فقرة القصة القصيرة لنافذة الابداع والنقد للأستاذ
خالد بوزيان موساوي
تستضيف اليوم ومن المغرب الحبيب عضو النافذة الكاتبة المبدعة الصديقة الأستاذة رجاء بسبوسي.
كتبت لي في ورقة تعريفية مختصرة:
“رجاء بسبوسي، كاتبة من المغرب. أكتب الشعر والقصة القصيرة والمقال، ونشرت أعمالي في العديد من الجرائد والمجلات الورقية والإلكترونية داخل وخارج المغرب.
حاصلة على الإجازة في شعبة القانون بالفرنسية، تخصص إدارة الأعمال.
مديرة بيداغوجية سابقة لأحد مراكز تعلم اللغات بمدينة سلا. مديرة النشر بمؤسسة “مجلة أصداء ثقافية” التي تعنى بالفكر والأدب والفنون، وتهتم بتشجيع الشباب على الخلق والإبداع.
صدر لي بمصر سنة 2021 ديوان مشترك مع مجموعة من شعراء الوطن العربي بعنوان “ديوان الشلال”. وصدرت لي كذلك سنة 2022 مجموعة قصصية بعنوان “حلم امرأة مضحك” عن منشورات “جامعة المبدعين المغاربة”، وستصدر قريبا طبعة مصرية لنفس المجموعة عن دار الياسمين للنشر والتوزيع.
لي رواية قيد الطبع بعنوان ” على نار هادئة”…”
ونستضيفها اليوم عبر هذا النص القصصي البديع والشيق والهادف.
النص:
تلك الطاولة
أنا وأنت .. وقصيدة تتوسطنا في هذا المساء، كتلك الطاولة الأنيقة التي وقفتْ بيننا في مقهانا القديم، تحاول مشدوهة فكّ شفرات حديثنا الأخير. لازلت أذكرها تلك الطاولة التي لا أعرف إن كان الصقيع المتصلب على الأرصفة وراء زجاج النافذة من أرعشها في ذلك اليوم، أم هو برودنا؟ كل شيء في ذلك المقهى كان يعيش ترف حرارة تتحدى الثلج المتوَعِّد من سقف السماء إلاّ طاولتنا: الموقد الملتهب في الزاوية، عشاق المقهى الذين يجلسون في دفء ملتصقين ببعضهم .. يتهامسون .. يستمتعون بشاعرية المكان المختبئ بين أشجار الأرز كبيت جبلي مقفول على حميميته، يضحكون وقد انشغلت الحياة عنهم لبعض الوقت وجاءت تقفل دفاترنا. الرجل العجوز الذي أصبح بيننا وبينه ألفة لفرط ما أمضيناه من سنوات نرتشف فناجين الحب في ذلك المكان، يجلس بقبعته الرمادية في الركن ذاته، يتصفح واحدا من كتبه الدافئة وهو يدخن سجائره الفاخرة، ويسترق النظر إلينا مستغربا لكوننا في ذلك المساء لم نكن نشبه نفسيْنا. داليدا في “موت على خشبة المسرح” تسأل الموت أن لا يأتيها عندما تكون وحيدة، تقول له أنها تريد أن تختار أيضا موتها، تريده تحت الأضواء ودون ألم. تطلب منه أن يختار أمسية احتفال إذا أراد أن يرقص معها، وتصدح في أرجاء المقهى أنها تريد أن تموت على خشبة المسرح وهي تغني حتى النهاية… .
أكنّا أيضا نختار موتنا في ذلك المكان بكل ما ادّخرناه من برود ليوم كهذا؟ أم أن حبنا شاخ قبل الأوان، ونادانا لنحضر مراسيم دفن لم نحدّد توقيته؟ بدا موعدنا رتيبا، فاقدا لشحنة الحرارة التي تلهب المكان. لا أحد منا تحدث عن الوداع ولكننا كنا نوَقِّع وثيقته بتحضّر ونحن نبتسم لبعضنا كسياسيين محنكين، ولا أحد منا انتبه أننا تحدثنا عن المستقبل بدون أن يضع كل واحد منا الآخر في خانة المرافقين. لم تشرب أنت قهوتك المفضلة، وارتشفت أنا القليل من الشوكولاتة الساخنة التي كنت أعشقها. لم تنتبه لقَصة شعري الجديدة، ولم أتذكر أنه يوم عيد ميلادك. ومع ذلك جلسنا طويلا أمام بعضنا نتحدث ونتأمل شكلنا الجديد لآخر مرة بابتسامات متقطعة.. ليست لنا.
على تلك الطاولة وضعت حساب النادل، وخرجنا معا. نسيت أنت قرب فنجان القهوة رائحة خياناتك ممزوجة برماد السجائر في المنفضة، ونسيت أنا قرب كأس الشوكولاتة الساخنة كلمات قصيدة أخرى فشلت أن أحبك بين أبياتها…
Discussion about this post