مختارات ..
=-=-=-=-=-=
التراث ..
Heritag
د.علي أحمد جديد
التراث هو الإرث الفكري والحضاري الذي يخلّفه أسلاف قومٍ ما من عادات وتقاليد وآداب وعلوم وفنون وغيرها .
وهناك التراث المكتوب ، والتراث المحفوظ الذي يُنقل مشافهة بين جيل وآخر ، وهذا ما يعكس صورة حياة الأمّة خلال العصور الماضية التي مرت بها بكل ثقافاتها وبكل انتصاراتها وانكساراتها التي كانت ، لأن التراث هو المعبِّر الصادق عن أصالة وحضارة الأمة في تفكيرها وفي عراقتها .
والغوص في قراءة كتب التراث تعرض للقارئ طريقة التفكير التي كان الأسلاف يتميزون بها ، وكيفية معالجتهم للأمور وطريقة تفاصيل حياتهم ، كما تعرض علومهم التي اتقنوها وعملوا بها ، وتعكس فنونهم وثقافتهم وآدابهم ، إضافة إلى الكشف عن الشخصيات التراثية الأبرز في تلك المراحل والعصور .
ويمكن تقسيم التراث إلى عدة أقسام . فيكون هناك التراث الأدبي وتراث العلوم والعلوم الكونية وتراث الفنون ، وغيرها .
وفي التراث الأدبي العربي هناك شعراء الجاهلية وشعراء العصر الإسلامي أوالأموي والعباسي .. وهناك الكُتّاب والأدباء المختلفون في الأسلوب وفي المرحلة التي كانوا فيها أمثال التوحيدي وابن المقفع والجاحظ وغيرهم .
وقارئ رسائل الجاحظ – على سبيل المثال – يعيش أجواء الحياة في العصر العباسي ، وطريقة التعامل بين الناس ، وثقافتهم ومشاكلهم الحياتية ، وهمومهم التي كانت تثقل كاهلهم ، ويلمس طرائق تفكيرهم وأساليب اتصالهم التي بالحضارات المحيطة كالامبراطورية الفارسية وتفاعلهم مع علومها وفنونها ، وكذلك يصل إلى ما أخذوه من علوم الإغريق وفلسفاتهم ، ومن علوم الطب والكيمياء وغير ذلك . إضافة إلى العلاقات الإنسانية والتجارية التي كانت مع بلاد الهند والسند من خلال ماتعرضه الكتب في أدب الرحلات والرحالة ، وتعرض التأثر بنظام الأعداد عند الهنود وإدخال الأرقام المكتوبة اليوم إلى الثقافة العربية .
وتأتي أهمية التراث من كونه العين الكاشفة عن مزايا الأمم في العصور الغابرة والتي كان من غير الممكن معرفتها لولا وجود التراث وانتقاله بين الأجيال والذي قام بالحفاظ على تلك الصور بين الأجيال المتلاحقة وكشفه عن عظمة الإنجازات الحضارية والفكرية لكل أمّة من الأمم .
وكذلك يكون الأمر في كتب التراث عن مراحل التاريخ القديمة التي تعرض تاريخ البابليين وحضارتهم وتواريخ السومريين والأكاديين والفينيقيين والآراميين والفراعنة ، وغيرهم من الحضارات القديمة التي كانت في سالف الازمان .
ويتم اليوم استثمار التركات التراثية كوِجهاتٍ سياحية في دعم اقتصاد الدول من جميع أصقاع الأرض . ولعل تراث بلاد المشرق يؤكد بأنها مهد الحضارات القديمة ، وقِبلة السياحة في العصر الحديث من جميع أنحاء العالم ، ولا سيّما من الباحثين في الحضارات القديمة والمؤرخين .
ومن شواهد التراث الإنساني الراسخة حتى اليوم (تدمر والبتراء ومملكة ماري والأهرامات المصرية وأبو الهول وبصرى الشام) التي تُبرِز إبداع القدماء وقوّتهم وعبقرياتهم الحضارية ، وهو ما يدعو إلى ضرورة المحافظة على الآثار التراثية وحمايتها لدلالتها على الحضارة والإبداع والتفوق كونها تمثل الذاكرة المجتمعيّة التي خُزّنت فيها كلّ الخبرات الماضية ، وكذلك توظيفها في الحياة اليومية وإدراجها في المناهج التعليمية ليكون الحاضر امتداداً للأجداد السابقين كي تكون الأجيال الحالية حافظةَ التراث الإنساني والحضاري الذي سيبقى إرّثاً مضيئاً ولامعاً للأجيال القادمة .
لقد وصل تراث الحضارات السابقة الحضارية منها والإنسانية والثقافية إلى كل أصقاع الأرض ، وكانت كتب ابن سينا وأبي بكر وجابر بن حيان والحسن بن الهيثم وابن خلدون وغيرهم من الأجداد العباقرة تُدَرّس في الجامعات العالمية كلها ودون استثناء ، واستفادت منها الشعوب في بناء أجيال من العباقرة والمبدعين .
إنّ التراث هو الحضارة التي تعيش في ذاكرة الأجيال ، وهو التاريخ الذي تعكسه الآثار الباقية منه في سلوك الأبناء والأحفاد وهو الذي يعود في أصله إلى أولئك الذين شيّدوا للعالم الصروح الحضارية لتكون منارة تشعّ على العالم بالمعرفة وبالأدب والفن . وهو ما يعني أنه في التراث تَلَمّسٌ لأرواح الأجداد بما تركوه من علوم وفنون وثقافات تشهد على تقدّمهم في كل مجالات الحياة . لأنّ في التراث عودةً للقاء العظماء وللتواصل الحضاري معهم . كما أنّ المحافظة على التراث واجب حضاري في استمرارية حياة الأمم ، والأمّة التي لا تحافظ على تراثها هي أمّة تفتقد في واقعها لامتدادات جذورها في الحضارة وفي التاريخ ، وبالتالي لن يكون لها حظ للنهوض في المستقبل .
Discussion about this post