مختارات ..
=-=-=-=-=
الفصام أو الشيزوفرينيا Schizophrinia ..
د.علي أحمد جديد
يعود أصل كلمة (الشيزوفرينيا) أو السكيتسوفرينيا ، إلى اللغة اليونانية القديمة ، وهي تتألف من كلمتين يقصد بهما انقسام العقل ، وقد تمت صياغة المفهوم لأول مرة من قبل الطبيب النفسي والباحث في علم النفس (يوجين بليولر) ، في عام 1908، وكان يقصد بذلك المصطلح وصف وتجسيد الافتراق الوظيفي الذي يكون بين شخصية الفرد وبين طريقة تفكيره ، ذاكرته .. وإدراكه .
وقد أظهرت الأبحاث أن الذكور والإناث ، يتعرضون للإصابة بالشيزوفرينيا على حدٍ سواء ، ولكن قد يكون ظهوره مبكرًا إلى حد ما عند الذكور أكثر من الإناث ، الأمر الذي يتضح من خلال بعض الأعراض الخاصة بمايسمى (اضطرابات العقل) ، لأن الشيزوفرينيا من الأمراض النفسية ولاعلاقة لها بالأمراض العضوية، وذلك مايضع المريض في عالم موازٍ لعالمه الحقيقي الذي يعيشه ، ليكون عالماً خاصاً وخاوياً يعيش فيه بمفرده فلا يفرق فيه بين الواقع وبين الخيال ، ولكن الشيزوفرينيا لا تعني انقسام الشخصية إلى شخصيتين مختلفتين أو متناقضتين بالمعنى المجرد لكلمة (انقسام) .إذْ أن الشيزوفرينيااضطراب دماغي ونفسي مزمن يؤثر على سلوكيات المصاب ، فيتفرد الشخص المصاب بسلوكه الاجتماعي غير الطبيعي ، إضافة إلى فشله في التمييز أوالتفرقة بين الواقع الذي يعيشه ، وبين الخيال الذي ليس له أساساً من الواقع أو الصحة ، وذلك مايتسبب له بالعديد من الاضطرابات الأخرى الفكرية ، أوالسمعية أوالبصرية ، بالإضافة إلى انخفاض قدرة المصاب بشكل ملحوظ عن ممارسة أي نوع من النشاطات أو المشاركات الاجتماعية في البيئة المحيطة به ، أوالقدرة على التعبير عن عواطفه ومشاعره بالصورة الصحيحة .
ويرجح علماء النفس أن الأشخاص المصابين باضطراب الشيزوفرينيا عادة ما يكون لديهم مشاكل نفسية أخرى ، مثل اضطراب القلق ، أو الاضطراب الاكتئابي ، وكذلك اضطراب تعاطي المخدرات ، الأمر الذي يُظهر أعراض الشيزوفرينيا تدريجياً في مرحلة البلوغ ، والتي تستمر لفترات قد تمتد لسنوات طويلة .
ولا يوجد سبب محدد للإصابة بمرض الشيزوفرينيا حتى اليوم الحالي ، ولا يزال الباحثون يجتهدون للوصول إلى بعض الأسباب التي قد تؤدي إليه ، والتي يمكن أن تكون ذات منشأ وراثي أو بيئي ، أوغيرها من المسببات الأخرى لدى الفرد في تكوينه البيولوجي (البدني) أو السيكولوجي(النفسي) ، أوالتي تتعلق بكيمياء المخ ، مما يسهم بشكل غير مباشر في الإصابة باضطراب الشيزوفرينيا . ويمكن تلخيص بعض هذه العوامل فيما يلي :
1) – الوراثة :
ويعتبر وجود تاريخ عائلي لاضطراب الشيزوفرينيا من أهم أسباب الإصابة بالمرض ، إذ تصبح الأفراد معرضة بنسبة 50% للإصابة إذا كانت هناك سوابق عائلية ، وبصورة خاصة في الأقارب من الدرجة الأولى مثل الوالدين . وقد تحدث بعض المضاعفات خلال فترة الحمل أو الولادة ، مثل نقص إمداد أنسجة الجسم بالأكسجين اللازم للعمليات الحيوية ، وهي العملية التي تعرف بنقص التأكسج ، وكذلك التعرض للسموم أو الفيروسات ، بالإضافة إلى سوء التغذية ، وتلك عوامل من شأنها التأثير على تطور الدماغ ، مما يزيد من احتمالية إصابة الفرد بالشيزوفرينيا مع التقدم بالعمر .
2) – تعاطي الأدوية المذهبة للعقل :
وقد توصل الباحثون إلى أن حوالي 50% من الشخصيات المصابة بالشيزوفرينيا يتعاطون بعض أنواع العقاقير المغيرة للعقل ، والتي تعرف بالأدوية المهلوسة فيكون لها تأثير نفسي على الفرد ، بالإضافة إلى إدمان المخدرات أيضاً في سنوات المراهقة والشباب ، وهو الأمر الذي قد يتسبب في بعض الاضطرابات الذهانية المزمنة مع التقدم في العمر . وعلى الرغم من أنه لا يكون سبباً رئيسياً في حدوث المرض ، إلا أنه يساعد و يزيد من خطر الإصابة بنسبة كبيرة جداً ، خاصة إذا اقترن الأمر بوجود جينات معينة لدى الفرد ، أو سبق وأصيب بمرض نفسي .
3) – عوامل بيئية :
قد تزيد الصدمات النفسية في مرحلة الطفولة ، كالتنمر وسوء المعاملة ، أو موت أحد الوالدين ، من خطر الإصابة باضطراب الشيزوفرينيا ، بالإضافة إلى بعض العوامل البيئية والاجتماعية الأخرى والتي تلعب دوراً في جعل الفرد أكثر عرضة للإصابة بالمرض ، مثل التفرقة العنصرية بين الأفراد ، الخلل الأسري ، والظروف المعيشية السيئة ، إضافة إلى العزلة الاجتماعية التي قد يعاني منها الفرد في مرحلة مبكرة من مراحل تطوره .
يتمثل مرض الشيزوفرينيا في مجموعة مشاكل تتعلق بالتفكير ، السلوكيات ، الانفعالات ، وبالمعرفة والإدراك ، وقد تتباين الأعراض في النوع أو في الشدة أو في طول فترة الظهور ، إذ يمكن أن تظهر بعض الأعراض لفترة من الزمن ثم تختفي تلقائياً ، أو يستمر بعضٌ منها حتى آخر العمر ، وهو الأمر الذي يختلف بين شخص وآخر إلا أن جميع هذه الأعراض تنطوي بشكل عام على علامات ومؤشرات تتضمن ما يلي :
*) – الضلالات أو الهلاوس
فيشعر الفرد في هذه الحالة بأنه قد تعرض للإساءة أو المضايقة ، أو أن شخصاً مجهولاً وخفياً لا يعرفه يوجّه إليه إيماءات أو تعليقات سخيفة ، وهي معتقدات وهمية وكاذبة لا تمت للواقع ، ولا يراها أو يشعر بها سوى الفرد المصاب فقط ، إضافة إلى بعض الحالات المتقدمة من الإصابة والتي تجعل الفرد يصل إلى مرحلة يشعر فيها بأنه شخص لديه قدرات خارقة لايملكها الآخرون ، كما يمكن أن يتوهم بأن شخصاً ما يحبه !!.
وقد يشعر مريض الشيزوفرينيا بأن كارثة على وشك الحدوث ، لا يعلم بوجودها سواه لأنه يتميز عن الآخرين بالنظرة الثاقبة او بالتنبؤ وبالحدس الصائبَيْن ، وتلك علامات متطورة من أعراض الهلوسة ، التي تجعله يتوهم برؤية أشياء غير حقيقية ، وقد تصيب أيضاً حواسه الأخرى خاصة حاسة السمع ، إذ يعد سماع الأصوات الوهمية أكثر الهلوسات شيوعاً .
وهنا لابد من الانتباه للاختلاف والتفريق بين الفصام (الشيزوفرينيا) وبين الانفصام (الشيزوفرينيك) وعدم
الخلط بينهما ، وكثيرون يظنون أن الفصام والانفصام مرض واحد ، ولكن لابد من الانتباه إلى أنّ الفصام هو (اضطراب ذهني) بينما الانفصام هو (اضطراب نفسي) ، فالفصام أو كما يُعرف بالشيزوفرينيا فهو اضطراب عقلي حاد ينفصل به المريض عن الواقع ليصير خيالاً تنتابه الهلوسات وتُصيبه الأوهام والضلالات ، مما يؤثر في طريقة تفكيره ، وفي سلوكه وتصرفاته ، كما في تعبيره عن مشاعره ، وفي ترتيب أفكاره وتعامله مع الآخرين .
أمّا الانفصام فهو عبارة عن اضطراب في الهوية وفي الشخصية المتعددة فيعرف على أنّه أحد الأمراض العقلية التي يُصبح فيها المريض وكأنّه شخصين مختلفين تماماً وبشخصيتين منفصلتين ، وهو مرض يرتبط بالذاكرة ويجعلها قاصرة وشبه عاجزة على تذكر أي معلومات عن إحدى الشخصيتين و ينجم عن ذلك تفكك بين أفكار الشخص وبين ذكرياته وأفعاله وتصرفاته .
ويتصف مريض الفصام باللامبالاة وقلة التنظيم ، والميل إلى الانعزال والوحدة وتتميز شخصيته بالمعاناة من الهلوسات السمعية والبصرية ويُعد هذا العَرَض هو الأبرز بين أعراض الفصام ، إذ يتخيل المريض أنه يرى أشخاصاً غير متواجدين في الحقيقة فيتحدث معهم ، ويسمع أصواتاً وهمية لايسمعها سواه ، وينسج سيناريوهات معقدة ووهمية لحياته اليومية.
كما يشعر وكأنّه يمتلك قوىً خارقة لا يستطيع أي أحد تحديه ، أو يشعر وكأن شخصاً ما يُسيّره ويملي عليه أفعاله وأقواله .
وعلى الرغم من الاعتقاد السائد أنّ مصابي الفصام كثيرو الحركة ، فإنّهم قد يبقون في سُكون لمدّة تصل إلى ساعات طويلة ، ويتصفون بالعصبية الزائدة ، والقيام بتكرار بعض الحركات لأكثر من مرة ، كما هي قلة التركيز ، والانتقال من موضوع لآخر دون وجود أي تسلسل منطقي للأفكار . كما يُمكن أن يبوح بكلمات أو عبارات غير مفهومة وبدون أي مبرر لذلك . ومن الممكن علاج الفصام بالعقاقير الطبية التي يصفها الطبيب للسيطرة على الهلاوس والأوهام ، كما يُمكن علاج الفصام بالعلاج السلوكي المعرفي والذي يخضع فيه المريض لعدّة جلسات نفسية وتدريبية لإكسابه بعض المهارات الاجتماعية والقدرة على التأثير والتحكم في أفكاره وفي سلوكه .
بينما أنّ الانفصام فهو عبارة عن حدوث اضطرابات في الهوية ، وفقدان في الذاكرة الانفصالي ، وافتقار القدرة على تمييز الوقت ويصل في ذروته إلى فقدان الوعي بعد معاناة من
الصداع الشديد وفقدان في الذاكرة . ويتميز مصاب الانفصام بميله إلى
تدمير الجسد ، وإلى اضطهاد الذات والفقدان التام للثقة بالنفس وكذلك الافتقار للقدرة على التمييز بين الأشياء .
ولا يوجد علاج دوائي للانفصام ، بينما يُمكن علاجه نفسياً باشراف طبيب مختص يُركّز على دمج شخصيتي المريض المنفصلتين معاً ، وإنّ هذا العلاج يتطلب مساعدة الأصدقاء والعائلة . كما يُمكن علاج الانفصام بأسلوب التنويم المغناطيسي يصل الطبيب من خلاله إلى ذكريات المصاب التي أثّرت في حدوث هذا المرض ، جنباً إلى جنب في التحكم بسلوكيات الشخصيتين لدمجهما في شخصية واحدة .
Discussion about this post