعة من الثقافات القديمة ، حيث تمت الإشارة إلى الجوانب اللاواعية للعقلية بين 2500 و 600 ق.م في النصوص الهندوسية المعروفة باسم (الفيدا) ، وهي ماتزال موجودة اليوم في الطب الهندي القديم . ويُنسب إلى (باراسيلسوس) كأول ذكر للجانب اللاواعي من الإدراك في عمله الذي يترجم باسم حول الأمراض النفسية ، وقد خلقت منهجيته السريرية نظاماً مقنعاً يعتبره البعض في بداية العصر الحديث بأنه علم النفس العلمي ، واستكشف (ويليام شكسبير) دور اللاوعي في العديد من مسرحياته ، دون تسميته بهذا الاسم .
ويشير عالم النفس (جاك فان ريلر) إلى أن (سيغموند فرويد) لم يكتشف اللاوعي في عام 1890 ، عندما كان التحليل النفسي لا يزال يسمع به ، وللكاتب (وليم جيمس) مقالة ضخمة في علم النفس ويمكن اعتبارها بأنها (مبادئ علم النفس) ، حيث فحصت طريقة (شوبنهاور) ، وكان بعض الباحثين الآخرين يستخدم مصطلح (اللاوعي) .
ويلاحظ مؤرخ علم النفس (مارك آلتشول) أنه كان من الصعب أو ربما من المستحيل العثور على طبيب نفسي من القرن التاسع عشر لم يكن يدرك أن العقل اللاواعي ليس حقيقياً فحسب ، بل له أهمية قصوى ، وأن (إدوارد فون هارتمان) قام بنشر كتاب مخصص بموضوع (اللاوعي) ، في عام 1869.
وعلاوة على ذلك ، وفي القرن التاسع عشر كان من علماء النفس الألمان ، (جوستاف فخنر و فيلهلم فونت) ، قد باشرا استخدام هذا المصطلح في العلاجات النفسية التجريبية ، وفي سياقات متعددة ومختلطة البيانات ، بمعنى أن العقل يقوم بتنظيمها في اللاشعور بمستوى ما قبل الكشف عن أنها مجمل بيانات واعية .
وقد طوّر (سيغموند فرويد) وأتباعه احتسابات مفهوم اللاوعي ، حيث أنه يلعب دوراً مهماً في التحليل النفسي ، وميّز (فرويد) في الذهن البشري من حيث الوعي أو الأنا واللاوعي ، ثم تم توزيع الوعي إلى الهوية أو الغرائز والسلطة والأنا العليا أو الضمير ، وفي هذه النظرية ، يشير اللاوعي إلى العمليات الذهنية التي تجعل الأفراد أنفسهم غير مدركين لها . واقترح (فرويد) الرأسية والهرمية في بنية الوعي البشري ، والواعي ، وطليعة الشعور ، وفاقد الوعي العقلي ، لأن كل ذلك يقع تحت الآخر . وكان يعتقد أن أحداثاً نفسية مهمة تتفاعل تحت السطح في العقل اللاواعي ، مثل الرسائل المخفية من اللاوعي ، وفسَّر مثل هذه الأحداث على أنها ذات أهمية رمزية وفعلية بمصطلحات التحليل النفسي ، إذْ لا يشمل (اللاوعي) كل ما هو غير واعي ، بل يشمل ما يتم قمعه من الفكر الواعي أو ما ينفر الشخص من معرفته بوعيه ، ونظرة (فرويد) إلى اللاوعي هي كمستودع للأفكار غير المقبولة اجتماعياً ، والرغبات أو المساعي ، والذكريات المؤلمة ، والعواطف المؤلمة التي تطردها آلية القمع النفسي .. ومع ذلك ليس بالضرورة أن تكون المحتويات سلبية فقط ، وحتى من وجهة نظر التحليل النفسي ، فإن اللاوعي قوة لا يمكن التعرف عليها إلا من خلال تأثيراتها ، وهي تعبّر عن نفسها في الأعراض بمعنى آخر ، وتضع هذه الرؤية الذات الواعية كخصم للعقل اللاوعي ، وتحارب لإبقاء اللاوعي غير ظاهر ومخفي دائماً .
ولا يمكن الوصول إلى الأفكار اللاواعية بشكل مباشر للأشخاص العاديين من خلال الاستبطان ، ولكن من المفترض أن تكون قوة اللاوعي قادرة على استغلالها وتفسيرها بأساليب وتقنيات خاصة مثل التأمل ، والترابط الحرّ كم قدّمها (فرويد) إلى حد كبير . لأن تحليل الأحلام ، والزلات اللفظية معروفة علمياً باسم (زلة فرويد) ، حيث يتم فحصها وإجرائها أثناء التحليل النفسي .
ونظراً لأن هذه الأفكار اللاواعية عادة ما تكون غامضة ، فإن المحللين النفسيين يُعتبَرون خبراء في تفسير رسائلهم ، حيث بنى (سيغموند فرويد) مفهومه عن اللاوعي على مجموعة متنوعة من الملاحظات ، واعتبر أن زلات اللسان مرتبطة باللاوعي من حيث أنها تظهر لإظهار مشاعر الشخص الحقيقية تجاه موضوع ما .
ولأن كل إنسانٍ يملك مستوياتٍ من العقل الواعي ومن (العقل الباطن) اللاوعي ، فإن العقل الواعي هو الذي يحكم تصرفات الإنسان ، وهو مكان تخزين الأحداث ، ومركز الانفعالات العاطفية السلبية منها والإيجابية.
أما (العقل الباطن) اللاوعي فيمكن فهمه بالحدس أو بالبديهة ، وهو متعلقٌ بذات الإنسان ، إذْ أن هذا العقل لا يفرق بين الصواب وبين الخطأ، وهو عقل تابعٌ للعقل الواعي ، بمعنى أنه ينفذ ما يقرأه العقل الواعي ويُقِرُّه ، وهو لا يبدي أية ردة فعلٍ على أي أمرٍ يتلقاه من العقل الواعي ، ولا يفضل شيئاً على آخر لأنه لا يمكنه التمييز بين الصواب وبين الخطأ .
وكان (سيغموند فرويد) أول من وضع تعريفاً لمفهوم (العقل الباطن) اللاوعي ، حين قال :
“أن اللاوعي واقعٌ ديناميكيٌ مكونٌ من محتويات الإنسان النفسية والمكبوتة ، ومفهوم اللاوعي ضروريٌ في علاج الأمراض العصابية والذهانية ، ويختلط الوعي باللاوعي عند الإنسان لأن زلات اللسان والهفوات والأحلام تمثل ما يكبته الشخص من مشاعر خلال اليوم” .
وإن جلسات العلاج تكشف ما يحاول الشخص إخفاءه عن الآخرين ، لأن الوعي صفةٌ غير ثابتةٍ وغيابها أكثر من حضورها ، وهناك اختلافٌ بين الناس العاديين وبين العلماء على الربط بين الوعي وبين اللاوعي . وكان الفلاسفة القدامى كثيراً ما يبحثون في هذا المجال، حتى صار (العقل الباطن) اللاوعي يأخذ وقتاً كبيراً من البحوث والدراسات ، ولكنهم لم يعطوا الأهمية نفسها في بحوثهم لدراسة الوعي ، وهذا لا يعني أن الوعي يفقد من قيمته أو أهميته ، بل يبقى هو الأساس في تصرفات الإنسان ، وهذا ما دفع بالعالم (سيغموند فرويد) للبحث عن وسائل علاجٍ مجديةٍ ورأى أن التنويم المغناطيسي الذي كان يستعمله (برنهايم) في العلاج لم يكن ذا فعاليةٍ كبيرةٍ .
وبعد تجارب عديدةٍ استطاع (فرويد) أن يثبت بأن سبب بعض الاضطرابات والأمراض النفسية هي عبارة عن أنشطة لا شعورية . وتوصل من خلال التجارب إلى أن أعراض الأمراض النفسية يمكن أن تحدث وتختفي باستعمال الإيحاء بالتنويم المغناطيسي ، وكان دليله في ذلك أنه لا يوجد سببٌ لزلات اللسان والهفوات والأحلام ، وأن سبب نسيان الأحداث والتجارب الشخصية لأنها كانت مؤلمةً للشخص ، ولذلك يصعب عليه تذكّرها . ومن هنا كان الإصرار في التغلب على مقاومة استرجاع تلك الذكريات ، ذلك لأن الكبت وعدم القدرة على استرجاع الأحداث مهما كانت مؤلمة ، يجعل حالة الشخص تسوء وتسوء حتى تظهر عليه العلامات الهيستيرية ، ولهذا السبب لم يكن (فرويد) يعتمد التنويم المغناطيسي في العلاج ، بل استخدم العلاج من خلال التكلم والتواصل المباشر مع الشخص المصاب ، ليس فقط ليجعله يستذكر الأحداث ويُخرج رغباته المكبوتة ، بل ليدفع المريض إلى مواجهة صراعه بالوعي الكامل ثم إزالته . وهي الطريقة التي أطلق عليها (فرويد) تسمية (التحليل النفسي) .
Discussion about this post