مختارات ..
=-=-=-=-=-=
لماذا نتعلم الكره؟
د.علي أحمد جديد
كتب لي أحدهم يقول :
حين كنا تلاميذاً صغاراً في المدرسة علَّمونا بأن الذي لا يصلي صلوات الجماعة في المسجد فهو :
منافق !..
وأبي كان واحداً منهم يصلي في البيت ولايطمئن لسمعة الإمام في مسجد حارتنا الذي تحوم حوله الأقوال والشكوك !..
وبأن شارب الدُّخان : فاسق !..
وأخي محمد كان واحداً منهم ويدخّن بشراهة ..
وبأن المُسبِلَ لثوبه :
يقتطع لنفسه قطعة من النار !..
وأخي طارق كان واحداً منهم ..
وبأن وجه المرأة الجميل :
فتنة !..
ولكن لا أحد يشبه أمي في حُسنِ وجهها ولا بجمال قلبها ..
..وبأن أختي مريم التي تستمع بشغف لأغاني عبدالحليم :
مصبوبٌ حديد النار المذاب في أذنها لا محالة !..
وفاتني أن أقول لهم بأنها أيضاً تحبه .
فهل ستُحشَر معه؟ وأظنهم سيحكمون بذلك لامحالة ..
وبأن جامعتي المختلطة وكراً للدعارة !..
رغم أنها علمتني أشرف مهنة والتي هي مهنة الطب ومسح آلام الناس والتخفيف من معاناتهم ..
وبأني حين أترك ما لا يعنيني فأنا الساكت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
شريك في الإثم والعقاب ..
وبأن صديقتي سلوى التي دعتني لحفلة عيد ميلادها :
صديقة سوء ومنحلة فاسقة ..
وبأن خادمة منزلنا المسيحية :
كافرة ومشركة نجسة ..
وزميلي الشيعي :
أكثر خُبثا من اليهود ..
وبأن خالي المثقف : علمانيٌ وكافر ..
وعمي المتابع بشغف للأفلام المصرية :
مجرد ديُّوث لن يشمَّ رائحة الجَنّة ..
لكني لما كبرت ووعيت اكتشفت بأن أبي أطيب مخلوق في العالم .
كان يقبلني كل ليلة قبل أن أنام ويترك لي مبلغاً من المال كلما سافر من أجل عمله .
أخوايَّ محمد وطارق كانا أيضاً أكبر مما تصورته عنهما أثناء دراستي .
محمد يرأس جمعية خيرية في إحدى جامعات أستراليا ..
وطارق يعمل متطوعاً في مركز أيتام المدينة كمعلّم للرسم والنحت .
أما أختي مريم فقد تفرغت لتربية أختي التي تصغرني بأربع سنوات بعد وفاة أُمِّنا وحرمت نفسها من الزواج من أجلنا ..
وأمي؟ يكفي أنها تلتحف التراب وأبي راضٍ عنها ..
بينما سهلت لي جامعتي المختلطة تكوين أسرة سعيدة بزواجي من زميلتي في الدراسة رئيسة قسم الجراحة التي ربّت لي أطفالي الثلاثة بعد فقد والدتهم ..
أما كيف أقضي وقت فراغي؟
فكانت صديقتي سلوى هي المنفذ الوحيد لي . لقد كنا نجلس سوياً ، وبعد أن ندرس كانت تغزل الكنزات الصوفية .. وأنا أدهن العلب الفارغة لبيعها في مزاد لصالح الأسر المحتاجة .
وأختي مريم هي التي كانت تدير هذا البازار السنوي ..
وماذا عن خادمتنا المسيحية ؟
فأنا لا أتذكر منها سوى دموعها الرقراقة يوم أنقذتنا من حادث حريق كان سيلتهمني وأخوتي بعد أن أصيبت هي بالحروق وعانت من آلامها طويلاً دون أن تشتكي وكانت لاتخفي فرحتها وفخرها بأنها نجحت في إنقاذنا من النار والحريق ..
وزميلي الشيعي؟ هو الذي أسعفني أثناء رحلة على دراجاتنا الهوائية . يومها سقطت في حفرة قذرة لم انتبه لها . فلحق بي ورمى بنفسه في الحفرة ملهوفاً من خوفه على سلامتي وكُسرت ذراعه في الوحل من أجلي ..
أما خالي عدنان .
فقد أعتاد أن يقيم سنوياً حفل عشاء خيري لصالح الأيتام . وكان عازفاً حاذقاً للعود ، والناس كانوا ينصتون لعزفه ولغنائه الأشعار الصوفية فيبكون متأثرين ويخرجون من حفلته خاشعين ..
وعمي؟
هو من بنى مسجداً في القرية وسماه باسم جدتي الكسيحة ..
أما أنا؟
فلا أزال أسأل دون أن أتوصل لإجابةٍ شافية :
– لماذا يعلّموننا دائماً أن نَكرَهَ الآخرين؟
رغم أن النهار والليل لايحتاجان إلى دليل قطعي على ثبوت تواليهما .
Discussion about this post