قراءة في ديوانِ ***وعد الحبّ دين***
للشَّاعرة **هيفاء الزّرّاد**
***
بقلم الشّاعر **فتحىي مديمغ**
***
”للحُلمِ بقيَّـــــةٌ”
هذهِ المجموعةُ الشِّعريَّة البكر التي تُصدِرُها الشَّاعرة ” هيفاء الزّرّاد ” ”وعدُ الحبّ دين”…
في ديوانها هذا الذي بينَ أيدينا نجدُ هنالكَـ تفاوُتًا وتفوُّقًا إبداعيًّا فنيًّا مُمَيَّزًا ناجمًا عن تجربةٍ حياتيّةً حَوّلتها الشّاعرةُ إلى نبضاتِ قلْبٍ مُفعمٍ بالإيجابيّةِ والإيحائيّة الواقعيّةِ في مُعْظمِ معاني المفرداتِ.
والجديرُ بالذّكر أنَّ الشَّاعرةَ “هيفاء الزّرّاد” تقبَعُ بين خفايا السّطورِ فتُعْطي للمعاني حياةً ممّا ألهَمَ المَخطوطَ دورا كبيرا و فعَّالا في حَراكـ الحُروف التي خطّتْ المعاني و أضافتْ انسيابِيّة أدبيَّةً في تفجيرِ طاقاتِها و مَوهبتِها الشِّعريَّة وفي صقلِ وتطويرِ أدواتِها الكتابيَّة التّعبيريَّة وَرَهَافةِ حِسِّها الفنِّي المُرهَف ومَلَكتِها الشِّعريَّةِ إلى مسافاتٍ وَ مَدَاراتٍ و أبْعادٍ أوسعَ.
( صفحة 14 / سطر 13 : قصيد “رجل الأحلام” :
يا ليتني أعثر على جوابٍ واحدٍ
يعيدُ إليّ السّكينة… )
و ”هيفاءالزّرّاد” تتحلَّى بثقافتِها الواسعةِ المُستمرَّة ممّا عملَ على شحْنِ طاقاتِها وتطويرِ وتوسيع آفاقِها الشِّعريَّةِ الإبداعيَّةِ.
إنَّ قصائِدَ هذا الدّيوان لامسَت التّجديد، إذ نجدُ عندَ شاعرتنا الصُّورَ الشِّعريَّةَ الجميلةَ المُبْتكرةَ و الخَيالَ الواسعَ و الأسلوبَ الرَّشيقَ الشَّائِق السَّريعَ المُعَبِّرَ و المُباشرَ أحيانًا.
( صفحة 19 / سطر 20 : قصيد “الحياة تفرّق بيننا” :
كم تمنّيتُ أن تداعبي نجاحي بورودِك… )
فهي تستعملُ الكثيرَ منَ الرُّموزِ المُسْتَحْدثةِ للتّوظيفِ الدَّلالي للمعاني والأهدافِ و المواضيعِ التي تُريدُهَا و تَبتَغِيها، فتجعلها هدَفًا و قد وُفِّقَتْ “هيفاء الزّرّاد” إلى حدٍّ بعيدٍ عبر ديوانِها البكر ”وعدُ الحبّ ديْن” في جعلِ معاني حروفها تصطفّ وراء موسيقى داخليَّةٍ أخَّاذةٍ، فهي تنتقلُ في قصائِدِها بشكل مُلائِمٍ ومُتناغمٍ، ونجدُ بعضَ المقاطع في العديد من قصائِدها قد جاءَتْ مَوزونَةً مُلتزمةً بنمطٍ مُعَيَّنٍ منَ الإيقاع…
( صفحة 39 / سطر 15 : قصيد “حبيبك إلى الأبد” :
هذه المرّة يهزمني واقعك
و يغرّر بي جنونك
أصبحت أعيش من خلالك
فأحتسي على الرّيق جرعات التّفاؤل من نبرات صوتك
و أحقن في دمي مرحَ تصرّفاتِك… )
فهي تقُول الحقيقةَ بطريقةٍ غيرِ مباشِرةٍ، و تجعل من الغزَلَ سبيلاً للتّواصل و شُعُورا بعَالَمٍ سابقٍ و مُستقبلٍ، و طريقًا للوجود… وكشفتْ عَوالمَ الخُصوصيّةِ للعَامّةَ فعرّتْ خُصوصيَّةَ المُتلقِّي و أبَانَتْ عمُوميّةَ الباثِّ… بأن أضافت شاعرتُنا النّثْرَ المَوزُونَ ممّا أضفى على شِعْرها صِبغةً جماليَّةً أخرى، لأنَّ الوزنَ الخارجيّ (الخليليّ ) يُحَلِّي وَ يُجَمِّلُ القَصيدةَ شَكليًّا و ذَوقيًّا ويكونُ لكلماتِ القصيدةِ ومُوسيقاها وقْعًا جميلاً أخَّاذًا في نفسِيَّةِ و وجْدانِ المُستمعِ المُتذَوِّق للشِّعرِ…
( صفحة 59 / سطر 1 : قصيد “هل نكون أصدقاء؟” :
إن لم تكن حبيبي
فهل نكون أصدقاء؟
المهمّ أن يجمعَنا شيء ما… )
هي تكتبُ بصدقٍ و حرارةٍ و بحِسٍّ عاطفيٍّ جيَّاشٍ… وهذا ما يلمسَهُ القارئُ عندما يقرأ شِعرَها من خلال عُمق التّجربةِ الشَّخصيَّة و الذّاتيَّة و التّجارب الحياتيَّة فنلمسُ الإنسانَةَ المُتَروِّيَةَ بالمُثُلِ و القِيمِ و المبادئ السَّاميةِ و الالتزام بنُظُمِ الحياةِ العَلائقيّةِ. وفي شِعرها نجدُ طابعَ و روحَ الأمل و التّفاؤُل في مَحطّاتٍ متعدّدة الملامح ممّا يجعلُ أشعارَها تُغدق على الحياة حياةً أخرى…
( صفحة 73 / سطر 14 : قصيد “هل تحبّها؟” :
تصنع من معاناتي فرحا…
تخلق من قلب أزماني
كمّا هائلا من الإيجابيّات…
فتزيّن حتّى خيباتي
تزرع في ثنايا الأشواك…
ورودا من الصّمود و حدائق من الآمال… )
في شعرها… لا زيفٌ و لا تمثيلٌ مُصطنعٌ… فتجسّدَت القصائدُ في أسمى أشكال الفعل الإنساني النّبيل… فشِعْرُها الغزليُّ مُتَسَرْبلٌ بالكثير من العباراتِ والمُفـردات الجديدة و بالصّور الشّعريَّةِ المُبتَكَرَة… بل هي تُعْمِلُ موْهبتَها و تختارُ المعاني الجميلةَ والإشعاراتِ الجديدةَ التي تتلاءَمُ و تتناغمُ مع روحها و مع مُنطَلق التّجْديد و الحداثة.
و في أشعارها الغزليَّةِ لا تكتفي فقط بوصْف المحبوب و ببثّ لوَاعِجِه وشوقه… بل نجدُ في شِعْرها البُعدَ الإنسانيّ والفلسفيّ للحياةِ و الوجود و الكثيرَ من العناصر و الأطياف الجماليَّة و الفنّيّة والتَّألُّق و الإبداع و الأصالة.
( صفحة 65 / سطر 11 : قصيد “العمر لحظة” :
و لكنّك في الكذب تبدو أحلى
أتصدّق بأنّني أحببتك أكثر
و أنت تحاول أن تتجاهل حبّي و لم تقدر… )
ففَنُّ تصفِيفِ الكلماتِ و العبارات مُجدِّدٌ… إذ أنّها تعرفُ جيِّدًا كيفَ تُوظِّفُ المفرداتِ و العباراتِ و المصطلحاتِ في مكانِها و مَوْقعها الصّحيح، فلديها مُعجمٌ شعريّ حافلٌ بالصُّور و الجُمل والعباراتِ الجديدةِ، و بالصّور الجميلةِ المُتْرَعةِ بروح الابتكار و التّجديد.
( صفحة 145 / سطر 13 : قصيد “الفستان الأحمر” :
عش الدّور و ساعدني
أن أكذبَ على نفسي
أريد أن يسجَّلَ صوتك في أذنيّ
كي أسمعه عندما
ينزل السّتار و تنتهي المسرحيّة… )
و خلاصةُ البوْح، نجد شاعرةً لها القدرةُ على كتابة القصيدة الغائرةِ من حيث المعنى و المبنَى و المغنى… فتُنَوّعُ أغراضها وتوصلُ فيه صوتَها و ترسمُ لنفسها هُويّةً جديدةً و تمارس الخروجَ باللّغة عن أصل مَجْراها بما يُحلّق بنا بعيدا عن الفردانيّة المُقيّدة في مكانها و زمانها فتنفتح المفردة على تآويلَ عديدةٍ فيضمنُ النّصّ استمْراريتَه في الزّمن ليكون متجدّدا مع كلّ قراءة و يستأنف مِيلادَه و لذلك لا ينقادُ القارىء إلى روتين الفهم الأوّليّ في ديوانٍ أعطى للشّعر مُيولاتٍ قَصَصيّة ليخرج به عن المألوف و يُؤسّس… إن صحّ القول… لــــ “شعْر القصّة”… فإذا كان الأسلوبُ طريقةَ المُبدع في التّعبير عن أفكاره و أحاسيسه وانفعالاته، فإنّ الأسلوبيّة طريقة المُتلقّـي في قراءة النّصوص و تـأويلها…
أتمنَّى للشّاعرة الشَّابّةِ المبدعةِ ”هيفاء الزّرّاد” المزيدَ من العطاءِ و الثّراء الشّعري و الأدبيّ بإصدارِ دواوينَ شعريّةٍ أخرى جديدة و مُميّزة. و أنا على ثقةٍ وقناعةٍ تامّةٍ أنَّهُ في فتراتٍ قريبةٍ إذا تابعَت مِشوارَها و مسيرتَها الأدبيَّةَ و عملَت على تطوير أدواتِها الشّعريَّةِ و صقل موهبتها و شحْذِها وتوسيعِ عوالمِها و آفاقِها الفنّيَّةِ ستتحوّل إلى روائيّة و قاصّة نظرا و أنّ سلاسة المعاني في ديوانِها ”وعدُ الحبّ دين” تُفضي إلى ترابطِ الأحداثِ و تسَلْسُها… لأنّها تملكُـ جميعَ الأدواتِ والعناصرَ و الأسُسَ الفنّيَّةَ و الإبداعيّةَ و لديها مَلَكةٌ و طاقةٌ شعريّة مُميَّزةٌ…
وكما تقول الشّاعرة ”بسمة الحذيري” : الأدب عموما… إنسانيّ بدرجة أولى…
الشّاعر **فتحي مديمغ**