قراءة في قصيد (حب بمغسل الصوف)
للشاعر الدكتور حمد حاجي
رؤية الاديبة الشاعرة فائزه بنمسعود(تونس)
وبتُّ على الجنب سهران ما ذقتُ غمضا ولا سَهَدَا..
على النبع واعدتها عند أول رفّة طير..
إذا الليل كحل جفنيه بالنور ثم مضى..
وقد كنت ضربتُ لها موعدا..
أُهَيْلَ الهوى من ترى مبلغا أنني الصوتُ والآخرون الصدى..؟
ووافيتها والرقيب غفا.. رقدَا..
ولاحَت على حجرٍ حُرّة، تغسل الصوف، تخبطه بالعصا
تغرف الماء تنقِذُ أصوافها من بُحورِ الظَّلامِ
وتقذِفها في بُحورِ الضيا والمدى
أُهَيْلَ الهوى من ترى مبلغا أحوَر المُقلَتين: وأني لها صوفةٌ ويدا؟
كأنْ قد رأت ملكا، كلما حدّقتْ، خجلتْ ثم تاهت سُدى..
وسلّمتُ فاحمرّ في خدها الورد نارا
بدا الثغر من تحت أدخنةٍ قد بدا أسودا
كجوهرة كلما زيد في الصقل، أشرقت فرقدا..
أُهَيْلَ الهوى.. لا تلوموا الحبيبة ما لم تمت كمدا..
وقامت تَكادُ الصبابة تُودي بِها بَدَدا..
وتوشك تعثُرُ بالصخر قادمة والعصا بيــــدِ..
وكنتُ أمدّ ذراعي لأحضنها في الزحام منفردا
فــــــــــــــأهوت علي بطرف العصا..
وحين أفقتُ من الحلم، ماكان نبعٌ، ولا مغسلٌ… يا أُهَيْلَ الهوى.. لَم أجد أَحَدا
—————————
محمود درويش يقول:
” يا ابني لك حلمٌ ..
فاتبع الحلمَ بما أوتيتَ من ليل ٍ !!
وكنْ إحدى صفات الحلم
واحلمْ تجد الفردوس في موضعهِ
——————————
العنوان حب بمغسل الصوف
حب وصوف ومغسل
هذا يدعو اصلا الى الريبة والتسؤال لماذا هذا العنوان؟
– [ ] وهل المضمون سيكون وفيا للعنوان ولن يخونه ؟
وما مدى امكانية وجود هذا الحب في زمننا هذا
أحس العنوان متبرئ من زمن الحكي …
وكأن الشاعر أراد من خلال العنوان أن يجعلنا مسبقا نعيش في الحلم
أو نسافر في الماضي لنرى جداتنا يغسلن الصوف عند النبع
والنبع في المخيال الشعبي هو مكان التقاء العشاق
ومنه انطلقت حكايات الغرام الشيقة
المقطع الأول
وبتُّ على الجنب سهران ما ذقتُ غمضا ولا سَهَدَا..
على النبع واعدتها عند أول رفّة طير..
إذا الليل كحل جفنيه بالنور ثم مضى..
وقد كنت ضربتُ لها موعدا..
أُهَيْلَ الهوى من ترى مبلغا أنني الصوتُ والآخرون الصدى..؟
هذه الأبيات تضعنا مباشرة وجها لوجه مع الليل(وبتّ) والسهر والسهاد
مع انتقال فجئي الى انهزام الليل امام جند النور
وجاء الشاعر بالنهار غصبا عنه
لان مع النور له موعد مع الحبيبة ولقاء على النبع
كما نسمعه يناجي أهل الهوى بـأن يبلغوا الحبيبة
انه هو الحب الحقيقي والباقون رجع صدى
وبان حامل الهوى تعب
المقطع الثاني
ووافيتها والرقيب غفا.. رقدَا..
ولاحَت على حجرٍ حُرّة، تغسل الصوف، تخبطه بالعصا
تغرف الماء تنقِذُ أصوافها من بُحورِ الظَّلامِ
وتقذِفها في بُحورِ الضيا والمدى
أُهَيْلَ الهوى من ترى مبلغا أحوَر المُقلَتين: وأني لها صوفةٌ ويدا؟
وفي غفلة من الرقيب ذهب الحبيب الى الموعد ولم يتأخر ( وافيتها)
في المكان المحدد رآها تغسل الصوف وتنضو عنه سواد العوالق والغبار ليستعيد بياضه الناصع
واستعمل لرسم الصورة الشعرية التضاد(الظلام /الضياء) ودوما يناشد اهل الهوى تبليغها بحرّ ما يعانيها من حبها لدرجة انه تمنى لو كان هو الصوف الذي تقلبه بين يديها وتلحظه بمقلتيها
المقطع الثالث
كأنْ قد رأت ملكا، كلما حدّقتْ، خجلتْ ثم تاهت سُدى..
وسلّمتُ فاحمرّ في خدها الورد نارا
بدا الثغر من تحت أدخنةٍ قد بدا أسودا
كجوهرة كلما زيد في الصقل، أشرقت فرقدا..
أُهَيْلَ الهوى.. لا تلوموا الحبيبة ما لم تمت كمدا..
توهم العاشق ان المعشوقة لمحته وراحت تتغنج وتسوق الدلال
وبكل شجاعة سلم فازداد حياؤها ويبدو انها اعجبت بثغره البسام وبجماله وبانت عليها علامات العشق وهي المغرمة صبابة
ويطلب من اهل الهوى ألَّا يلوموا الحبيبة في هواه لانه يستحق أن يِحبً وهو أهل لهذا الحب
لحد هذا المقطع
كان الموعد وكان اللقاء ودارت كؤوس الهوى بين الحبيبين (عاشقان تواعدا ولا لوم على العشاق في
ما يدور بينهما في المواعيد)
ويا أهل الهوى
أنصفوا الهوى
المقطع الرابع
وقامت تَكادُ الصبابة تُودي بِها بَدَدا..
وتوشك تعثُرُ بالصخر قادمة والعصا بيــــدِ..
وكنتُ أمدّ ذراعي لأحضنها في الزحام منفردا
فــــــــــــــأهوت علي بطرف العصا..
وحين أفقتُ من الحلم، ماكان نبعٌ، ولا مغسلٌ… يا أُهَيْلَ الهوى.. لَم أجد أَحَدا
وفجأة ودون سابق انذار يتغير المشهد فنرى
الحبيبة تهجم بعصاها على الحبيب وكانه في حالة تحرش
حيث تنكرت للحب وللموعد
وفي أوج الحرج يخبرنا الشاعر ان الامر ما تعدّى الحلم
إقفال راوغ وكسر أفق توقعات المتلقي
وأفق التوقع هو مفهوم جمالي له أثر في عملية بناء النص الفني والادبي وهو جزء من عملية الاستقبال يمكن ان يؤدي الى الاحساس بالرضى حين يوافق توقع المتلقي او الاحساس بالخيبة الحينية لأنه خيب توقعاته أو أتى على عكسها تماما
هذا القصيد مثلا بالنسبة لي لم يذهب بنا -لا للرضى ولا للخيبة —بل الى جانب آخر هو (المفاجأة) لأنه قدم شيئا جديدا لا يعرفه المتلقي
ويبدو ان الشاعر قد أخذ بالحسبان اختلاف أُفق التوقع ، ونوع الاستقبال في زمن نظم قصيده
أخلص لاقول (حب بمغسل الصوف)
هذا القصيد الحلم او الحلم القصيد هذه اللوحة المرسومة بفنية عالية
أخذنا فيها الشاعر في جولة الى كل قرية أو ريف عرف عملية غسل الصوف في النبع
وعرف تباري البنات في تنظيف الصوف
وفي شد انتباه الشباب واستمالتهم لحبهن
وكما اشرت ويشير تاريخ العين او النبع ووو الى
قصص الهوى
فجميل التقى بثينة عند نبع الماء اول مرة واحبها
ولعل اشهر لقاء عند النبع (لقاء موسى عليه السلام في مدين ببنتيْ صاحب مدين اللتين سقى لهما وتزوج احداهما بعد ذلك)هذا على سبيل ذكر النبع
اما الحلم فكان في كل حالاته حلما وطريفا
دام ابداعك دكتور حمد الشاعر
فائزه بنمسعود
Discussion about this post