مختارات ..
=-=-=-=-=
ممدوح عدوان في كتابه
” حيونة الإنسان ” ..
د.علي أحمد جديد
في كتابه “حيونة الإنسان”… يكشف لنا (ممدوح عدوان) الحيوان الكامن في داخلنا ..
“المسألة هي أنني أرى أن عالم القمع ، المُنظَّم منه والعشوائي ، الذي يعيشه إنسان هذا العصر ، هو عالم لا يصلح للإنسان ، ولا لنمو إنسانيته . بل هو عالم يعمل على “حيونة” الإنسان أي تحويله إلى حيوان” .
وما يقوله (ممدوح عدوان) في مقدمة كتابه “حيونة الإنسان”، الصادر عن (دار قدموس) عام 2003 ، قبل توالي طبعاته عن (دار ممدوح عدوان للطباعة والنشر).
(ممدوح عدوان) ، كاتب سوري انطلق من قريته الصغيرة “قيرون” ، في ريف مصياف ، جنوب غرب حماة، إلى الفضاء الأدبي العربي ، له 90 كتاباً في الأدب والشعر والمسرح والرواية والترجمات الأدبية والنقدية ، فضلاً عن مسلسلات لعلّ أهمها كان مسلسل (الزير السالم) ، وهو كاتب وصحافي حصل على إجازة في اللغة الإنكليزية ، ومدرس مادة “الكتابة المسرحية” في المعهد العالي للفنون المسرحية .
يقع كتاب “حيونة الإنسان” في 284 صفحة ، قَسّمه إلى 20 فصلاً ، إذْ يقول في الملخص الموضوع على غلافه الخلفي :
“كم فقدنا من كرامتنا وتضامننا الإنساني وإحساسنا بإنسانيتنا ، حتى صرنا نتعود الإذلال المحيط بنا ، لنا ولغيرنا ؟. وينعكس تعوّدُنا على هذا الإذلال في أننا صرنا نعد تعذيب السجين أمراً مفروغاً منه ، لم نعد نتساءل عن أثر ذلك التعذيب في السجين الضحية ، حتى بعد خروجه من السجن” . ويكمل (ممدوح عدوان) ، بأن هذه هي المرة الأولى التي يجمع فيها أفكاره حول هذا الموضوع (الإذلال والتعذيب) بعد محاولات في عدّة مقالات مبعثرة و في أكثر من مكان .
واختار (ممدوح عدوان) أن يضفي على كتابه صفة البحث والدراسة ، وكثّف قدر المستطاع من استشهاداته بمصادر واقتباسات تنوّعت بين كتّاب ومسرحيين وروائيين وباحثين وفلاسفة عالميين وعرب ، في كتابه المقسم إلى فصول “منفصلة – متصلة” ليعرض في تلك الفصول رؤيته لمراحل التطور الحيواني في داخل (الإنسان – الجلاد) من جهة ، وانهزام (الإنسان – الضحية) وإخضاعه من جهة أخرى .
ويصير الإنسان سفاحاً وقاتلاً وطاغيةً بمجرد أن تتيح له الظروف ذلك ، وتلك الظروف هي موضع البحث في كتابه .
“انتقام الأقليات من ماضيها” .
في الفصل 3 من الكتاب ، “ورطة الإنسان الأعزل”، يحاول (عدوان) شرح استعدادات الإنسان لإيقاع الأذى بأخيه الإنسان معتمداً على تجيير المسؤولية نحو السلطة التي تصدِرُ الأوامر ، وتراكم الكره أيضاً بفعل الحقد المتراكم أصلاً ويركّز على الإشارة إلى مشكلة الأقليات مع الثأر والسلطة باعتبار أن الأقليات المنكمشة على نفسها والتي عانت من مظلومية طويلة تجعل أبناء الأقليات المضطهدَة يحسون بنوع من الامتياز ، وذلك بعد أن كانوا قد انعزلوا طويلاً وشكّلوا حولهم هالة معيّنة تحفظ لهم هويتهم وعاداتهم وثقافتهم .
ويشير إلى أن هذا الانكماش يقودهم إلى الاعتقاد بأنهم متميزون ، وبأن أيّة جماعة أخرى لو كانت في مكانهم لاندثرت . لأنه حين تتاح الفرصة لهذه الفئة المستضعَفة أن تتنفس وتخرج إلى النور ، أو أن تتسود فإنها تتسلّط وتريد أن تؤكد هذا الامتياز بحس انتقامي من الآخرين الذي هو نوع من الانتقام من الماضي .
ويشير (عدوان) إلى أن التربية على هذا الإحساس ، ستتسبب في ارتداد العنف على المجتمع نفسه !!.
” جاؤوا من قراهم فقراء ..
ثم صاروا أغنياء ..
ثم صاروا طواغيت ..
وسرعان ماعادوا ..
مُحَمَّلين بالتوابيت ” .
ويتساءل في الفصل الرابع :
“هل نحن جلادون؟”
ليصل إلى جملة استنتاجات أبرزها ما يتعلق بنزعة الإنسان نحو اللجوء إلى إشباع رغباته الإنتقامية :
“إن الذين لا يستطيعون لسبب أو لآخر أن يخلقوا الجحيم الذي يتوقون إليه ، يُشبِعون رغباتهم في العالم الخيالي من الكتب وأفلام السينما والتلفزيون” .
وفي تقرير يكشف (العنف الجنسي) ضد عابرات للجنس من رجال وفتيان في النزاع السوري بقوله :
“مدارس الذكورة” في بلادنا… مصانع للعنف .
حتى يصل في حديثه إلى ما يسمّيه :
“صناعة الوحش ، صناعة الإنسان”
فيتحدث عن فكرة أن الإنسان هو الكائن الوحيد بين المخلوقات الذي يستطيع أن يهدم ، حتى أن يهدم ذاته ، لأن لذة التدمير تستهويه .
ويستدل على ذلك في ما قاله عالم النفس (إيريك فروم ) :
” يختلف الإنسان عن الحيوان في حقيقة كونه قاتلاً لأنه الحيوان الوحيد الذي يقتل أفراداً من بني جنسه ويعذّبهم ، دونما سبب بيولوجي أو اقتصادي ، ويحس بالرضى التام من فعل ذلك” . ويستطرد معززاً فكرته بالاستشهاد بفقرة وردت في كتاب (التعذيب عبر العصور لبيرنهاردت هروود ) يقول فيها :
“الوحوش لا تقتل المخلوقات الأخرى من أجل الابتهاج والرضى فقط ، والوحوش لا تبني معسكرات اعتقال أو غرف غاز” .
وبعدها يخلص (عدوان) إلى قوله :
“المسألة هي أنني أرى أن عالم القمع ، المنظَّم منه والعشوائي ، الذي يعيشه إنسان هذا العصر ، هو عالم لا يصلح للإنسان ، ولا لنمو إنسانيته. بل هو عالم يعمل على (حيونة) الإنسان أي تحويله إلى حيوان” .
ويتطرّق إلى المفهوم الذكوري الجنسي المتعلق بالاغتصاب تحديداً ، معيداً المتعة لدى مرتكبيه الذكور إلى تحقيق مفهوم القوة ، وإرغام الأنثى على فعل شيء ضد إرادتها ، عارضاً خلاصة فكرته بالقول :
“إن الطريقة الوحيدة التي تجعلني أحس أنني أفضل منها ، هي أن أجعلها تحس بأنها أسوأ مني” .
ويعتبر (عدوان) أن المخيلة البشرية والرؤية الدينية استطاعتا تقديم أكثر من صورة رهيبة ومخيفة للعذاب في جهنم ، ولكنهما لم تقدّما صوراً مغريةً عن السعادة في الجنة .
ويرى أن تخويفنا ، نحن البشر ، بالكثير من الأمور الغيبية ، مشيراً إلى أن الله في القرآن أراد إثارة مخيلة الإنسان ليغريه بالثواب ويخيفه من العقاب ، وأن تنشيط هذه المخيلة كان أقوى عند تصوير المخاوف مما هو في تصوير المغريات .
Discussion about this post