في مثل هذا اليوم1 مايو 1962م..
فرنسا تجري أولى تجاربها النووية في الصحراء الكبرى في الجزائر.
تمرّ اليوم الذكرى الـ 62 لأولى التفجيرات النووية الفرنسية بالجزائر، وهي جريمة حرب كبرى لا تسقط بالتقادم كما يصفها المؤرخون اقترفتها السلطات الاستعمارية الفرنسية بالجنوب الجزائري، وتعتبر “إبادة جماعية” بمفهوم القانون الدولي.
بتاريخ1مايو 1962، قامت فرنسا بتفجير أول قنبلة ذرية، في إطار العملية التي تحمل اسم “جربواز بلو” (اليربوع الأزرق)، في سماء صحراء رقان، مما تسبّب في كارثة طبيعية وبشرية، وبحسب الخبراء، يُعادل هذا التفجير الذي تتراوح قوته بين 60 و70 ألف طن من المتفجرات خمسة أضعاف قنبلة هيروشيما باليابان.
إن المؤرخين يؤكدون أنّ فرنسا الاستعمارية قامت خلال تلك الفترة بـ 57 تجربة نووية شملت 4 تفجيرات جوية في منطقة رقان، و13 تفجيرًا تحت الأرض في عين إيكر، بالإضافة إلى 35 تجربة إضافية في الحمودية، و5 تجارب على البلوتونيوم في منطقة عين إيكر الواقعة على بعد 30 كيلومترًا من الجبل، حيث أجريت التجارب تحت الأرض.
وفي تصريح سابق للصحافة، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إنّ الجزائريين “ينتظرون اعترافًا كاملاً بكل الجرائم التي اقترفتها فرنسا الاستعمارية”.
وبخصوص التفجيرات النووية، أكد تبون ضرورة قيام فرنسا “بتنظيف المواقع النووية ومعالجة ضحايا التجارب النووية”، مضيفًا أن “العالم احتشد من أجل كارثة تشيرنوبيل، في حين أن التجارب النووية في الجزائر تثير ردود أفعال قليلة بالرغم من أنها حدثت علنا وبالقرب من التجمعات السكنية”.
وفي إطار تسريع الدولة للإجراءات الهادفة إلى تدارك المخاطر التي تمثلها مخلفات هذه التفجيرات، تم إنشاء الوكالة الوطنية لإعادة تأهيل المواقع القديمة للتجارب والتفجيرات النووية الفرنسية في الجنوب الجزائري سنة 2021، حيث إنه رغم مرور ستة عقود عن أولى التجارب النووية إلا أن النشاط الإشعاعي البيئي في المناطق التي شهدت هذه الجريمة يبقى مرتفعًا بسبب استمرار مخلفات الإشعاعات.
وفي تلك الفترة، ادعت قوات الاحتلال الفرنسي أنّ ما أسمتها “التجارب” تجرى في مناطق غير آهلة وصحراوية وهي رقان (أدرار) وعين ايكر (تمنراست) في الوقت الذي كانت هذه المناطق تؤوي قرابة 20 ألف مدني.
ويعاني سكان مناطق عدّة في الجنوب الجزائري، من مخلفات التفجيرات، حيث يتم تسجيل عدّة حالات سرطان وتشوهات عند حديثي الولادة وإعاقة وعقم واضطرابات نفسية مزمنة سنويًا، إلى جانب الأضرار الكبيرة التي تهدد السلامة البيئية والإقليمية.
ولم يتمّ إلى غاية اليوم تسليم السلطات الجزائرية خرائط ومخططات تبيّن أماكن دفن العتاد المستعمل أثناء هذه التفجيرات والتجارب بالرغم من النداءات والمبادرات الكثيرة التي قامت بها عدة جمعيات للمطالبة بالتكفل بالضحايا وتطهير مواقع النفايات الإشعاعية واسترجاع الأرشيف الصحي والتقني.
وطالبت الجمعيات بوقف العمل بما يسمى “قانون موران” الفرنسي الصادر في 5 يناير 2010، والذي تقول إنّه أقصى الضحايا الجزائريين من كل شكل من أشكال التعويض.
يرى خبراء في القانون أنّ نتائج التفجيرات النووية بالجنوب الجزائري، تعدّ إبادة جماعية بمفهوم القانون الدولي الإنساني وانتهاكًا للاتفاقيات الدولية والمواثيق الخاصة بالحقوق الإنسانية والفردية، تترتب عنها المسؤولية الدولية على الدولة الفرنسية المطالبة بالتعويض المادي والمعنوي للضحايا.
ويؤكد المختصون أنّ معاهدة حظر الأسلحة النووية التي وقعت عليها الجزائر، أقرّت التزامات جد مفيدة من أجل تطهير مواقع التفجيرات النووية الفرنسية بالجزائر، حيث تنص المادة السادسة من هذه المعاهدة على أن “الدول الأطراف، لاسيما تلك التي نفذت تجارب نووية، تلتزم بتوفير ما يكفي من المساعدة لضحايا استخدام الأسلحة النووية وتجاربها وإصلاح بيئة المناطق المتضررة من استخدام الأسلحة النووية وتجاربها”، وتؤكد المادة السابعة أنّ “الدول الأطراف تلتزم بالتعاون وتوفير المساعدة الدولية لدعم تنفيذ المعاهدة”.
يُذكر أنّ المنظمة غير الحكومية لإلغاء الأسلحة النووية (ايكان) دعت سنة 2021 الحكومة الفرنسية إلى الالتزام بتسهيل كيفيات تعويض الجزائريين ضحايا التفجيرات النووية وتسليم الجزائر القائمة الكاملة للأماكن التي ردمت فيها النفايات النووية.
وأكدت هذه المنظمة الحاصلة على جائزة نوبل للسلام سنة 2017 وتضمّ حوالي 570 منظمة غير حكومية عبر 105 بلدان، أن “الماضي النووي لفرنسا لا يجب أن يبقى مدفونًا تحت الرمال”.
وأقرّ جانو أنّ الفرنسيين لم يكتفوا بإجراء تجارب نووية على عينات من مختلف الحيوانات والأشجار، بل أجروا أيضا هذه التجارب على 150 سجينًا بينهم حوامل وأطفال وشيوخ، واستعملت أجهزة خاصة للتمكن من تحديد مفعول التفجيرات وإشعاعاتها على الكائنات الحية والنباتات والمياه، بالرغم من المعارضة الدولية لهذا النوع من التجارب بالنظر إلى خطورتها وما ينجرّ عن سرعة انتشار السحاب النووي عبر العالم وهو ما حدث فعلاً، حيث امتد إلى العديد من الدول كليبيا وإسبانيا والبرتغال.
وبجانب اعتراف الوزير الفرنسي للدفاع هيرفي موران أنّ التجارب المثيرة “أدت إلى انعكاسات إشعاعية”، يبرز مختصون في الإشعاع النووي عدم اقتصار الآثار المأساوية لتلك التجارب على البيئة والإنسان عندما عايشته منطقتا رقان وتمنراست على مدار الخمسين سنة المنقضية، بل ستتواصل تهديداتها إلى حدود 24 ألف وأربع مئة سنة قادمة، وسط الافتقاد إلى دراسات وبائية من شأنها تحديد درجة العدوى.
ويذكر شهود لا زالوا أحياء، أنّه منذ ذاك التفجير “لم يروا خيرا”، حيث تفاقمت الوفيات دون أعراض مرضيـة معروفة، بجانب كثرة الحساسية الجلدية عند السكان المحليين، بجانب فقدان البصر والسمع والأمراض التنفسية، وظهرت أعراض غريبة على المرضى، منها ظاهرة صعوبة تخثرّ الدم عند الجرحى، والحساسية المفرطة عند الأطفال بعد إجراء بعض التلقيحات.
ويطالب خبراء الدولة الفرنسية بتسليم الأرشيف الخاص بهذه الجرائم النووية ضد البيئة والإنسانية، ويلح هؤلاء على أهمية المطلب لتحديد مكان دفن النفايات السامة والمواد المشعة حتى يتسنى تحجيم مضاعفات محتملة خلال القرون المقبلة.!!